الأحد، 3 فبراير 2013



إندونيسيا


إندونيسيا أرخبيل واسع يتكون من ثلاث عشرة ألف جزيرة، ويمتد لمسافة خمسة آلاف كيلو متر بين المحيطين الهندي والهادي [من الغرب إلى الشرق]، كما يمتد لمسافة ألفي كيلو متر من الشمال إلى الجنوب.
وتعتبر إندونيسيا أراضي عشرية كأرض جزيرة العرب كونها أسلم أهلها عليها دون فتح أوقتال، وهي غنية جداً بالثروات المتنوعة والنفط والمعادن والتوابل والمحاصيل الزراعية المختلفة.
وتبلغ مساحة إندونيسيا 1.8 مليون كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها مائتين وثلاثون مليون نسمة، وهي رابع دولة في العالم من حيث عدد السكان وأكبر دولة في العالم الإسلامي، والمسلمون في اندونيسيا يُشكلون حوالي 90 % من سكانها، ويقطن حوالي حوالي45 % منهم في جزيرة جاوا وحدها. وأما غير المسلمين في إندونيسيا فلا تتجاوز نسبتهم العشرة بالمائة منهم 7% من النصارى وَ 2% من الهندوس وَ 1% من البوذيين.
دخل الإسلام إندونيسيا عن طريق التجار المسلمين، وكان سكان إقليم آتشيه الموجود في شمال غرب جزيرة سومطرة هم أول من دخلوا في الإسلام في تلك المنطقة وذلك في القرن الخامس للهجرة، وكان جيهان شاه أول سلطان مسلم يحكم هناك في العام 602هـ.
زار الرحالة المسلم الشهير ابن بطوطة سومطرة في العام 746هـ وسجل ملاحظاته عن أحد سلاطينها آنذاك فقال: "هو السلطان الملك الظاهر من فُضلاء الملوك، شافعي المذهب، محب للفقهاء، يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة، وهو كثير الغزو والجهاد، ومتواضع، وأهل بلاده شافعية محبون للجهاد يخرجون معه تطوعاً، وهم غالبون على من يليهم من الكفار، والكفار يعطون الجزية ...".
وبينما اعتبر إقليم آتشيه من جهة نقطة ارتكاز للدعوة الإسلامية وموضع تجمع حجاج المنطقة للانطلاق إلى مكة المكرمة لدرجة أن عاصمة الإقليم باندا آتشيه تعني المدخل إلى مكة، اعتبر من جهة ثانية موطئ قدم اتخذ للغزاة الصليبيين الأوروبيين – وذلك لأهمية موقع هذا الاقليم الجغرافية كونه يُشرف على إقليم ملقا - فقد احتل البرتغاليون في العام 917هـ مضيق مالاقا، وسيطروا على إقليم آتشه الواقع في شمالي جزيرة سومطرة، وواجهوا مقاومة عنيفة ولم يفلحوا في السيطرة على الكثير من المناطق، وفي العام 1005هـ هُزم البرتغاليون على يد الهولنديين الذين نجح أسطولهم البحري في ذلك الوقت في بسط سيطرة الاستعمار الهولندي على ليس على الاقليم والمضيق وحسب ولكن على معظم أراضي إندونيسيا، ولكن جهاد المسلمين الإندونيسيين لم يتوقف للحظة، فقد قاد السلطان إبراهيم منصور شاه حرباً ضروساً ضد الهولنديين استمرت لمدة زادت عن الثلاثين عاماً منذ العام 1290هـ إلى العام 1322هـ وظهر من أبطال هذه الحرب القائد المشهور تنكو عمر.
وما أن هدأت الحرب قليلاً بفعل التفوق الاستعماري العسكري وبسبب عدم دعم العالم الإسلامي لمجاهدي إندونيسيا الذي تزامن مع سقوط الدولة العثمانية، حتى عادت المقاومة الإسلامية بثورات جديدة أقل حدة  استمرت حتى عام 1929م.
