الاثنين، 4 فبراير 2013

قضية قبرص




قضية قبرص




تمتاز جزيرة قبرص بموقع حيوي شرقي البحر الأبيض المتوسط، فتقع قبالة السواحل الشامية من جهة الشرق وقبالة السواحل التركية من جهة الشمال.
فتحها المسلمون مبكراً في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان t سنة 649 ميلادي وظلت جزءاً من دار الإسلام لمدة اثني عشر قرناً تقريباً تخللتها فترات قصيرة جداً من السيطرة الفرنجية إبان الحروب الصليبية.
وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ومع ضعف دولة الخلافة العثمانية وتعاظم دور القوى الأوروبية الاستعمارية، وتعاظم دور روسيا، خشيت بريطانيا على مصالحها في البحر المتوسط من أن تتعرض للخطر الروسي الذي بات يهدد المضائق بين البحر الأسود والبحر المتوسط، وبات يُشكل خطورة على سيطرة بريطانيا على الملاحة في المتوسط، والتي كانت معظم تجارتها إلى الهند تمر من خلاله.
وبحجة أنها تريد تحصين وجودها في المنطقة لمواجهة التهديد الروسي الجديد قامت بخداع الدولة العثمانية، واستغلال ضعفها، ولانتزاع جزيرة قبرص منها طلبت من الدولة العثمانية أن يكون لها وجود عسكري مؤقت في قبرص للمشاركة في حمايتها وحماية تركيا من الغزو الروسي المزعوم، فوافق السلطان عبد الحميد الثاني على ذلك الطلب من موقع ضعف، ووقعت الدولة العثمانية اتفاقية مع بريطانيا في العام 1876م تنص على السماح للإنجليز بوجود عسكري مؤقت في جزيرة قبرص تحت السيادة العثمانية على أن يخرج الإنجليز من الجزيرة بعد انتهاء الخطر الروسي في المنطقة.
وقبل زوال الخطر الروسي سقط السلطان عبد الحميد، وأقحمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، وتنصلت بريطانيا من شروط الاتفاقية، وأعلنت إلغاءها إيّاها تحت ذريعة تحالف الدولة العثمانية مع ألمانيا، ومن ثم تم إلحاق قبرص بالمستعمرات البريطانية.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت أمريكا بالضغط على بريطانيا للخروج من المستعمرات، فأشعلت في قبرص ثورة من خلال اليونانيين للضغط على بريطانيا للخروج وتسليم الجزيرة لليونان.
ولكن بريطانيا التي أقامت في الجزيرة أكبر قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط أدارت الثورة من خلال عميلها المطران مكاريوس الذي تزعم الثورة ضد الاحتلال البريطاني، فطالب بالاستقلال عن بريطانيا وحوَّل مطالب الثوار التي كانت تنادي بالانضمام إلى اليونان إلى المطالبة بالاستقلال التام.
واستغلت بريطانيا تركيا كونها ترفض بالطبع ضم قبرص لليونان، وكانت النتيجة أن أعلن عن استقلال قبرص وانضمامها إلى الكومونولث البريطاني في العام 1960م.
استمر الصراع بين المستعمر البريطاني والمستعمر الأمريكي الجديد على قبرص حيث تريد بريطانيا الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في الجزيرة، وتريد أمريكا إخراجها منها، وتحولت القضية القبرصية بذلك إلى قضية من قضايا الصراع الدولي بدلاً من أن تكون قضية صراع بين المسلمين أصحاب الأرض وبين الاستعمار الغربي.
وفي العام 1974م أطاح انقلاب عسكري بمكاريوس وقفت وراءه أمريكا وكان الهدف منه واضحاً وهو إزالة القواعد العسكرية البريطانية، وازالة النفوذ الانجليزي من قبرص، فردت بريطانيا عليه بإنزال تركيا لجيشها في قبرص، واحتلال الجزء الشمالي الذي تقطنه أغلبية تركية، فأفشل هذا الإنزال الهدف من الانقلاب، وانقسمت جزيرة قبرص منذ ذلك التاريخ إلى شطرين: أحدهما بيد الأتراك والآخر بيد اليونانيين.
وكان هذا الانقسام بينهما ذريعة تساعد الإنجليز على الاحتفاظ بقواعدهم العسكرية، وعدم الخروج من قبرص، ويبدو أن تكريس الانقسام في الجزيرة هو أمر بات مقبولاً لدى الجميع بما فيها أمريكا لا سيما وأن كل محاولات إعادة توحيد شطري الجزيرة قد فشلت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.
وما يُعزز هذا الرأي ما جرى في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في جمهورية شمال قبرص التركية حيث فاز فيها درويش إيروغلو مرشح الحزب القومي القبرصي التركي الذي يدعو صراحة إلى انفصال الجمهورية القبرصية الشمالية عن قبرص اليونانية، وهو ما يضع عوائق جديدة حقيقية أمام الاتحاد، وقد أكد هذا المعنى الرئيس المنتهية ولايته محمد علي طلعت بقوله: "إنه من المستحيل مع إيروغلو مواصلة مفاوضات إعادة توحيد الجزيرة". فإيروغلو معروف عنه أنه يدافع بحرارة عن فكرة جزيرة بدولتين.
إن النظرة الإسلامية إلى جزيرة قبرص تقضي بأنها أرض إسلامية محتلة يجب إعادتها إلى حظيرة الإسلام، وكان ينبغي على حكام تركيا أن يعملوا بأكبر جهد ممكن لإعادتها إلى السيادة الإسلامية، وان يضموها الى تركيا ولكنهم بدلاً من ذلك تآمروا وتخاذلوا وأسلموها لقمة سائغة إلى الإنجليز بعد الحرب العالمية الأولى، ولم يفكروا البتة في تحريرها حتى الآن، وسلّموا بعدم إرجاعها الى وطنها الأم.
والشيء المؤسف والغريب في نفس الآن أن جميع حكام البلاد الإسلامية ما عدا تركيا قد اعترفت بسيادة الشطر اليوناني على الجزيرة، ولم تعترف بسيادة المسلمين الأتراك عليها.
إن قيام دولة الخلافة الإسلامية الآتية قريباً بإذنه تعالى سوف تعمل على قبرص بشطريها في ظل دار الإسلامن وهو عمل من أهم أولوياتها، لأن قبرص أرض إسلامية عريقة منذ فجر الإسلام، ولا يجوز التفريط أو التساهل في إعادتها إلى عقر دار المسلمين.
2


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق