الثلاثاء، 27 فبراير 2024

الدور القطري هو الأبرز في مفاوضات الهدنة المفوضية إلى الدمج والتطبيع

الدور القطري هو الأبرز في مفاوضات الهدنة المُفضية إلى (الدمج والتطبيع)
 
 
يقود رئيس جهاز المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز في العاصمة الفرنسية مُفاوضات مُعمّقة مع رئيس مُخابرات كيان يهود (الموساد) ديفيد برنياع، وبمُشاركة رئيس المُخابرات المصرية عباس كامل، بالإضافة إلى رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، وتحشد أمريكا في هذه الأثناء كبار موظفيها للضغط على كيان يهود لحمله على القبول بوقف إطلاق النار، فقد أوفدت بريت ماكجورك كبير مستشاري الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط إلى مصر وكيان يهود لتعزيز الجهود المبذولة للمضي قدما في صفقة التبادل، وأجرى ماكجورك الخميس 22/02/2024 محادثات مُكثّفة مع المسؤولين في كيان يهود، ومع عائلات الأسرى لدى حماس، ووصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي المحادثات بأنّها كانت "بناءة"، وقال إنّ: "المؤشرات الأولية التي نحصل عليها من بريت ماكجورك تشير إلى أن هذه المناقشات تسير على ما يُرام"، ومن الواضح أنّ إدارة بايدن ضغطت على كيان يهود لإرسال وفد منه إلى باريس على الفور لإكمال بحث صفقة تبادل مع حماس بعد أنْ كان نتنياهو قد رفض من قبل إرسال مثل هذا الوفد، ثمّ أرغم نتنياهو على إرسال الوفد بالفعل إلى باريس برئاسة رئيس الموساد ديفيد برنياع ومشاركة كل من رئيس الشاباك رونين بار وقائد وحدة استخبارات الأسرى والمفقودين والمستشار السياسي لرئيس الوزراء أوفير فليك، وشارك سريعاً في المُفاوضات ثمّ عاد إلى تل أبيب للتشاور.
وكانت إدارة بايدن قد رفضت خطة نتنياهو التي أعلن عنها لليوم الذي سيلي الحرب في غزة بُعيْد الإعلان عنها، والتي كان نتنياهو يُريد بالإعلان عنها التملص من الضغط الأمريكي، وهي الخُطّة التي تقضي ببقاء السيطرة الفعلية للاحتلال على القطاع.
ونقل مصدر أمريكي عن الإدارة الأمريكية أنّها تسعى إلى إشراك دول عربية عديدة في مستقبل غزة والضفة، وأكّد أنه سوف يكون لقطر دور محوري في كل حل مستقبلي إلى جانب السعودية وتركيا والإمارات ومصر والأردن.
وكانت الولايات المتحدة قد عملت مع قطر بشكل مكثف على عودة التفاوض لإبرام صفقة التبادل بعد أن تولّت قطر مُهِمّة إقناع حماس بضرورة العودة إلى المُفاوضات، وتليين موقفها، والتخلي عن بعض الشروط التي لا تتحمل دولة يهود قبولها، وذلك من أجل إبرام صفقة تهدئة خلال شهر رمضان وما بعده، تمهيدا لوقف شامل لإطلاق النار.
وتزامن مع هذا الحراك الأمريكي والضغط على كيان يهود تصريحات لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق قال فيها: "إنّ حماس مستعدة لأن تُدير حكومة تكنوقراط فلسطينية أمور غزة، وإنّ حماس لا تنظر إلى حكم غزة كغاية"، وهذا ما يُمهّد لتفعيل الحل السياسي الذي تقوده أمريكا، والذي يُساعد في إمكانية عودة السلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة والضفة الغربية في إطار جهود أمريكية ودولية لفرض حل الدولتين من منظور أمريكي وإنهاء الصراع، وتطبيع الدول العربية مع كيان يهود.
وسواء تمكّنت الإدارة الأمريكية من التوصل لصفقة وقف إطلاق النار حالياً أم لم تتمكّن، فإنّ الخط العريض لأهدافها السياسية مُستقبلاً قد بات واضحاً جلياً، وهو إخراج كيان فلسطيني محدود تحت دولة فلسطينية إلى حيّز الوجود، بحيث يكون بمثابة الضمانة الأكثر أماناً لبقاء كيان يهود في فلسطين مُهيمناً ومُستداماً.
فإيجاد مثل هذا الكيان الفلسطيني (المُشوّه) تحت اسم دولة يكون مُقترناً عضوياً بدمج كيان يهود في المنطقة دمجاً كلياً عبر تطبيع جميع الدول العربية معه، بوصفه دولة طبيعية في المنطقة العربية لا يختلف على وجودها أي زعيم عربي أو فلسطيني، وهذا يعني بالضرورة منح كيان يهود أقصى ما يتمنّاه من الحق بالوجود والأمن والاعتراف.
وبالنسبة لحماس فقد تمّ تسريب معلومات من جهات أمريكية تقول بأنّ عدّة دول عربية تسعى لدمج حماس في مُنظمة التحرير الفلسطينية، فقد أبلغ البيت الأبيض كيان يهود أنّ دولا عربية تعكف على صياغة خطة لـ(اليوم التالي لما بعد الحرب) في قطاع غزة تتضمّن بنداً يقضي بـ(دمج حركة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية) وذلك وفقاً للإعلام العبري.
وبحسب هيئة البث الرسمية في كيان يهود فقد نقلت الجمعة 24/02/2024 عن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنّها أبلغت (إسرائيل) بأنّ الخطة التي تعكف الدول العربية على صياغتها قد تتضمن بنداً يقضي بدمج حركة حماس في منظمة التحرير الفلسطينية، وقالت إنّ إدارة بايدن تضغط على رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو لإجراء مناقشة وزارية حول هذه القضية.
إنّ هذا الدمج من وجهة نظر أمريكا سيساعد في إعادة السلطة الفلسطينية (المُتجدّدة) لحكم قطاع غزة بضمانات منع الهجمات على كيان يهود، وهذه هي الرؤية الأمريكية لحل شامل للنزاع (العربي الإسرائيلي) في المنطقة.
 
وبموجب الخطة تقوم ترويكا مُكوّنة من (مصر وقطر والإمارات والأردن وتركيا) ببذل قصارى جهودها لحفظ أمن كيان يهود من خلال الضغط على حماس لالتزام الحل السياسي كخيار وحيد وأوحد للوصول إلى الدولة الفلسطينية الهزيلة (الموعودة).
 
إنّ أمريكا تقوم بكل شيء بخصوص هذا الصراع ولا تفعل هذه الدول إلا ما تُريده أمريكا، فهي مُجرد أدوات تُستخدم لتحقيق الأهداف الأمريكية، وتظهر قطر وكأنّها فاعل مؤثّر في المُفاوضات، وأنّها تملك خبرة أكثر لاعتمادها أمريكياً في الضغط على طالبان في مُفاوضات أفغانستان، وها هي تُعتمد مرة أخرى في الضغط على حماس لتقديم المزيد من التنازلات، وبذلك يكون دورها في هذه المُفاوضات هو الدور الأكبر في خيانة القضية الفلسطينية، وإنّه لمن العار على قطر، وعلى هذه الدول الخانعة أنْ تتجنّد في خدمة المصالح الأمريكية و(الإسرائيلية)، مُستغلين الكوارث التي يمر بها أهل غزة، فبدلاً من تقديم النصرة والمساعدة لأهل غزة، فها هي قيادة قطر وسائر القيادات الذليلة الأخرى تسعى بشكلٍ حثيث لتصفية القضية الفلسطينية، وتمكين وتجذير كيان يهود في قلب بلاد المسلمين.

الجمعة، 22 ديسمبر 2023

تغير لهجة الخطاب الامريكي تجاه حرب غزة - الأسباب والتداعيات -

تغيّر لهجة الخطاب الأمريكي تجاه حرب غزّة - الأسباب والتداعيات -
 
 

إنّ الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع حرب غزة لم يطرأ عليها تغيّرات جوهرية، فالذي يتغير هو لهجة الخطاب الأمريكي وليست المواقف الأمريكية، فأمريكا مُنذ بداية الحرب استلمت دفّة قيادة الحرب، ومنعت غيرها من المُشاركة فيها، وقطعت الطريق على الدول الكبرى الأخرى من التأثير في مُجرياتها، فأرسلت بوارجها وحاملات طائراتها إلى شرق البحر المتوسط، وتكفلت بجسر جوي مُستمرٍ لا ينقطع؛ يشحن ويزوّد كيان يهود بكل ما يحتاجه من عتاد وذخيرة وسلاح، ومنعت أي دولة إقليمية أو محلية من التدخل في الحرب بشكلٍ قطعي، كإيران ومصر والأردن وتركيا، وحصرت الصراع داخل حدود غزة فقط، ثمّ سمحت بعد ذلك لكيان يهود بشن حرب إبادة ضد أهل غزة، ومنحته الغطاء الدولي لارتكاب المزيد من جرائم القتل والتدمير والتجويع وإهلاك الحرث والنسل داخل حدود قطاع غزة، ولكن منعته من تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء، مع أنّ فكرة التهجير كان هدفاً واضحاً لحكومة نتنياهو تسعى إليه، فسمحت أمريكا لقادة كيان يهود بإشباع مظاهر غريزة الانتقام والحقد لديهم، والظهور بمظهر الأقوياء القادرين على الرد على هزيمتهم المُدّوية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وترميم صورتهم التي تهشّمت، وإعادة الاعتبار لمكانة الدولة التي لا تُهزم.
 
ثمّ بعد شهرين من اندلاع الحرب، وبعد إشباع نهمهم العسكري في القتل والتدمير، وبعد عجز جيش يهود عن تحقيق أية نجاحات عسكرية سوى قتل النساء والأطفال والمدنيين، بدأت أمريكا في التحركات السياسية، فطرحت أولاً الخطوط السياسية العريضة للإدارة الأمريكية، وشكّلت التصوّر السياسي الأمريكي لحل القضية الفلسطينية، وجعلت من رؤيتها السياسية للحل رؤية عالمية تبنّتها مُعظم دول العالم، لا فرق بين بريطانيا وفرنسا وسائر الدول الأوروبية، أو بين روسيا والصين وسائر دول العالم، فكل الدول على اختلاف مشاربها قبلت بالرؤية الأمريكية للحل.
 
وتضمّنت هذه الرؤية فكرة الدولتين، ومنح الفلسطينيين الحق السيادي في إدارة شؤونهم، والاعتراف بتطلّعاتهم السياسية، ورفع يد الاحتلال عنهم، واعتبار الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة جغرافية واحدة، وتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة شؤون الضفة وغزة بعد إصلاحها وتجديدها، وقامت بضخ هذه الأفكار في وسائل الإعلام وتردّد صداها بين النخب السياسية، وأصبحت من ثمّ جميع دول العالم تُردّد فكرة الدولتين كحل للمشكلة الفلسطينية.
 
استاءت حكومة نتنياهو التي تضم المستوطنين والمُتديّنين الصهاينة من هذا الطرح السياسي الأمريكي الجديد، فأظهرت رفضها لفكرة الدولتين علانيةً، وقال الوزراء فيها بأنّهم لن يسمحوا بإقامة دولة فلسطينية بين النهر والبحر.
 
رتّب الرئيس الأمريكي ردّه السياسي على تعنت نتنياهو من خلال حشد اليهود الأمريكيين حوله، وأعاد التذكير بأنّه يتصرف كصهيوني أكثر ما يهمّه حماية أمن دولة يهود، وكرّر القول بأنّه لو لم تكن (إسرائيل) موجودة لاخترعناها، ثمّ وفي أول مؤتمر للمانحين لحزبه الديمقراطي طالب بايدن نتنياهو بالتغيّر، وطالبه بتغيير وزراء في حكومته التي وصفها بأنّها أكثر حكومة مُتطرّفة في تاريخ الدولة اليهودية، وقال بأنّ الشعب اليهودي بات على المحك، وأنّها تفقد الدعم العالمي بسبب القصف العشوائي لطائراتها في غزة، ثمّ تمّ تسريب تقييم استخباري أمريكي كشف عن أنّ ما يصل إلى 45% من إجمالي قذائف جو-أرض الـ 29000 التي أطلقها الجيش على غزّة كانت قذائف غير مُوجّهة (قنابل غبيّة) بهدف تشويه الحملة العسكرية لنتنياهو، ولكنّ نتنياهو لم يقف صامتاً على هذا الهجوم السياسي الأمريكي فردّ عليه بهجومٍ مُعاكس، ودعا إلى إنشاء إدارة مدنية في غزة تابعة لجيش الاحتلال، وأكّد على أنّ غزّة لن تكون حماسستان ولا فتحستان، وقال بأنّه لن يسمح بالعودة إلى خطأ اتفاقيات أوسلو، وتحدّى بايدن أكثر فقال بأنّ القائد الأنسب حالياً لقيادة الدولة اليهودية هو الذي يستطيع مُقاومة الضغوط الأمريكية، وأنّه لن يكون مثل ديفيد بن غوريون أول رئيس لكيان يهود سنة 1956 الذي خضع وقتها لأمريكا، وانسحب من غزة وسيناء امتثالاً لطلب الولايات المتحدة، وذلك بُعيد العدوان الثلاثي على مصر وقناة السويس الذي شارك به كيان يهود مع بريطانيا وفرنسا، وبذلك بلغت العلاقة بينه وبين بايدن أسوأ درجاتها.
 
لكنّ أمريكا لم تُظهر تذمّرها من نتنياهو علناً، بل قامت بإطلاق تصريحات فيها شيء من التهدئة والاحتواء، وقالت بأنّ من حق حكومة نتنياهو الدفاع عن نفسها، وأنّها هي التي تُقرّر الفترة الزمنية للحرب حسب ما تراه مُناسباً.
 
وفي الوقت نفسه قامت الإدارة الأمريكية بإرسال مُستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى كيان يهود، وهو الرجل الأخطر الذي يُشرف مُباشرة على تنفيذ الخطط الأمنية في أي مكان لأمريكا نفوذٌ فيه، وبعد عقد مُفاوضات حاسمة مع المسؤولين السياسيين والأمنيين في كيان يهود، أعلن عن التوصل إلى اتفاق بين واشنطن وتل أبيب على أنّ القتال سيستغرق أشهراً كما طالب نتنياهو، ولكن وفق مراحل مُختلفة، وأنّ (إسرائيل) ستُواصل مُطاردة قادة حركة حماس في غزة كالسنوار والضيف ونائبه مروان عيسى، وأوضح في مؤتمر صحفي عقده في تل أبيب بأنّه سيكون هناك انتقال إلى مرحلة أخرى من الحرب بين (إسرائيل) وحماس ستركّز على طرق أكثر دقة لاستهداف قيادة حماس، وأكّد على أنّ (إسرائيل) لا يُمكنها إعادة احتلال غزة على المدى الطويل، وأنّ الفلسطينيين الذين تمّ إجلاؤهم من شمال غزة يجب أنْ يتمكّنوا من العودة لبيوتهم، كما أعاد التأكيد على ضرورة حل الدولتين، وعلى أنْ تقوم السلطة بعملية إصلاح وحوكمة على الطريقة المؤسّساتية، وتكون أمريكا شريكةً معها لمُراقبتها وتطوير أساليبها، وأنّها بحاجة إلى التجديد لتمثيل شعبها.
 
إنّ هذا الاتفاق يعني في النهاية أنّ الحرب الواسعة المُكثّفة ستنتهي، وأنّ فرص التفاوض على مُبادلة الأسرى ستزداد، وهذا يؤدي بالتالي إلى الدخول في فترة هدوء نسبية تخلق معها ظروفاً جديدة، ستؤدي على الأغلب بالإطاحة بنتنياهو وشركائه اليمينيين، وهذا بالضبط ما تسعى إليه الإدارة الأمريكية.
 
إنّ صمود المُقاومة وتحمّل أهل غزة حمم الطائرات اليهودية، وصبرهم على سياسة التجويع المقصودة طوال هذه المُدّة الطويلة من الحرب، وتحمّلهم لكل هذه الأحزان والجراحات والشهداء، هو الذي أدّى إلى فشل مُخطّطات تصفية القضية الفلسطينية، وهو الذي أربك حسابات جيش الاحتلال، وأثبت هشاشة هذا الكيان الصهيوني الذي حطّمت هذه الحرب أسطورته المُزيّفة، وبدّدت الهالة الكاذبة التي كانت تُردّدها وسائل الإعلام العربي الرسمي عن قوة جيشه التي لا تُقهر، فإذا بها قوةً وهمية لم تستطع بعد أكثر من سبعين يوماً من القتال من تحقيق أية إنجازات
الاستاذ احمد الخطواني

الأربعاء، 13 ديسمبر 2023

مقترحات امريكية مشبوهة يقدمها السيسي واردوغان

مقترحات أمريكية مشبوهة يُقدّمها السيسي وأردوغان
 
تستخدم الدول الكبرى - في ظروف سياسية مُعيّنة - العديد من أدواتها وعملائها استخداماً يخدم أغراضها، فتحمّلهم أفكارها وأطروحاتها، فيقومون بدورهم بطرح أفكارها وكأنّها من نتاج تفكيرهم وخططهم، مع أنّهم مُجرد ناقلين وحاملين لها.
 وتهدف الدول الكبرى من استخدامهم في نقل أطروحاتها دراسة وفحص ردود أفعال القوى الدولية أوالاقليمية أوالمحلية حول مُبادرات تنوي الدول الكبرى طرحها، أو طرح بعض منها في المُستقبل لمُعالجة مُشكلة سياسية مُعينة تقع في مناطق نفوذها، فتتحسّس بذلك إمكانية نجاح تلك المقترحات من خلال ملاحظة ردات الفعل تلك، بالاضافة الى استخدامها كنوع من الضغوط الأولية التي تُمارسها على السياسيين الرافضين لتلك المُبادرات. 
وبناءً على هذا الأسلوب من التخطيط والتدبير والتكتيك يبدو أنّ أمريكا رأت أنْ تستخدم في هذه الأثناء كلاً من الرئيس المصري والرئيس التركي في تحقيق أهدافها السياسية في الشرق الأوسط بعد انتهاء حرب غزة من خلال طرح تلك المقترحات لجس نبض حكام كيان يهود تجاهها من ناحية، ولترويض زعماء الكيان والضغط عليهم من ناحيةٍ ثانية، ومن ثمّ لحملهم على  التجاوب مع المقترحات الأمريكية التي تُحضّرها في المُستقبل، والتي يطرح عملاؤها نماذج منها بصيغٍ أولية.
ومن هذه المُقترحات ما طرحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول فكرة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح، حيث قام بطرحها مرتين خلال حرب غزة  باعتبارها حل عملي للصراع الفلسطيني مع دولة يهود، فاعتبر أنّ إنشاء هذه الدولة الفلسطينية مرهونٌ بوجود قوات دولية من الناتو، أو من قوات مُشتركة أمريكية وأوروبية وعربية، وجاء هذا طرح السيسي هذا في مُناسبتين: الأولى في مؤتمر صحفي عقده مع المستشار الألماني أولاف شولتس بتاريخ 18 – 10 - 2023، والثانية في مؤتمر صحفي آخر مع رئيسي وزراء بلجيكا واسبانيا بتاريخ 24 – 11 – 2023.
والجديد اللافت في طرحه لفكرة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح هذه المرة  - وفي هذه الظروف بالذات - هو ربطها بفكرة القوات الدولية، وهي الفكرة التي يبدو أنّ أمريكا تريد الآن تسويقها، والضغط بها على كيان يهود لحمله على قبولها.
لا سيما وأنّ المشكلة عند قادة يهود لا تكمن بقبولهم بدويلة فلسطينية منزوعة السلاح، بل المشكلة عندهم تتعلّق بوجود القوات الدولية التي يُدركون أنّها تُحجّمهم، وتُقيّد توسع دولتهم، وتجعل من القوات الأجنبية أداة فاعلة تتحكم بأمنهم وبوجودهم ومُستقبلهم.
والدليل على ذلك ما سبق أنء طرحه زعماء يهود عن الدولة الفلسطينية في عدة مُناسبات، وكان طرحهم إذاك ينفي وجود قوات دولية على حدود الدولة الفلسطينية، فقد طرح اريئيل شارون رئيس وزراء كيان يهود في سنة 2001 فكرة إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح يُراقب الجيش اليهودي حدودها وليس القوات الدولية، وعبّر نتنياهو عن استعداده لقبول دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ولكن لا تملك أي قوة عسكرية أوعتاد تسليحي، وبشرط أنْ تعترف بــ ( اسرائيل ) كدولة قومية للشعب اليهودي، وكذلك دعمت وزيرة الخارجية لدولة يهود بين عامي 2013 و 2014 فكرة ايجاد دولة فلسطينية منزوعة السلاح بشرط عدم وجود قوات دولية.
وهكذا كان هاجس زعماء دولة يهود دائماً هو خوفهم من فكرة القوات الدولية، فكانوا دائماً يُصرّوا على تجريد الدولة الفلسطينية منها، واستبعادها تماماً.
وأمّا السلطة الفلسطينية فقد قبلت بفكرة الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح حتى من دون أنْ يعرضها عليهم أحد، وظهر ذلك في عدة مُناسبات، ففي 2013 سنة قال محمود عباس لصحيفة هآرتس العبرية :" إنّ الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح"، وفي سنة 2014 قال لصحيفة نيويورك تايمز :" إنّ الدولة الفلسطينية لن يكون لها جيشها الخاص بل قوة شرطة فقط"، وفي سنة 2018 أبلغ وفد يهودي يهودي زاره أنّه مُوافق على دولة فلسطينية منزوعة السلاح بلا جيش ولا قوة عسكرية نظامية لها، وأنْ يكون تسليحها خفيف للشرطة ( هراوات وليس مُسدّسات )، وهذا ما لم تطلبه منه حتى دولة يهود.
فالمشكلة بين أمريكا وكيان يهود باتت تتركّز حول القوات الدولية التي تُصرّ دولة يهود على رفضها، بينما تُريد أمريكا تطبيقها، وتستخدم أمريكا مصر في التمهيد لها من خلال مُقترحات السيسي المُتكرّرة، فيما رفضها نتنياهو صراحة في اليوم التالي لعرض السيسي لها، وكان ذلك الرفض بتاريخ 25 – 11 – 2023 بادّعائه أنّ فكرة الدولة الفلسطينية باتت قديمة، وأنّ ما كان قبِله في عام 2009 لم يعد مقبولاً في عام 2023.
وأمّا الرئيس التركي أردوغان فقدّم هو الآخر مُقترحاً مشبوهاً يتعلّق بضرورة ايجاد (بُنية أمنية في غزة) تكون تركيا جزءاً منها، وقال بأنّ:" تركيا تُناقش الفكرة مع الأطراف الدولية والاقليمية لإنضاجها"، وهذه فكرة أمريكية بامتياز يتم تدارسها بين دول المنطقة، لضمان أمن كيان يهود، وضمان عدم إطلاق النار نهائياً على كيان يهود من قطاع غزة في المُستقبل، وذلك لطمأنة هذا الكيان على سلامته قبل الخوض في مُبادرات سياسية، بمعنى أنْ يكون الحل في البداية حلاً أمنياً يُقنع قادة دولة يهود، يمّ يتبعه فيما بعد الحل السياسي.
إنّ هذه المُقترحات المشبوهة التي يُسوّقها السيسي وأردوغان ما هي سوى مُقترحات أمريكية تهدف إلى إقناع كيان يهود بها، كما تهدف إلى التوطئة لها من خلال ادواتها من أجل تسويقها، ووضع مُبادرة سياسية أمريكية للمنطقة يتم تحضيرها وإعدادها.
إنّ هذه المُقترحات المشبوهة ينبغي كشفها، وإماطة اللثام عن أبعادها ومراميها، وفضح من يحملها ويتبنّاها كالسيسي وأردوغان، ثمّ بيان كونها مُقترحات سياسية وأمنية أمريكية ترمي إلى حماية أمن يهود، وتصفية القضية الفلسطينية.

الأربعاء، 29 نوفمبر 2023

روسيا تعلن عن رغبتها في إنشاء هيئة عسكرية في افريقيا لمواجهة النفوذ الغربي

روسيا تُعلن عن رغبتها في إنشاء هيئة عسكرية في إفريقيا لمواجهة النفوذ الغربي

ظهر مُنذ عدة أشهر تعاون عسكري واضح بين السلطات الروسية وبين خليفة حفترالحاكم العسكري لمنطقة شرق ليبيا، وذلك بهدف إنشاء فيلق عسكري روسي في أفريقيا، وقد قام نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك إيفكوروف بزيارة إلى ليبيا بدعوة من حفتر، وتُعد هذه الزيارة - وفقاً لوزارة الدفاع الروسية - هي أولى ثمار المحادثات الروسية الليبية في مؤتمر موسكو الدولي الـ11 للأمن والمنتدى العسكري التقني ومنتدى الجيش في بطرسبورغ في آب من العام الجاري 2023، وتهدف هذه الزيارة لإيفكوروف ترتيب مُهمّة التنفيذ العملي للاتفاقيات الروسية الليبية التي تم التوصل إليها في إطار المؤتمر المذكور.
 وذكر بيان روسي عن الكرملين أنّ المعارضين الرئيسيين لروسيا في القارة السوداء هم الولايات المتحدة وحلفاؤها في النات بما في ذلك فرنسا، وذكرالبيان بالنص: "ستعمل وزارة الدفاع الروسية على مواجهة النفوذ الغربي وتعزيز مكانة موسكو في أفريقيا، وسيتعين على الفيلق الأفريقي الروسي إجراء عمليات عسكرية واسعة النطاق في القارة لدعم البلدان التي تسعى إلى تحرير نفسها أخيرًا من التبعية الاستعمارية الجديدة، وتطهير الوجود الغربي وتحقيق السيادة الكاملة".
إنّ سعي روسيا لانشاء هيئة عسكرية تكون بمثابة قوة ردع لروسيا في افريقيا، أو لتكوين فيلق عسكري مُتكامل يكون مُخصّصا للقارة الافريقية، ويكون مُشابهاً للقوة العسكرية الأمريكية افريكوم يُعتبر من ناحيةٍ نظرية إنجازاً استراتيجياً كبيراً، وله قيمة كبيرة فيما لو ظهر له آثار على الارض، أو لو كان سعياً ذاتياً خاصاً بالدولة الروسية لوحدها، ولكن ما يجعله جهداً عبثياً ضائعاً لا وزن له على أرض الواقع، وما يجعله مُجرد مُحاولة إعلامية روسية فاشلة لا تُشكّل أي خطر على القوى الدولية التي لها تأثير في افريقيا الأمور التالية:
1 – لم تظهر أية أخبار جدية عن هذا الموضوع في وسائل الاعلام المشهورة، فلم يتم تداولها، ولا تسليط الضؤ عليها، وهو ما يدل على عدم جدية الاعلان عنها لأنّها لو كانت جدية لما تجاهلتها تلك الوسائل، والغريب أنّه لم يتم الاعلان عن هذه الهيئة بشكلٍ صريح الا في مناسبة واحدة، وهي زيارة نائب وزير الدفاع الروسي الى ليبيا بدعوة من خليفة حفتر، وكأنّ خليفة حفتر هو الذي يُشجّع الروس على الاعلان عن هذه الهيئة الوهمية.
2 – وإذا علمنا أنّ حفتر هذا هو رجل مخابرات أمريكي منذ خمسين عاما، وعلاقته حالياً وثيقة بعملاء أمريكا وبريطانيا كحكام مصر والسعودية والامارات فهذا دليل على انّ روسيا دولة هزيلة وضعيفة كونها تعتمد في الاعلان عن مشروع يتعلق بأمنها القومي على مثل هذه النوعية من الرجال.
3 – لو كانت روسيا جادة في انشاء مثل هذه الهيئة لأنشأتها منذ بدء توسع نشاطاتها في افريقيا خاصة في عهد رئيس مجموعة فاغنر الراحل يفغيني بريغوزين الذي أعطى زخماً قوياً للنشاط الروسي في القارة الافريقية آنذاك، والذي بعد موته ظهر ضعف واضح لروسيا في افريقيا، وتراجعت نشاطاتها العسكرية كثيراً في افريقيا.
4 – إنّ روسيا ومع كل نشاطاتها العسكرية في إفريقيا فهي لا تملك حتى الآن قاعدة عسكرية ثابتة واحدة فيها، وعجزت حتى الان عن اقامة قواعد عسكرية صغيرة ولو محدودة، بينما دول كالصين وتركيا والامارات وهي دولاً اقليمية وتابعة تملك قواعد عسكرية في افريقيا.
5 – إنّ انشغال روسيا في مستنقع حربها في أوكرانيا أضعفها كثيراً واستنزفها وأشغلها عن التوسع خارج مجالها الاقليمي الحيوي فيما لو رغبت في ذلك.
6 – ما زال الوضع الاقتصادي الروسي الضعيف أصلاً يزداد ضعفاً وهو ما لا يسمح لها باقامة هيئة عسكرية قارية مُوازية للافريكوم الامريكية.
7 – إنّه ومُنذ الاعلان عن رغبتها في التوسع العسكري في افريقيا الذي ظهر في المؤتمر الروسي الافريقي في بطرس بورغ قبل ثلاثة أشهر لم يترجم ذلك الاعلان منذ ذلك الوقت بأي عمل مادي على الأرض، ولم تظهر له أية بوادر روسية جدية تدل على البدء في تطبيقه، أو حتى وضع مُخطّطات له.
صحيح أنّ المؤسسة العسكرية الروسية كانت قد قامت بتوطيد علاقاتها مع نظيراتها الإفريقية مُنذ عام 2015 فوقّعت إحدى وعشرين اتفاقية عسكرية مع دول من بينها: أنغولا، وبوتسوانا، وبوركينا فاسو، وتشاد، وإثيوبيا، وغينيا، ومدغشقر، ونيجيريا، والنيجر، وسيراليون، وتنزانيا، وزيمبابوي، وصحيح أنّ الدولة الروسية استخدمت مجموعة فاغنر في تدخلاتها في عشر دول افريقية وهي: السودان وإفريقيا الوسطى وليبيا وزيمبابوي وأنغولا ومدغشقر وغينيا وغينيا بيساو وموزمبيق والكونغو الديمقراطية، صحيح ذلك كله، ولكن كل هذه العلاقات والنشاطات العسكرية الروسية الكثيرة في افريقيا لا تزيد عن كونها نشاطات (ميليشياوية) أكثر من كونها نشاطات دول كبرى.
وقد لوحظ أنّ أوسع نشاط عسكري لروسيا في افريقيا ضد القوى المنافِسة الدولية لها كان ضد فرنسا بشكل خاص، وفي دول غرب ووسط افريقيا بشكل أخص، وهذا يدل على أنّها لا تخدم المصالح الروسية على المدى البعيد، بل تخدم - من ناحية فعلية - المصالح الأمريكية الآنية كونها أسهمت في زعزعة الوجود الفرنسي في افريقيا، كما حصل من خلال الانقلابات العسكرية ضد فرنسا في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وبالتالي كان ذلك النشاط العسكري الروسي عاملاً من العوامل التي ساهمت في الضغط على فرنسا للقيام بإجلاء قواتها من مستعمراتها السابقة، وهذا بلا شك أفاد الوجود الامريكي في افريقيا، والذي أصبح يحل محل الوجود الفرنسي في القارة الافريقية عموماً.
وكما قلنا أعلاه فإنّه مع كل هذا النشاط الروسي العسكري في افريقيا فإنّ روسيا لم تتمكّن من بناء قواعد عسكرية أو ايجاد أوضاع عسكرية ذات قيمة في افريقيا مُقارنة بأمريكا وفرنسا، فأمريكا مثلاً تمتلك 34 قاعدة عسكرية في افريقيا، وفرنسا تمتلك 16 قاعدة، بينما روسيا لا تملك الا عناصر فاغنر ومستشارين روس، وهي تبيع الأسلحة الروسية للدول الافريقية، لكنّ هذه الأدوات وما يُشابهها لا تنفع ولا تكفي في ايجاد نفوذ دولي استراتيجي.
وأخيراً نقول إنّ أمريكا قد كشفت بصراحة أنّها لا تخشى الوجود العسكري الروسي في افريقيا كما تخشى الوجود الصيني، ولعل أوضح تعبير في هذا السياق ما ذكره الجنرال ستيفن تاونسند قائد القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) في إفادته أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس في حديثه عن المنافسة الروسية والصينية لبلاده في إفريقيا فقال:"أنا أقل قلقًا بشأن المنافسة الروسية.. أعتقد أنهم [الروس] أقل أهمية بالنسبة لي على المدى الطويل مقارنة بالصين. الصين هي مصدر القلق اليوم وعلى المدى الطويل".

الجمعة، 17 نوفمبر 2023

ترامب يفجر فضيحة مدوية تكشف حقيقة العلاقات بين أمريكا وايران

ترامب يُفجّر فضيحة مُدوّية تكشف حقيقة العلاقات بين أمريكا وإيران 


 
كشف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن طبيعة العلاقة اليومية التي كانت موجودة بين القيادات الايرانية في العراق وبين المسؤولين العسكريين الأمريكيين، وأوضح مدى حجم التنسيق بين الطرفين، وما ترتب عليه من خنوع النظام الايراني للاحتلال العسكري الأمريكي في العراق خنوعاً تامّاً، وهو ما عكس حالة من التبعية الايرانية الصريحة للسيّد الأمريكي في العلاقات الديبلوماسية والعسكرية بينهما.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد كشف يوم الثلاثاء 7 – 11 - 2023 وتناقلتها وكالات أنباء عديدة، ومنها حقيقة ما جرى بعد مقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، وما حصل من قيام النظام الإيراني باستئذان الرئيس ترامب بالرد على عملية الاغتيال لحفظ ماء وجهها، وخشيتها من رد فعل أميركي أقوى، وذلك بحسب ما ذكر ترامب الذي كان يتحدث في شؤون انتخابية في ولاية تكساس بمدينة هيوستن الأميركية فنقلت الـ بي بي سي قول ترامب بما يلي:" قمنا بتخريب بعض الرادارات، وبعدها قتلنا سليماني، لقد كان عليهم أن يردوا لحفظ ماء وجههم، وهذا أمر طبيعي، ثم أبلغونا أنه سيتم إطلاق 18 صاروخاً على قاعدة أميركية في العراق (عين الأسد) لكنها لن تستهدفها مباشرة، بل ستستهدف فقط محيط القاعدة".
وأكّد ترامب ان أي جندي أميركي لم يصب بأذى في القصف الايراني، وأوضح أنه ذكرهذه القصة (السر) لأول مرة من أجل (إثبات احترام أميركا)، وادّعى بأنّ إيران في عهد بايدن لا تحترم الولايات المتحدة كما كانت تحترمها في عهده.
لم يأبه ترامب بفضح إيران على الملأ، وبذكره هذه القصة، لأنّ كل همّه كان الدعاية الإنتخابية لشخصه ولحزبه، ولو على حساب كشف تبعية ايران لأمريكا.
فهذه القصة التي رواها ترامب عن استئذان ايران لقصف محيط قاعدة عين العرب قصفاً شكلياً لحفظ ماء الوجه، هي في الواقع فضيحة سياسية لايران ولموقعها في محور المُقاومة، وهي كشف واقعي لطبيعة العلاقات العميقة بين امريكا وايران، وبيان أنّ العداء بينهما موجود فقط في وسائل الاعلان.
إنّ سياسة الدجل الايراني هذه تؤكّد أنّ الكلام عن قيادة ايران لمحور المُقاومة ما هو سوى مُزايدات ايرانية تُغطي بها حقيقة قيام ايران بطعن المُقاومة من الخلف، والدليل على ذلك أنّ هذه الحرب الشرسة التي تشنّها قوات دولة يهود على سكان غزة هي فرصة ذهبية لإيران بوصفها زعيمة محور المُقاومة لأنْ تتدخّل، وتُساعد فصائل المُقاومة - وهي في أمسّ حاجة للمُساعدة - لتمكينها من الثبات والصمود أمام تلك الحرب الضروس التي تستهدف وجودها وبقائها.
كانت إيران تُمنّي المُقاومة بأنّها سوف تتدخّل في المعركة لو دخلت دولة يهود في الحرب البريّة، وإنّها لن تتخلّى عنها إن وقعت تلك الحرب، وها هي بدأت الحرب البريّة، واجتاح جيش يهود قطاع غزّة، وقطّع أوصاله، وما زالت إيران تُمارس نفس  لعبتها المعهودة، فتُهدّد كلامياً، وتُثرثر إعلامياً، لكنّها لم تفعل شيئاً على أرض الواقع لنصرة غزة.
 وهكذا نجد أنّ محور المُقاومة الذي تتزعّمه ايران قد أثبت كذبه وزيفه، فحان أوان سقوطه، وإنّ سقوط قيادة أي مجموعة يستلزم معها سقوط المجموعة نفسها، فقد انتهى اليوم ما سمّي بمحور المقاومة، وبعد حرب غزة لن يكون له أي وجود.
فالمقاومة بالنسبة لإيران كانت دائماً لعبة سياسية تُمارسها، وليس عملاً مُقاوماً تتلبّس به، وهي تقوم بها كدور وظيفي ينحصر فقط في خدمة المصالح الأمريكية من خلال احتواء مجموعات المُقاومة، وحرف مسارها، وتوهين قواها، وكشف نقاط ضعفها، وجرّها إلى خوض معارك جانبية لإرهاقها وتشتيت قواها.
وبات واضحاً ما هي مادة هذه اللعبة الإيرانية والتي تتلخّص في إطلاق التصريحات النارية، وصياغة الفذلكات الكلامية التي يُراد بها رسم صورة وضّاءة لايران تُخالف حقيقتها المُظلمة، فمثلاً استبق الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي القمّة العربية الإسلامية في الرياض بالقول: إنّنا لا نريد كلاماً وإنّما نريد أفعالاً، وهو يعلم في قرارة نفسه أنّ هذه القمّة التي سيشارك هو فيها لا يخرج عنها شيئاً سوى الكلام.
ومثلاً عندما سُئل المندوب الإيراني في الأمم المُتّحدّة عن أحداث السابع من أكتوبر، وبعد أنْ تبرأ من أية علاقة لإيران بها، أجاب بأنّ ايران لو كانت مكان حماس فإنّها لا تفعل ما فعلته حماس في ذلك التاريخ.
هذه هي إيران، وهذه هي حقيقتها، إنّها مزيج من الكذب والتحايل والخداع، تتحدّث أمام الغرب بلغة، وتتحدّث أمام الشعوب الإسلامية بلغةٍ مُعاكسة تماماً.
والحقيقة أنّ الفضيحة التي فجّرها الرئيس الأمريكي ترامب بخصوص إيران تؤكّد طبيعة القيادة الايرانية المُتواطئة مع أمريكا دوماً، والمُرتبطة بها دائماً، وتُبيّن أنّها لا تختلف عن الدول العربية إلا بالشكل الخارجي، فإذا كانت الدول العربية تابعة لأمريكا والغرب ظاهراً وباطناً فإنّ إيران تابعة لأمريكا والغرب باطناً ومُعادية لهما ظاهراً.

الاثنين، 13 نوفمبر 2023

الرئيس الفرنسي يلعق تصريحات سابقة له عن غزة

الرئيس الفرنسي يلعق تصريحات سابقة له عن غزة!
 
 
الخبر:
 
تراجع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال اتصال تليفوني يوم الأحد الماضي بنظيره (الإسرائيلي) إسحاق هرتسوغ عن تصريحاته التي أدلى بها خلال مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية يوم الجمعة الماضي - والتي أثارت ضجة داخل كيان يهود - فاتصل الرئيس الفرنسي بهرتسوغ وقال له إنّه "يدعم بشكل لا لبس فيه حق (إسرائيل) في الدفاع عن النفس"، وقال المتحدث باسم الرئاسة في كيان يهود إنّ "الرئيس ماكرون أوضح أنه لا يقصد إلقاء اللوم على (إسرائيل) لتعمدها إيذاء المدنيين الأبرياء في حربها ضد حماس، ولكن من المهم مواصلة البحث عن حلول للأزمة الإنسانية في غزة".
 
وكان الرئيس الفرنسي قد قال يوم الجمعة بشكلٍ لا لبس فيه: "إنّ القصف (الإسرائيلي) بات يستهدف المدنيين والنساء والأطفال، ولا مشروعية له، داعيا (إسرائيل) إلى التوقف عن ذلك"، وأضاف في مقابلة مع بي بي سي: "في الواقع، اليوم يتم قصف المدنيين، هؤلاء الأطفال، هؤلاء النساء، هؤلاء المسنين، يتعرضون للقصف والقتل، وليس هناك مبرر لذلك ولا شرعية، وندعوها لوقف إطلاق النار"، وأكّد على أنه: "لا يوجد مبرر للتفجيرات، وأن وقف إطلاق النار سيفيد (إسرائيل)".
 
التعليق:
 
لم يصمد الرئيس الفرنسي على تصريحاته المُندّدة بشدّة بقصف جيش دولة يهود للمدنيين في غزة لأكثر من أربع وعشرين ساعة! فبين يوم الجمعة ويوم الأحد انقلبت تصريحاته رأساً على عقب، وتراجع عن تحميل كيان يهود قصف المدنيين، كما تراجع عن الدعوة إلى وقف إطلاق النار بشكلٍ مُذلّ بعد أنْ أدرك حجم الغضب اليهودي عليه.
 
وجاء هذا التراجع بعد أن هوجم ماكرون بشدة من جانب رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو ووزراء حربه، حيث قال نتنياهو في تصريح مشترك مع غالانت وبيني غانتس، حسب ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: "لقد ارتكب ماكرون خطأً فادحاً، خطأ واقعياً وأخلاقياً".
 
فالرئيس الفرنسي في تصريحاته الأولى يوم الجمعة حاول أنْ يخرج قليلاً عن مواقف الدول الغربية الخانعة لأمريكا والمُمالئه لجرائم كيان يهود، وحاول أنْ يجد لدولته مكاناً فيه شيء من الاستقلالية، والابتعاد عن تلك المواقف المُساندة لدولة يهود بطريقةٍ فجّة، والتميّز عنها بشكلٍ من الأشكال، لكنّه ما إنْ خرج قليلاً عن الخط المرسوم حتى تلقى الصفعة فوراً من نتنياهو فأفقدته صوابه، وأعادته إلى رشده في السير باتجاه طريق الانحياز الأعمى لكيان يهود.
 
فهل فرنسا بهذه القيادة المهزوزة ما زالت دولة عظمى مُستقلّة؟! فإذا كانت عاجزة عن اتخاذ موقف مُستقل في قضية إقليمية صغيرة، فهل تملك التأثير الحقيقي في الموقف الدولي؟! وهل بقي لها وزن أصلاً في المسرح الدولي؟! فهي حتى لا تستطيع أنْ تكون في مُستوى دولة كالصين المعروف أنّها لا تأثير لها في منطقة الشرق الأوسط كفرنسا، ولكنّها مع ذلك لا تنجر انجرار فرنسا الأعمى لدعم دولة يهود.
 
إنّ هذا التراجع الفرنسي السريع عن موقف مبدئي حاولت فرنسا أنْ تتبنّاه في خضم هذا الصراع الشرق أوسطي يدل على أن فرنسا لا تعدو كونها دولةً ذليلة هزيلة، لا تستطيع أنْ تخرج عن محور السياسات الأمريكية، بل لا تجرؤ على مُجرد مُخالفتها.

الأربعاء، 30 أغسطس 2023

أبعاد صفقة أمريكا مع ايران

أبعاد صفقة أمريكا مع إيران
تمّ إبرام صفقة غريبة بين أمريكا وايران بوساطة قطرية أفرج بموجبها عن خمسة مواطنين امريكيين مقابل الافراج عن ستة مليارات دولار أمريكي من الأموال الإيرانية المُجمّدة في بنوك كوريا الجنوبية بسبب العقوبات الامريكية.
ووجه الغرابة في الصفقة كون المبلغ ضخم جداً ولا يتناسب مع قيمة الفدية المدفوعة لاطلاق سراح المساجين المُفرج عنهم والذين هم ليسوا من الأمريكيين الاصليين من وجهة نظر الساسة الأمريكيين المُتنفذين، فهم على أية حال ايرانيين ولسوا أمريكيين.
وأصرّت إدارة بايدن على تمرير الصفقة بالرغم من اعتراض دولة يهود الشديد عليها واعتراض اللوبي اليهودي في أمريكا واعتراض الكونغرس الامريكي على تلك الصفقة.
ولأنّ إدارة بايدن لا تستطيع تمرير الصفقة في الكونغرس بصورة قانونية قامت بتمريرها خلال استخدام صلاحيات الرئيس وذلك بتمرير صفقة وتفاهمات، وهذا يدل على مدى اهمية هذه الصفقة بالنسبة للإدارة الامريكية، وأهمية إيران وحكومتها بالنسبة للسياسين الأمريكيين الفاعلين.
وادّعت الادارة الأمريكية أنّ الصفقة ضرورية لها للأسباب التالية:
1 – اندراجها تحت استراتيجية الردع والضغط والديبلوماسية التي تنتهجها إدارة بايدن.
2 – كونها تُساهم في احتواء الصين وإفشال روسيا في أوكرانيا.
3 – الضغط على إيران لوقف بيع طائراتها المسيرة إلى روسيا.
4 – تخفيف حدة التوترمع ايران وإحياء محادثات اوسع نطاقاً معها حول برنامجها النووي.
وهذ المُبررات التي قدّمتها امريكا لتمرير الصفقة لا تُسهم إلا في تحسين وضع ايران الاقتصادي والسياسي ورفع مكانتها اقليمياً، وهو ما يتناسب مع كون ايران تسير في فلك أمريكا، وتُلبي الاحتياجات الأمريكية وتُساهم في زيادة النفوذ الامريكي في المنطقة، لذلك فأمريكا معنية بمساعدتها ورفع العقوبات عنها بمنحها المليارات من الدولارات لحاجتها الشديدة إليها لتخفيف أزمتها الاقتصادية الخانقة، ولتمكينها من القيام بلعب دورها المرسوم لها في المنطقة لخدمة المصالح الأمريكية على احسن وجه.
ولإكمال المسرحية بين أمريكا وإيران عبر هذه الصفقة قامت الحكومة الايرانية بإطلاق بادرة حسن نية من جانبها تتعلق بتخفيض نسبة تخصيب اليورانيوم دون الستين بالمائة، وبالمُقابل وعدت امريكا بعدم فرض عقوبات جديدة على ايران.
ودافعت الخارجية الأمريكية امام مُنتقديها عن الصفقة بأنّ المبالغ المُفرج عنها هي أموال إيرانية مُستحقة لها من بيع النفط لكوريا الجنوبية، ورفضت الافصاح عن تفاصيل عملية إتمام صفقة تبادل السجناء مع ايران بحجة انّها ما زالت جارية.
وأمّا بالنسبة لكوريا الجنوبية فاستفادت هي الأخرى من الصفقة باعتبارها تابع مهم لأمريكا في الشرق الأقصى فكوفئت بمليار دولار امريكي جراء خفض قيمة عملتها أمام الدولار الأمريكي لأنّ اصل الصفقة سبعة مليارات فخسرت ايران ملياراً منها بسبب فرق العملة ذهب لصالح كوريا الجنوبية.
ولعل من أهم دلالات هذه الصفقة ضعف تأثير كيان يهود على إدارة بايدن، وتأكيد أهمية الدور الايراني في المنطقة بالنسبة لأمريكا، فهو دور لا غنى عنه بالنسبة لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط.
ويُفهم من هذه الصفقة انّ امريكا لا زالت اللاعب المُهيمن في العالم، فهي وحدها التي تُقُرّر فرض العقوبات على الدول وهي لوحدها التي تُقرّر رفع العقوبات عن الدول كما يحلو لها.
وهذه الصفقة أيضاً كشفت دور ايران المشبوه في التعاون مع أمريكا، وأظهرت أنُ الصراخ الاعلامي والسباب والتلاعن بين الدولتين هو مجرد طنين أجوف لا يؤثر في طبيعة العلاقات المصلحية بينهما.
إنّ الطريق الوحيد الصحيح في التعامل مع امريكا هو عدم التعاون معها تحت اي ظرف من الظروف، فهي دولة عدوة حاقدة ضد المسلمين، بل هي الدولة الأولى في العالم التي تُحارب الاسلام وتتآمر على المسلمين مع جميع أعداء الأمة الاسلامية، وتنتهك حُرُماتهم، لذلك يجب اتخاذ استراتيجية الحرب الفعلية معها، وعدم الانحناء لها مطلقاً كما يفعل حكام العمالة والخيانة معها هذه الايام، ويجب رفض التفاهم معها بأي أسلوب من الاساليب، ولأي سبب من الاسباب.