الأحد، 24 يونيو 2018

الحرب التجارية بين أمريكا والصين عملية ابتزاز أمريكية لحمل الصين على تقديم المزيد من التنازلات


الحرب التجارية بين أمريكا والصين عملية ابتزاز أمريكية لحمل الصين على تقديم المزيد من التنازلات






الحرب التجارية بين أمريكا والصين عملية ابتزاز أمريكية لحمل الصين على تقديم المزيد من التنازلات  

مُنذ أنْ لوّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشنّ حربٍ تجارية كبرى على شركاء أمريكا التجاريين الكبار كالصين والاتحاد الأوروبي، وتعهد بانتصار مؤكد لأمريكا فيها، تعاظمت المخاوف من خطرها على أعمال الشركات وأسواق المال، ولم تهدأ القوى الكبرى المُستهدفة عن وضع الخطط التي من شأنها حماية مصالحها الاقتصادية، والحفاظ على سلامة أسواقها واستثماراتها، والدخول في مُناورات واتفاقات وصفقات تجارية مُتعددة مع الولايات المتحدة للتقليل قدر الإمكان من الخسائر والمضار التي قد تلحق بها.
كان ترامب قد تعهد في حملته الانتخابية باتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة الوظائف الأمريكية المفقودة بسبب ما أسماه التغلغل الاقتصادي الصيني، ووعد بفرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية.
وللصين فائض في المُبادلات التجارية مع أمريكا بلغ في العام 2017  ما قيمته 375 مليار دولار أمريكي، إذ أنّ صادراتها لأمريكا بلغت في هذا العام 492 مليار دولار، بينما صادرات أمريكا للصين بلغت 116.2 ، وأمّا استثمارات الصين في أمريكا لذلك العام بلغت 46 مليار دولار بينما استثمارات أمريكا في الصين بلغت 14 مليار فقط.
ويمتلك البنك المركزي الصيني سيولة نقدية بالعملة الأمريكية 2 تريليون دولار، وهذا يجعل من الصعب على أمريكا تحقيق انتصار حاسم في حروبها التجارية مع الصين، لذلك تلجأ للضغوط وفرض العقوبات المحدودة على الصين لحملها على تقديم التنازلات.
لذلك صعّدت أمريكا من ضغوطها على الصين، فقال ترامب:" إنّ واشنطن تجاهلت لسنوات المُمارسات التجارية الصينية"، وحمّل الإدارات السابقة مسؤولية الفشل في العلاقات التجارية مع الصين وهاجمها بشدة فقال:" إنّ أمريكا لا تخوض حرباً تجارية مع الصين لأنّها خسرت تلك الحرب منذ سنوات بسبب حمقى غير مؤهلين لتمثيل الولايات المتحدة، وإنّه بسبب هؤلاء أصبح لدينا عجز تجاري قيمته 500 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى خسائر قيمتها 300 مليار دولار"، وهاجم منظمة التجارة العالمية فقال:" إنّ الصين قوة اقتصادية كبيرة ولكنّ منظمة التجارة تُصنّفها ضمن البلدان النامية لذلك فهي تحصل على امتيازات هائلة وخصوصاً فيما يخص الولايات المتحدة"، وتساءل:" هل يعتقد أي شخص أنّ هذا أمر عادل؟"، وتابع :" إنّ مُنظمة التجارة العالمية غير عادلة مع الولايات المتحدة".
ثمّ في شهر آذار من هذا العام 2018 وقّع ترامب على مُذكرة تنفيذية لفرض رسوم جمركية على الصين بنسبة 25% على قائمة منتجات صينية بنحو 1300 منتج، وفرض رسوماً بقيمة 50 مليار دولار الصلب والحديد، وأنحى باللائمة على سياسات الملكية الفكرية التي تنتهجها الصين، وعلى إجبار الصين للشركات الأمريكية على مشاركة التكنولوجيا التي تستخدمها مع شركات صينية.