وفي الحرب العالمية الثانية احتلت اليابان إندونيسيا وطردت الهولنديين منها، ولكنهم سرعان ما عادوا إليها بعد هزيمة اليابان في نهاية الحرب.
وتحت وطأة الضغوط الأمريكية على الهولنديين وعلى المستعمرين القدامى كالانجليز والفرنسيين أعلنت إندونيسيا استقلالها في العام 1945م، وفي العام 1947م اعترفت هولندا رسمياً باستقلال البلاد، وابتليت إندونيسيا بعد الحقبة الاستعمارية الهولندية بحكام من جلدة أهل البلاد ولكنهم عملاء لأمريكا ومعادين بشدة للإسلام وتجلى هذا العداء بوضوح سافر بشكل خاص في ظل حكم سوكارنو وسوهارتو.
الحركات الانفصالية في إندونيسيا:
 
أولاً:  تيمور الشرقية:  استوطنها البرتغاليون في القرن السادس عشر الميلادي وظلت تحت حكمهم لمدة أربعة قرون، وتقع تيمور الشرقية على بعد 2500 كيلو متر إلى الشرق من العاصمة جاكارتا، وعندما انسحبت منها البرتغال في العام 1976م ضمتها إندونيسيا إليها برضا وسكوت من أمريكا كون الدكتاتور سوهارتو آنذاك كان يخدم الأمريكان ويقضي على النفوذ الشيوعي المنافس لها في المنطقة، ولكن وبعد انتهاء الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفياتي شجّعت أمريكا ومعها الدول الغربية الرئيسية سكان الإقليم على المطالبة بالانفصال وذلك بعد أن فقد نظام سوهارتو أهميته بالنسبة لأمريكا، فخرجت المظاهرات العارمة إلى الشوارع في العام 1998م تطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير حول انفصال تيمور الشرقية عن اندونيسيا ، وتسببت أمريكا باندلاع أزمة اقتصادية خانقة لإندونيسيا اضطرت الحكومة معها إلى توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 43 مليار دولار، كما اضطرت إلى إيقاف مشروعات الدولة الكبرى في التصنيع الحربي وبناء الطائرات، واستغلت أمريكا ذلك الضعف الذي لحق بإندونيسيا وممارسة مزيد من الضغوط عليها، وهو ما أدّى بالتالي إلى إسقاط سوهارتو، وإلى موافقة خلفه الرئيس الجديد يوسف حبيبي في 28/4/1999م على تحديد موعد لإجراء الاستفتاء على استقلال تيمور الشرقية.
وأجرى الاستفتاء في تيمور الشرقية بالفعل في شهر آب من نفس العام، وكتشجيع لها على المضي في الاستفتاء وافق البنك الدولي للإنشاء والتعمير على تقديم قرض لإندونيسيا بقيمة 600 مليون دولار، ثم أعلن الاستقلال في حضور دولي أممي مهيب وأُطلق على تيمور الشرقية تيمور ألورا ساي لقطع كل جذورها الحضارية التاريخية مع اندونيسيا.
وبُعيد الاستقلال مباشرة قطع النظام الجديد في تيمور الشرقية جميع صلاته بإندونيسيا، وتم اعتماد اللغة البرتغالية كلغة رسمية للبلاد بدلاً من العملة الاندونيسية، كما تم اعتماد الدولار الأمريكي كعملة رسمية، وعومل المسلمون كأقلية منبوذة وتم إقصاؤهم عن أي تأثير في الدولة بصورة متعمدة، فأغلقت معظم مساجدهم، وصودرت الكثير من أملاكهم، وتعرضوا لعدة مذابح، وهو ما أدى بالتالي إلى تهجير معظمهم إلى الشطر الغربي من الجزيرة التي تخضع لإندونيسيا.