 وردّت الصين في اليوم التالي بفرض رسوم انتقامية ضد أمريكا بقيمة 3 مليار دولار على بعض الواردات الأمريكية منها لحوم الخنزير وأنابيب الصلب، ثمّ ما لبثت أنْ فرضت رسوماً جمركية بنسبة 15% على 128 مُنتجاً أمريكياً كرد سريع على الرسوم الأمريكية على واردات الألمنيوم والصلب الصينية بشكلٍ خاص، وهدّدت بفرض رسوم أخرى بنسبة 25% على 106 مُنتجات أمريكية أخرى من بينها فول الصويا والسيارات والكيماويات ومنتجات زراعية أخرى.
ورد ترامب بالتلويح بفرض رسوم جمركية إضافية على المُنتجات الصينية بقيمة ما بين 100 مليار دولار إلى 150 مليار دولار إنْ لم ترتدع الصين.
وواكب هذا التصعيد من الجانبين تقديم شكاوى إلى مُنظمة التجارة العالمية، فتقدّمت كل من الصين والولايات المتحدة بشكاوى ضدّ بعضهما إلى المُنظمة.
وتُعتبر مشكلة العجز أكبر مُشكلة  تُحاول إدارة ترامب معالجتها مع الصين، فقال مكتب الموازنة بالكونغرس الأمريكي وهو هيئة مُستقلة غير حزبية:" إنّ العجز وهو الفرق بين ما تُنفقه الحكومة وما تتلقّاه من عائدات الضرائب من المُتوقّع أن يرتفع إلى 804 مليار دولار عام 2018 من 665 مليار في العام 2017 ، وهو ما يعني ارتفاع العجز التراكمي بوتيرة مُتتالية".
وكلما تزداد المشاكل الاقتصادية في أمريكا يزداد معها تحميل الصين المسؤولية، ومن الانتقادات الرئيسية التي دأبت أمريكا توجيهها للصين وضعها لقيود على الدخول إلى السوق المالية الصينية في قطاعات عدة، وعدم السماح للشركات الأجنبية امتلاك أكثر من 25 % من رأسمال البنوك، ولهذا السبب فإنّ منظمة التجارة العالمية لا تعترف بالصين حتى الآن كاقتصاد سوق، وذلك لمشاركة الحكومة الصينية الواسعة في الصناعة، وبسبب اتهامها بسرقة الملكية الفكرية.
وبعد كل هذا التصعيد بين الطرفين، وبشكلٍ غير مُتوقع يأتي الانفراج، فيتغيّر موقف الصين فجأة، ودون سابق إنذار، وتُقدّم الصين في مؤتمر واو تنازلات كبيرة غير مُبرّرة، وتُعلن عن حزمة جديدة من الإجراءات الاقتصادية والتجارية المُلفتة، منها خفض رسوم الاستيراد، لا سيما على السيارات، ومنتجات أخرى، وتسمح بتمكين المُستثمرين الأجانب من شراء أسهم صينية بإتاحة امتلاك المؤسّسات الأجنبية بنسبة تصل إلى 51 % من الشركات الصينية العاملة في السندات وصناديق التمويل والأوراق المالية، وقالت هيئة تنظيم الاوراق المالية الصينية إنّه سيكون بمقدور المُستثمرين الأجانب شراء أسهم صينية اكثر من خلال برامج تربط بورصة هونغ كونغ بالبورصات الصينية، وأوضحت الهيئة أنّها ستبذل الجهود اللازمة لإقامة رابط مُشابه بين بورصتي شنغهاي ولندن، كما وتعهد الرئيس الصيني بمزيد من الانفتاح في المُستقبل.
وسارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التعبير عن امتنانه للرئيس الصيني شي جين بينغ على الخطوات التي اتخذتها بلاده في المجال التجاري، وقال:" أنا ممتن جدا لرئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ على كلماته الطيبة بشأن رسوم الاستيراد والقيود على السيارات، وأيضا لتفهمه لما يتعلق بالملكية الفكرية وقضية نقل التكنولوجيا، معا سنحقق تقدما كبيرا".
إنّ ثناء ترامب على الإجراءات الصينية، وهذا التغير المُفاجئ في الموقف الصيني لا يعني إلاّ رضوخ الصين للعقوبات الأمريكية، ومن ثمّ قام وفد امريكي رفيع المستوى بزيارة الصين، وضمّ الوفد وزير الخزانة ستيفن منوتشين ووزير التجارة ويلبور روس والمُمثّل التجاري روبرت لايتهابزر إلى جانب عدد من المسؤولين بينما قاد المحادثات من الجانب الصيني ليو هي نائب رئيس الوزراء، وقام الوفد بمفاوضات حاسمة نوقش خلالها مواضيع كثيرة منها الرسوم الجمركية والملكية الفكرية والاستثمارات، وتركّزت المُحادثات حول النزاع على ما يُزعم بقيام الصين بسرقة حقوق الملكية الفكرية، كما تمّ مُناقشة استراتيجية ( صُنع في الصين عام 2025 ) والتي تهدف إلى تهدف إلى تعزيز الصناعات الناشئة مثل الروبوتات وأشباه الموصلات والسيارات الكهربائية، وطلب الوفد الأمريكي من الحكومة الصينية منع دعم تلك الصناعات، و خفض الفائض التجاري مع أمريكا بمقدار 100 مليار دولار على وجه السرعة، وهكذا تمّ تسوية الخلافات بين الدولتين وفقاً للمطالب الأمريكية، وتلاشت لهجة التصعيد.
وقد أثارت الاجراءات الصينية الشكوك لدى المُراقبين بأنّ الصين قد خضعت لإملاءات وشروط ادارة ترامب، وأنّها لبّت المطالب الأمريكية، وهو ما دعا الحكومة الصينية لتبرير موقفها من هذه الاجراءات المُستهجنة، فخرج المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية غاو فينغ مُصرّحاً:" إنّ من التضليل القول بأنّ تعهد الرئيس الصيني في مُنتدى بواو الاقتصادي الآسيوي كان تنازلاً للولايات المتحدة"، وأضاف:" إنّ الرئيس شي كان يُوضّح فقط الخطوط العريضة لاستراتيجية الصين بشأن مزيد من الانفتاح وهو ما لا علاقة له بالخلاف التجاري مع الولايات المتحدة".
وأخيراً تمّ تتويج المفاوضات بين الطرفين بتوقيع اتفاق رسمي يوم السبت 19/5/2018  بين أمريكا والصين في ختام محادثات مُعمقة بين الدولتين شارك فيها عدد من الوزراء الأمريكيين مع نائب رئيس الوزراء الصينين رضخت بموجبه الصين بوضوح لمطالب إدارة ترامب، وأعلن عن اتخاذ اجراءات فعّالة لإحداث خفض جوهري في العجز التجاري لدى أمريكا مع الصين في مجال السلع، وجاء في البيان المشترك:" ستزيد الصين بشكل كبير مُشترياتها من السلع والخدمات من الولايات المتحدة من أجل مواجهة  تزايد الاحتياجات الاستهلاكية للشعب الصيني"، وأكّد البيان أنّ الصين:" ستُدخل تعديلات  على قوانينها ولوائحها ذات الصلة من أجل السماح بمزيد من الواردات الأمريكية"، كما اتفق البلدان على وقف فرض الرسوم الجمركية على بعضهما البعض، واتفقا أيضاً على مواصلة التعاون في قطاعات الطاقة والزراعة والتمويل.
وهكذا تحوّلت الحرب التجارية المزعومة بين الدولتين إلى خنوع الصين وتقديمها تنازلات ضخمة لأمريكا، والتوصل إلى تفاهمات جديدة بين أكبر اقتصادين في العالم، وقد أثّرت هذه التفاهمات سلباً على الأوروبيين، فقد حذّر وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير من أنّ الاتفاق الأمريكي الصيني كانت نتيجته:" أنّ أوروبا هي التي تدفع الثمن"، وهو ما يعني أنّ أمريكا قد نجحت في بالاستفراد بالصين، وعزل أوروبا.
لكن هذا التوافق الأمريكي الصيني وهذا الاتفاق بين الدولتين الذي لم يمض عليه أكثر من شهر قد تمّ نسفه من جديد من قبل ترامب عندما استأنفت الإدارة الأمريكية إعلان فرض رسوم جمركية على الصين تبلغ نسبتها 25% على واردات صينية بقيمة خمسين مليار دولار، وهو ما يقوض تماماً التوافق الذي تم التوصل إليه قبل أقل من شهر بين البلدين، والذي وقّعه وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين بعد جهود مُضنية بذلها في الفاوض مع المسؤولين الصينيين.
وردّت الصين بأنّها تنوي فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على 659 من المنتجات الأمريكية ابتداء من تاريخ 6/7/2018 ، وهدّد ترامب بأنّه في حال نفذت الصين قرارها فإنّه سيفرض رسوم جمركية جديدة بنحو 10 % على منتجات صينية بقيمة 200 مليار دولار.
وهكذا تستمر أمريكا بعملية ابتزاز الصين طالما تأتي هذه العملية بأكلها.
احمد الخطواني


الثلاثاء، 12 يونيو 2018

الحرب التجارية بين أمريكا والصين تحولّت إلى تنازلات وتفاهمات




الحرب التجارية بين أمريكا والصين تحولّت إلى تنازلات وتفاهمات




مُنذ أنْ لوّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشنّ حربٍ تجارية كبرى على شركاء أمريكا التجاريين الكبار كالصين والاتحاد الأوروبي، وتعهد بانتصار مؤكد لأمريكا فيها، تعاظمت المخاوف من خطرها على أعمال الشركات وأسواق المال، ولم تهدأ القوى الكبرى المُستهدفة عن وضع الخطط التي من شأنها حماية مصالحها الاقتصادية، والحفاظ على سلامة أسواقها واستثماراتها، والدخول في مُناورات واتفاقات وصفقات تجارية مُتعددة مع الولايات المتحدة للتقليل قدر الإمكان من الخسائر والمضار التي قد تلحق بها.
كان ترامب قد تعهد في حملته الانتخابية باتخاذ التدابير اللازمة لاستعادة الوظائف الأمريكية المفقودة بسبب ما أسماه التغلغل الاقتصادي الصيني، ووعد بفرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية.
وللصين فائض في المُبادلات التجارية مع أمريكا بلغ في العام 2017  ما قيمته 375 مليار دولار أمريكي، إذ أنّ صادراتها لأمريكا بلغت في هذا العام 492 مليار دولار، بينما صادرات أمريكا للصين بلغت 116.2 ، وأمّا استثمارات الصين في أمريكا لذلك العام بلغت 46 مليار دولار بينما استثمارات أمريكا في الصين بلغت 14 مليار فقط.
ويمتلك البنك المركزي الصيني سيولة نقدية بالعملة الأمريكية 2 تريليون دولار، وهذا يجعل من الصعب على أمريكا تحقيق انتصار حاسم في حروبها التجارية مع الصين، لذلك تلجأ للضغوط وفرض العقوبات المحدودة على الصين لحملها على تقديم التنازلات.
لذلك صعّدت أمريكا من ضغوطها على الصين، فقال ترامب:" إنّ واشنطن تجاهلت لسنوات المُمارسات التجارية الصينية"، وحمّل الإدارات السابقة مسؤولية الفشل في العلاقات التجارية مع الصين وهاجمها بشدة فقال:" إنّ أمريكا لا تخوض حرباً تجارية مع الصين لأنّها خسرت تلك الحرب منذ سنوات بسبب حمقى غير مؤهلين لتمثيل الولايات المتحدة، وإنّه بسبب هؤلاء أصبح لدينا عجز تجاري قيمته 500 مليار دولار سنوياً، إضافة إلى خسائر قيمتها 300 مليار دولار"، وهاجم منظمة التجارة العالمية فقال:" إنّ الصين قوة اقتصادية كبيرة ولكنّ منظمة التجارة تُصنّفها ضمن البلدان النامية لذلك فهي تحصل على امتيازات هائلة وخصوصاً فيما يخص الولايات المتحدة"، وتساءل:" هل يعتقد أي شخص أنّ هذا أمر عادل؟"، وتابع :" إنّ مُنظمة التجارة العالمية غير عادلة مع الولايات المتحدة".
ثمّ في شهر آذار من هذا العام 2018 وقّع ترامب على مُذكرة تنفيذية لفرض رسوم جمركية على الصين بنسبة 25% على قائمة منتجات صينية بنحو 1300 منتج، وفرض رسوماً بقيمة 50 مليار دولار الصلب والحديد، وأنحى باللائمة على سياسات الملكية الفكرية التي تنتهجها الصين، وعلى إجبار الصين للشركات الأمريكية على مشاركة التكنولوجيا التي تستخدمها مع شركات صينية.
 وردّت الصين في اليوم التالي بفرض رسوم انتقامية ضد أمريكا بقيمة 3 مليار دولار على بعض الواردات الأمريكية منها لحوم الخنزير وأنابيب الصلب، ثمّ ما لبثت أنْ فرضت رسوماً جمركية بنسبة 15% على 128 مُنتجاً أمريكياً كرد سريع على الرسوم الأمريكية على واردات الألمنيوم والصلب الصينية بشكلٍ خاص، وهدّدت بفرض رسوم أخرى بنسبة 25% على 106 مُنتجات أمريكية أخرى من بينها فول الصويا والسيارات والكيماويات ومنتجات زراعية أخرى.
ورد ترامب بالتلويح بفرض رسوم جمركية إضافية على المُنتجات الصينية بقيمة ما بين 100 مليار دولار إلى 150 مليار دولار إنْ لم ترتدع الصين.
وواكب هذا التصعيد من الجانبين تقديم شكاوى إلى مُنظمة التجارة العالمية، فتقدّمت كل من الصين والولايات المتحدة بشكاوى ضدّ بعضهما إلى المُنظمة.
وتُعتبر مشكلة العجز أكبر مُشكلة  تُحاول إدارة ترامب معالجتها مع الصين، فقال مكتب الموازنة بالكونغرس الأمريكي وهو هيئة مُستقلة غير حزبية:" إنّ العجز وهو الفرق بين ما تُنفقه الحكومة وما تتلقّاه من عائدات الضرائب من المُتوقّع أن يرتفع إلى 804 مليار دولار عام 2018 من 665 مليار في العام 2017 ، وهو ما يعني ارتفاع العجز التراكمي بوتيرة مُتتالية".
وكلما تزداد المشاكل الاقتصادية في أمريكا يزداد معها تحميل الصين المسؤولية، ومن الانتقادات الرئيسية التي دأبت أمريكا توجيهها للصين وضعها لقيود على الدخول إلى السوق المالية الصينية في قطاعات عدة، وعدم السماح للشركات الأجنبية امتلاك أكثر من 25 % من رأسمال البنوك، ولهذا السبب فإنّ منظمة التجارة العالمية لا تعترف بالصين حتى الآن كاقتصاد سوق، وذلك لمشاركة الحكومة الصينية الواسعة في الصناعة، وبسبب اتهامها بسرقة الملكية الفكرية.
وبعد كل هذا التصعيد بين الطرفين، وبشكلٍ غير مُتوقع يأتي الانفراج، فيتغيّر موقف الصين فجأة، ودون سابق إنذار، وتُقدّم الصين في مؤتمر واو تنازلات كبيرة غير مُبرّرة، وتُعلن عن حزمة جديدة من الإجراءات الاقتصادية والتجارية المُلفتة، منها خفض رسوم الاستيراد، لا سيما على السيارات، ومنتجات أخرى، وتسمح بتمكين المُستثمرين الأجانب من شراء أسهم صينية بإتاحة امتلاك المؤسّسات الأجنبية بنسبة تصل إلى 51 % من الشركات الصينية العاملة في السندات وصناديق التمويل والأوراق المالية، وقالت هيئة تنظيم الاوراق المالية الصينية إنّه سيكون بمقدور المُستثمرين الأجانب شراء أسهم صينية اكثر من خلال برامج تربط بورصة هونغ كونغ بالبورصات الصينية، وأوضحت الهيئة أنّها ستبذل الجهود اللازمة لإقامة رابط مُشابه بين بورصتي شنغهاي ولندن، كما وتعهد الرئيس الصيني بمزيد من الانفتاح في المُستقبل.
وسارع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التعبير عن امتنانه للرئيس الصيني شي جين بينغ على الخطوات التي اتخذتها بلاده في المجال التجاري، وقال:" أنا ممتن جدا لرئيس جمهورية الصين الشعبية شي جين بينغ على كلماته الطيبة بشأن رسوم الاستيراد والقيود على السيارات، وأيضا لتفهمه لما يتعلق بالملكية الفكرية وقضية نقل التكنولوجيا، معا سنحقق تقدما كبيرا".
إنّ ثناء ترامب على الإجراءات الصينية، وهذا التغير المُفاجئ في الموقف الصيني لا يعني إلاّ رضوخ الصين للعقوبات الأمريكية، ومن ثمّ قام وفد امريكي رفيع المستوى بزيارة الصين، وضمّ الوفد وزير الخزانة ستيفن منوتشين ووزير التجارة ويلبور روس والمُمثّل التجاري روبرت لايتهابزر إلى جانب عدد من المسؤولين بينما قاد المحادثات من الجانب الصيني ليو هي نائب رئيس الوزراء، وقام الوفد بمفاوضات حاسمة نوقش خلالها مواضيع كثيرة منها الرسوم الجمركية والملكية الفكرية والاستثمارات، وتركّزت المُحادثات حول النزاع على ما يُزعم بقيام الصين بسرقة حقوق الملكية الفكرية، كما تمّ مُناقشة استراتيجية ( صُنع في الصين عام 2025 ) والتي تهدف إلى تهدف إلى تعزيز الصناعات الناشئة مثل الروبوتات وأشباه الموصلات والسيارات الكهربائية، وطلب الوفد الأمريكي من الحكومة الصينية منع دعم تلك الصناعات، و خفض الفائض التجاري مع أمريكا بمقدار 100 مليار دولار على وجه السرعة، وهكذا تمّ تسوية الخلافات بين الدولتين وفقاً للمطالب الأمريكية، وتلاشت لهجة التصعيد.
وقد أثارت الاجراءات الصينية الشكوك لدى المُراقبين بأنّ الصين قد خضعت لإملاءات وشروط ادارة ترامب، وأنّها لبّت المطالب الأمريكية، وهو ما دعا الحكومة الصينية لتبرير موقفها من هذه الاجراءات المُستهجنة، فخرج المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية غاو فينغ مُصرّحاً:" إنّ من التضليل القول بأنّ تعهد الرئيس الصيني في مُنتدى بواو الاقتصادي الآسيوي كان تنازلاً للولايات المتحدة"، وأضاف:" إنّ الرئيس شي كان يُوضّح فقط الخطوط العريضة لاستراتيجية الصين بشأن مزيد من الانفتاح وهو ما لا علاقة له بالخلاف التجاري مع الولايات المتحدة".
وأخيراً تمّ تتويج المفاوضات بين الطرفين بتوقيع اتفاق رسمي يوم السبت 19/5/2018  بين أمريكا والصين في ختام محادثات مُعمقة بين الدولتين شارك فيها عدد من الوزراء الأمريكيين مع نائب رئيس الوزراء الصينين رضخت بموجبه الصين بوضوح لمطالب إدارة ترامب، وأعلن عن اتخاذ اجراءات فعّالة لإحداث خفض جوهري في العجز التجاري لدى أمريكا مع الصين في مجال السلع، وجاء في البيان المشترك:" ستزيد الصين بشكل كبير مُشترياتها من السلع والخدمات من الولايات المتحدة من أجل مواجهة  تزايد الاحتياجات الاستهلاكية للشعب الصيني"، وأكّد البيان أنّ الصين:" ستُدخل تعديلات  على قوانينها ولوائحها ذات الصلة من أجل السماح بمزيد من الواردات الأمريكية"، كما اتفق البلدان على وقف فرض الرسوم الجمركية على بعضهما البعض، واتفقا أيضاً على مواصلة التعاون في قطاعات الطاقة والزراعة والتمويل.
وهكذا تحوّلت الحرب التجارية المزعومة بين الدولتين إلى خنوع الصين وتقديمها تنازلات ضخمة لأمريكا، والتوصل إلى تفاهمات جديدة بين أكبر اقتصادين في العالم، وقد أثّرت هذه التفاهمات سلباً على الأوروبيين، فقد حذّر وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير من أنّ الاتفاق الأمريكي الصيني كانت نتيجته:" أنّ أوروبا هي التي تدفع الثمن"، وهو ما يعني أنّ أمريكا قد نجحت في بالاستفراد بالصين، وعزل أوروبا.
احمد الخطواني         24 /5 / 2015