إنه وإن كانت تيمور الشرقية من الصغر بحيث لا يزيد تعداد سكانها عن الثمانمائة ألف نسمة ولا تزيد مساحتها عن ألـ 14 ألف كيلو متر مربع إلا أن نيلها الانفصال والاستقلال عن إندونيسيا يعني أن الغرب الصليبي الحاقد نجح في زرع جسماً غريباً [إسرائيل جديدة] في جنب هذا البلد الإسلامي الكبير المترامي الأطراف، كما فتح المجال لعدة أقاليم تُطالب بالانفصال.
ثانياً:  إقليم آتشيه:  يقع هذا الإقليم كما ذكرنا آنفاً في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة سومطرا، ويبلغ عدد سكانه قرابة الخمس ملايين نسمة جميعهم من المسلمين الذين يعتزون بهويتهم الإسلامية ويصرون على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية.
مُنح الإقليم في العام 1945م حكماً ذاتياً من قبل سوكارنو لكن الحكومة الإندونيسية عادت بعد ذلك وقمعت السكان وفرضت عليهم الأفكار العلمانية الصارمة تحت اسم مبادئ البانتشا سيللا الخمسة وهي: 1- الربانية.  2- الإنسانية.  3- الوحدة.  4- العدالة.  5- الشورى. وحاربت الإسلام تحت اسم هذه الشعارات الغامضة الفضفاضة حرباً شعواء، واحتكرت ثروات الإقليم خاصة النفط والغاز والمحاصيل الزراعية كجوز الهند والبن، وارتكبت المذابح وانتشرت المقابر الجماعية.
ساهمت هذه السياسات القمعية للدولة ضد سكان آتشيه إلى نشؤ حركة تحرير آتشيه في العام 1976م ومطالبتها بالانفصال عن إندونيسيا، واستمرت المواجهات والاضطرابات بين الطرفين إلى أن مُنح الإقليم ثانية في العام 2000م حكم ذاتي موسع يُسمح للسكان فيه بتطبيق جزئي للشريعة، ويُعاد تقسيم الثروة في الإقليم من جديد بما يساهم في تنمية الإقليم ورفع المستوى الاقتصادي للمواطنين.
لكن المشكلة لم تُحل جذرياً بل انها كرّست وجود تفرقة دائمة بين العرقيتين، قد تؤدي الى إنفجار في أي وقت لأنها لم تُحل على أساس اسلامي.
ثالثاً:  جزر الملوك وأمبون:  سيطر الاستعمار الهولندي في العام 1602ميلادي على جزر الملوك الواقعة شرق جزيرة بورينو وشمال شرق جزيرة جاوا. وتعتبر جزيرة الملوك في الأساس جزيرة للتوابل، وتقع في الجزء الجنوبي منها منطقة أمبون الغنية بالقرنفل، وتصارع عليها قديماً البريطانيون والهولنديون والبرتغاليون، ولكن الهولنديون تمكنوا من السيطرة عليها نهائياً في العام 1814م، وتبنوا سياسة تهجير منهجية للسكان النصارى إلى جزر الملوك ليشكلوا اليوم حوالي 40% من سكانها فيما يبلغ تعداد المسلمين فيها حوالي 56% من السكان البالغ عددهم هذه الأيام مليونان.
لم يكتف الهولنديون بجلب النصارى إلى جزر الملوك بل وإنهم مكنوهم أيضاً من الوظائف الحكومية في الدولة، واهتموا بتعليمهم وبرفع مستواهم وبجعل الكنيسة قاعدة أساسية في تجميعهم وتوحيدهم ضد المسلمين. وأثمرت هذه السياسة فيما بعد عن مطالبتهم بالانفصال بحجة أنهم معرضون للتهديد من المسلمين.
واستمرت الحكومات الإندونيسية المتعاقبة في الحفاظ على الامتيازات التي منحها لهم الاستعمار الهولندي السابق للنصارى في جزر الملوك وهو ما أدّى إلى وقوع صدامات شبه دائمة بين المسلمين والنصارى في تلك الجزر.
وفي العام 2000م ارتكب النصارى مذابح ضد المسلمين سقط ضحيتها أربعة آلاف قتيل من المسلمين وهو الأمر الذي اضطر المسلمين للتسلح والانتقال من جاوا إلى الجزر للدفاع عن إخوانهم المستضعفين هناك، بينما ما زالت الحكومة تقف إلى جانب النصارى فيها.
واستغل النصارى وصول آلاف المسلحين المسلمين من جاوا للقتال إلى جانب اخوانهم في جزيرة الملوك فطالبوا وعلى لسان أسقفهم في أمبون الموسينيور مانداجي بتدخل مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للمساعدة في الحفاظ على حقوق النصارى في أمبون وجزر الملوك.
وهكذا صنعت السياسات الحكومية العقيمة والمنحازة الى جانب النصارى حالة جديدة من الانفصال في البلاد.
رابعاً:  أريان جايا:  يقع إقليم أريان جايا في النصف الغربي من جزيرة غينيا الجديدة كبرى الجزر الاستوائية في العالم، تم ضمها إلى إندونيسيا في العام 1963م بعد مفاوضات شاقة وطويلة مع الاستعمار الهولندي، وهذا الاقليم لا يصلح لإقامة دولة فيه، فلا يوجد فيه عدد كبير من السكان، ولولا أطماع الدول الاستعمارية في ثرواته، ومحاولة تقطيع أوصال إندونيسيا لإضعاف المسلمين في كل مكان لما وجد من السكان في أريان جايا من يطالب بالانفصال، وتوجد في 90 % من أراضي الاقليم الغابات الاستوائية.
أما بابوا غينيا الجديدة فهي الجزء الشرقي من جزيرة غينيا الجديدة المجاورة لأريان جايا فهي دولة مستقلة ولا تُعتبر أراضٍ إندونيسية، وكانت تخضع لأستراليا حتى العام 1975م وهو العام الذي مُنحت فيه الاستقلال.
وهناك أقاليم أخرى أقل أهمية تُطالب بالانفصال عن إندونيسيا بسبب السياسات الفاشلة التي تتبعها الحكومات الاندونيسية المتعاقبة ولكنها أقل أهمية من الاقاليم الأربعة المذكورة.
إن رؤية الاسلام التي يتبناها حزب التحرير في حل مثل هذه المشاكل الموجودة في اندونيسيا تفرض على جميع الأقاليم في الدولةالانصهار في ظل نظام الحكم الاسلامي الذي يُطبّق فيه الخليفة ( رئيس الدولة ) الأحكام الشرعية المستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله على جميع رعايا الدولة فلا يُميز بين ولاية وولاية، ويكون الجميع متساوون في الحقوق التي يستحقها كل من يحمل التابعية للدولة الاسلامية بغض النظر عن عرقه ودينه، فالنظام السياسي في الاسلام هو نظام وحدة لا نظام اتحاد، ولا يوجد فيه مناطق حكم ذاتي ولا قوانين مختلفة في أي إقليم عن سائر الأقاليم الأخرى، فالذي يُطبق في عاصمة الدولة من قوانين يُطبق في سائر ولاياتها بلا أي تغيير، ولا يوجد أي تمييز أو تفرقة بين ولاية وولاية في التطبيق، وإنه وإن كانت الادارة في الدولة الاسلامية غير مركزية، إلاّ أن ذلك لا يؤثر بتاتاً على وحدة الدولة وتماسكها، ولا على انصهار جميع الاثنيات في بوتقة الاسلام انصهاراً تاماً، وذلك لأن الحكم في الدولة مركزي بيد الخليفة وليس مقسماً بين الأقاليم، ولأنه قائم على أساس واحد قوي وصلب وهو قاعدة العقيدة الاسلامية التي لا يجوز أن يختلف عليها اثنان.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق