السبت، 23 فبراير 2013

قضية أفغانستان


قضية أفغانستان
 
تقع أفغانستان في وسط آسيا، وتحدها من الشمال ثلاث جمهوريات إسلامية  تتبع النفوذ الروسي وهي طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان، ويحدها من الجنوب والشرق باكستان، ولها حدود صغيرة من الشرق أيضاً مع الصين، وأما من الغرب فتحدها إيران.
إن موقع أفغانستان الاستراتيجي هذا جعلها محط أنظار الدول الكبرى الطامعة لأنها تجاور روسيا والصين وتطل على الهند وتتصل بمحيطها الإسلامي في باكستان وإيران.
فروسيا تخشى أفغانستان لأنها تؤثر في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى التابعة لها، وكون أفغانستان دولة بلا منافذ بحرية فقد سهّل ذلك للغزاة والفاتحين اعتبارها ممراً وموطئ قدم لهم، فقديماً اتخذها الاسكندر المقدوني مركزاً للاستراحة في غزوه لآسيا عام 329 قبل الميلاد، ودخلها المسلمون في سنة 654 ميلادي، وانطلقوا منها لفتح المناطق التركستانية الشاسعة شرقاً.
احتلت بريطانيا أفغانستان في القرن التاسع عشر بهدف مواجة روسيا ولحماية مناطق نفوذها في الهند وفي إيران آنذاك.
إن الشعب الأفغاني معتاد على الغزو والحروب، ورجاله أشداء لا يعرفون الهزيمة، وقد استطاع الأفغان بقوتهم المحدودة إلحاق الهزيمة المنكرة بقوات الإمبراطورية البريطانية مرتين كانت الأولى ما بين العامين 1839م-1841م وكانت الثانية ما بين العامين 1878م-1880م.
وأما الحرب الثالثة فنجح الغزو البريطاني في السيطرة على أفغانستان وذلك في العام 1919م حيث وقع الملك الأفغاني العميل أمان الله معاهدة استسلام مع بريطانيا، إلاّ أن الشعب الأفغاني ولشدة تدينه ثار على الملك لخيانته، ومحاولته إلغاء الحجاب، وإدخاله نمط الحياة الغربي إلى أفغانستان، وتمكن من إقصائه عن السلطة على يد أحد الثوار وهو حبيب الله الملقب بابن السقا، ولكن بريطانيا تمكنت من قتل ابن السقا عن طريق نادر شاه أحد ضباط الملك أمان الله السابقين والذي كان من الموالين لها.
وفي العام 1933م سلمت بريطانيا الحكم لظاهر شاه ابن نادر شاه وكان عمره إذاك 19سنة، وحكم أفغانستان أربعين سنة تحت رعاية الإنجليز.
في العام 1973م نجحت روسيا في التغلغل إلى أفغانستان فقام ابن عم الملك محمد داود المدعوم من الاتحاد السوفياتي بالإطاحة بالملك، وانتقلت أفغانستان منذ ذلك التاريخ إلى قبضة الشيوعيين التابعين للاتحاد السوفياتي.
ثم في العام 1978م جاء الروس بمحمد نور طاراقي إلى الحكم، ووقع لهم على معاهدة مع الرئيس السوفياتي ليونيد بريجينيف تسمح بدخول القوات السوفياتية إلى أفغانستان، وأثار ذلك حفيظة أمريكا وبريطانيا لأنهما اعتبرا ذلك التوقيع إخلالاً فظيعاً بالتوازن الدولي في أفغانستان.
فدبرت أمريكا انقلاباً على طاراقي على يد شيوعي موالٍ للغرب اسمه حفيظ الله أمين كان قد خدع الروس باظهاره الموالاة لهم، وكان له اتصال مع المخابرات الأمريكية،فقام العام 1979م بالإطاحة بطاراقي، وبقتله، وقتل كَّل جماعته.
وفي 27 كانون الأول من نفس العام رد الروس على ذلك الانقلاب المفاجئ بغزو عسكري شامل لأفغانستان، نصَّبوا على إثره حكومة شيوعية في كابول برئاسة باراك كاراميل الذي جاءوا به معهم من روسيا.
وعلى إثر ذلك اندلعت مقاومة عنيفة ضد الحكم الجديد، وانتظم المقاتلون الأفغان في ميليشيات، وانتشرت الروح الجهادية بقوة ضد الشيوعيين الكفار، واستغلت أمريكا هذا الوضع الجديد، فألقت بكامل ثقلها وراء المجاهدين، وأوعزت إلى الدول العربية كالسعودية وغيرها، بتسهيل حركة المقاتلين الذاهبين إلى أفغانستان و تم إمدادهم بالأموال والأسلحة المتنوعة والتي كان منها صواريخ ستنجر التي شلّت الطيران السوفياتي.
وبعد عشر سنوات من الغزو السوفياتي لأفغانستان أصيب الاتحاد السوفياتي بالإرهاق والعجز عن السيطرة على الأوضاع في أفغانستان وذلك بعد خسائر جسيمة بالأرواح والمعدات لحقت بقوات الاتحاد السوفياتي.
وللخروج من هذا المأزق استبدل السوفيات بباراك كارميل نجيب الله في العام 1987م وكان رئيساً للاستخبارات على أمل أن يكون أقدر من سلفه على حماية المصالح السوفياتية في أفغانستان، بعد أن قرروا الانسحاب في 14/شباط/1989م.
صمد نجيب الله لمدة ثلاثة أعوام فقط أمام هجمات المجاهدين، وفي العام 1992م سقطت كابول وتولى الحكم برهان الدين رباني.
انتقل الصراع بين المجاهدين أنفسهم لمدة أربع سنوات إلى أن تمكنت حركة طالبان المدعومة من المخابرات الباكستانية مباشرة، والمدعومة من أمريكا بشكل غير مباشر، من السيطرة على الحكم وطرد حكومة رباني من السلطة.
وتفاوضت حركة طالبان بين الأعوام 1996م -1998م مع مسؤولين أمريكيين للاعتراف بحكمها لأفغانستان رسمياً، ولتسلم مقعد أفغانستان الشاغر في الأمم المتحدة، كما تفاوضت الحركة مع شركتي يوماكال الأمريكية ودلتا السعودية لإبرام صفقة نقل الغاز من جمهوريات آسيا الوسطى عبر أفغانستان إلى الموانئ الباكستانية على المحيط الهندي، لكن وقوع تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا أوقف العمل بهذا الاتفاق.
وتغيرت العلاقات بين طالبان وأمريكا جذرياً وساءت بعد وقوع تفجيرات الحادي عشر من أيلول عام 2001م، فغزت أمريكا أفغانستان، وتعاون معها المجاهدين القدامى كبرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وغيرهما، كما تعاون معها حكام باكستان الذين جعلوا أرضها وسماءها وقواعدها ومخابراتها تحت تصرف الأمريكان، وقاموا بقطع الشريان الحيوي الذي كان يمد طالبان بالحياة، وهذا ما يفسر السهولة في نجاح قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني في السيطرة على أفغانستان في أيام معدودة بعد الغزو.
وبعد الغزو الأمريكي البريطاني تم وضع وثيقة بون وصاغت أمريكا دستوراً جديداً لأفغانستان يخولها باسم الأمم المتحدة من السيطرة على نظام الحكم في أفغانستان وذلك بتجميع ممثلي (اللويا جيرغا) من المجاهدين السابقين، ومن العملاء الجدد لها ليكونوا شاهد زور على شرعية الاحتلال.
لكن أمريكا فوجئت بعودة حركة طالبان إلى المقاومة بعد تنظيم صفوفها بأشد مما عرف عنها من قبل، وبدأت تنال من القوات الأمريكية والبريطانية وتلحق بها الخسائر الجسيمة في الأرواح والمعدات.
ولم تتوقع أمريكا أن تكون حركة طالبان بمثل هذه القوة، فشحنت المزيد من قواتها إلى أفغانستان، واستعانت بحلف الناتو وبقوات أخرى لكنها لم تستطع إلحاق الهزيمة بطالبان، وعادت قوات طالبان للسيطرة على أكثر من نصف البلاد، وأصبحت أفغانستان تُشكل التحدي الأكبر لأمريكا في الخارج، وباتت أهم مأزق لأمريكا في سياستها الخارجية.
تفاقمت أوضاع القوات الأمريكية في أفغانستان أكثر فأكثر، وارتفعت وتيرة أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين، ومن الجنود الآخرين المشاركين في الغزو وخاصة من البريطانيين، وأصبحت الدول المشاركة تتفلت من التزاماتها وتحاول الانسحاب من افغانستان، ولم تستطع أمريكا أن تحسم الوضع عسكرياً فبدأت تبحث عن سبل دبلوماسية، وتحاول الاتصال بحركة طالبان من خلال السعودية والباكستان لوضع حل سياسي بعدما أيقنت بفشل الحل العسكري.
لكن الأوضاع ما زالت شائكة في أفغانستان فظهر العجز الأمريكي العسكري بشكل جلي في أفغانستان وعلقت أمريكا هناك فلا هي تستطيع الانسحاب لأن ذلك إن حصل يعتبر هزيمة مدوية لها وفضيحة كبيرة بخقها بوصفها الدولة الأعظم، ولا هي قادرة على الحسم العسكري في أفغانستان.
إن هذه الأوضاع غير المستقرة ستُساعد دولة الخلافة على طرد الوجود الأمريكي نهائياً من أفغانستان وبالكستان وجميع بلدان العالم الاسلامي، وإن حزب التحرير يسعى منذ الآن مع الأمة وبها من أجل إقامة دولة اسلامية حقيقية في المنطقة تشمل باكستان وأفغانستان ودول الجمهوريات الاسلمية في آسيا الوسطى ليكونوا في دولة واحدة قوية، تنتقل في المرحلة الثانية لتتمدد إلى سائر بلاد المسلمين الأخرى.

الاثنين، 11 فبراير 2013

القوقاز





القوقاز


القوقاز أو القفقاس هي المنطقة الواقعة بين بحر قزوين (الخزر) شرقاً والبحر الأسود غرباً، وهي منطقة جبلية شاسعة وفاصلة بين روسيا من الشمال وبين تركيا وإيران من الجنوب وتقسم إلى قسمين:
1)  القوقاز الشمالي وتشمل الجمهوريات (المحافظات) التابعة لروسيا وهي الشيشان والداغستان والأنجوش ومناطق الشركس.
2)           القوقاز الجنوبي وتشمل الجمهوريات المستقلة وهي ثلاث جورجيا وأرمينيا وأذربيجان.
وأراضي القوقاز غنية جداً بالنفط والغاز الطبيعي خاصة في أذربيجان والمعادن كالحديد والمنغنيز والنحاس والرصاص والزنك والتنجستون.
بدأ الفتح الإسلامي لمناطق القوقاز مبكراً في عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب t حيث فتح القائد سراقة بن عمرو أذربيجان في العام 22 هجري، وفي عهد عثمان بن عفان t فتحت جورجيا وأرمينيا.
استمرت مناطق القوقاز بالخضوع للدولة الإسلامية المتعاقبة حتى العام 1722م حيث غزا الروس القوقاز في زمن الإمبراطور بطرس الأكبر وذلك مع بداية ضعف دولة الخلافة العثمانية.
تصدى أهل القوقاز للغزو الروسي لأراضيهم فقام الإمام منصور بمحاربة الروس منذ 1780-1791م إلى أن وقع في الأسر سنة 1794م ومات في سجن سليسبرغ الروسي.
وحمل راية الجهاد ضد الروس بعد ذلك الإمامان غازي مولا محمد وحمزات ما بين العامين 1824 وَ 1832م ثم في العام 1839م تجمع شعوب شمال القوقاز لمحاربة الروس تحت قيادة الإمام شامل لمدة خمس وعشرين عاماً. وتمكن الروس من السيطرة الكاملة على شمال القوقاز في العام 1859م مع انتهاء ثورة الإمام شامل.
وبعد تركيز الروس لنفوذهم في القوقاز ثارت الشعوب الشركسية ضدهم ما بين العام 1862م والعام 1864م وبعد هذا العام بسط الروس سيطرتهم الكاملة على جميع مناطق القوقاز الشمالي.
وبعد نصف قرن من سيطرة الروس تلك قاد الشيخ شيتا استامليون ثورة الحركة القادرية ضد الدولة السوفياتية الشيوعية ما بين العام 1928م والعام 1935م.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحت ذريعة تعاون الشيشان مع النازيين الألمان قام الرئيس السوفياتي جوزيف ستالين في العام 1945م بتهجير مئات الآلاف من الشيشانيين إلى سيبيريا مات منهم 100 ألف خلال عامين.
وظل الشيشانيون يعانون ظروف التشرد والبرد والموت في سيبيريا حتى العام 1957م عندما تسلم الرئيس نيكيتا خرتشوف مقاليد السلطة في الاتحاد السوفياتي فأعادهم إلى بلادهم وكانوا قد فقدوا نصف عددهم في سيبيريا.
ومنذ العام 1957 وحتى العام 1991م هدأت الأمور في القوقاز واستتب لروسيا الشيوعية الأمن فيها إلى أن سقط الاتحاد السوفياتي في العام 1990م حيث سيطر جوهر دوداييف على جمهورية الشيشان وأعلن استقلالها عن روسيا واندلعت الحرب بين الطرفين ما بين العام 94-97 واستشهد دوداييف في هذه الحرب في 21/4/96 بغارة جوية روسية وسقطت العصمة غروزني في الحرب وتولى الرئاسة من بعده سليم خان بندرباييف وتمكن الشيشان وبعمليات قتالية بطولية من إعادة تحرير غروزني وطرد الروس منها وإجبارهم على توقيع اتفاقية هدنة في 31/8/96 تقضي بخروج الجيش الروسي من الشيشان وإجراء استفتاء على الاستقلال في 3/12/2001م.
وفي 28/1/97 فاز أصلان مسخادوف برئاسة الجمهورية الشيشانية ووقع على معاهدة سلام مع الرئيس الروسي بوريس يلتسين في 12/5/97 لا تنص صراحة على الاستقلال ولا تنص كذلك على بقاء الشيشان جزء من روسيا، وأصبحت جمهورية الشيشان بعد هذه الاتفاقية تتصرف كدولة مستقلة. وأصبحت دول العالم تتعامل معها على أنها مستقلة أو في طريقها للاستقلال، لكن في العام 1999م استغلت روسيا وقوع هجمات وتفجيرات قام بها المقاتلون الشيشان في روسيا وداغستان أسفرت عن مقتل أكثر من 250 روسياً فقامت بقيادة فلاديمير بوتين بنقض الاتفاقية السابقة واجتاحت القوات الروسية من جديد جمهورية الشيشان وأسقطت الدولة واحتلت العاصمة وعادت الأمور إلى ما كانت عليه قبل وصول جوهر دوداييف إلى الحكم ونُصب حكام عملاء لروسيا في غروزني وعادت الشيشان لتمثل إحدى المحافظات الروسية.
وفي السنوات العشر الأخيرة استمرت المناوشات بين قوات الاحتلال الروسية وبين بعض الثوار المقاومين للوجود الروسي ولكن بوتيرة أخف من ذي قبل.
امتازت أساليب الجيش الروسي في فرض سيطرته على القوقاز بالوحشية في التعامل مع السكان حيث استخدمت الإعدامات الجماعية وحرق القرى وتدمير المدن وتشتيت الأسر واغتصاب النساء وقتل المدنيين لأتفه الأسباب.
ونتيجة لهذه الأساليب الهمجية التي ينتهجها الروس في مناطق القوقاز تحولت المقاومة إلى العمل تحت الأرض، ولكن الروس وإن نجحوا في كسر شوكة المجاهدين القوقاز إلا أنهم لم ينجحوا في حمل الشعوب القوقازية على الرضوخ للاحتلال الروسي والدليل على ذلك أنه بينما كانت مطالب المجاهدين في السابق تركز فقط على نيل جمهورية الشيشان للاستقلال أصبحت مطالبهم اليوم تتعدى الشيشان لتشمل جميع الأراضي القوقازية الشمالية التي عبَّر عنها قائد المجاهدين القوقاز هذه الأيام دوكو عمروف والذي أصبح ينادي بإقامة إمارة القوقاز الإسلامية والتي تتكون من الشيشان وداغستان والانجوش وأوسيتا ومناطق الشركس وما جاورهم.
إن الحل الشرعي الذي يتبناه حزب التحرير لمشكلة القوقاز المزمنة مع الروس هو ما قرَّره الإسلام وهو وجوب تحرير جميع الأراضي القوقازية من نير الاحتلال الروسي وضمها إلى أرض الإسلام ودار الإسلام، فالروس ما هم في الواقع سوى غزاة كفار اقتطعوا هذه الأراضي الإسلامية في فترة ضعف تمر بها الأمة الإسلامية بسبب ضعف دولة الخلافة العثمانية أولاً منذ العام 1722 وبسبب زوالها بعد الحرب العالمية الأولى.
إن دولة الخلافة القادمة قريباً إن شاء الله ستعمل بكل ما أوتيت من قوة لاسترداد هذه الأراضي الإسلامية وانتزاعها من المحتل الروسي وضمها إلى جسم الدولة الإسلامية وتطبيق أحكام الإسلام فيها واعتبارها من أهم الثغور التي سيرابط فيها المجاهدون لمقارعة الروس الكفار في تلك المنطقة وللتحضير بعد ذلك لغزو مناطق قازان موطن الدولة التتارية المسلمة وفتحها وتحرير جميع الأراضي التي كانت خاضعة للدولة القازانية التتارية بما فيها مدينة موسكو وضمها لدار الإسلام من جديد.
أما مهادنة حكام المسلمين اليوم للروس النابعة عن جبن وعدم التزام بأحكام الإسلام فهذا أمر لن يستمر بعد قيام الدولة الإسلامية التي ستعامل الروس كأعداء وتعامل الدولة الروسية باعتبارها دولة محاربة فعلاً فلا تقام معها علاقات دبلوماسية ولا اقتصادية ولا غير ذلك.




الأحد، 10 فبراير 2013

قضية كشمير




قضية كشمير

 
كشمير قيل عنها الكثير فهي سقف العالم أو سقف الدنيا أو جنة الله على الأرض كما أطلق عليها الفاتحون المسلمون، وهي أرض ترتفع عن سطح البحر بما يزيد عن 1200متر، وتحوى على أجزاء من سلسلة جبال الهملايا، وهي مصدر غني لينابيع الأنهار التي تخترق شبه القارة الهندية، وتُغذيها بالمياه والحياة، وتطل كشمير على الهند وباكستان والصين، ويخترقها طريق الحرير المشهورة.
فُتحت كشمير مع بلاد الهند والسند أواخر القرن الأول الهجري على يد القائد محمد بن القاسم سنة 94هـ الموافق 712م في عهد الخليفة العباسي المعتصم، ومنذ ذلك التاريخ دخلت كشمير مع شبه القارة الهندية تحت سلطان الإسلام وأصبحت جزءاً من دار الإسلام.
مع ضعف المسلمين في العصور الأخيرة، وهزال الدولة العثمانية، غزت بريطانيا شبه القارة الهندية سنة 1819م، ووجهت بمقاومة إسلامية عنيفة لمدة ثلاثة عقود، ولم تتمكن من السيطرة عليها إلا في العام 1846م، وذلك بعد أن تعاونت معها بعض القوى المحلية من الهندوس والسيخ والبوذيين.
وبالنسبة لإقليم كشمير ذو الغالبية المسلمة فقد سلّمت بريطانيا الحكم فيه للهندوس الذين استأجروا الإقليم من بريطانيا لمدة مائة عام بموجب عقد إيجار يسري مفعوله من عام 1846م إلى عام 1946م.
وارتكب المهراجا الهندوسي الذي نُصب حاكماً على كشمير كل أنواع المجازر، وكل صنوف العذاب بحق مسلمي كشمير لدرجة أنه قال متبجحاً: "إن الشعب في كشمير يُساق كالماشية ويبطش به ويظلم ولا أحد من المسؤولين يسمع تظلمه".
ومن شدة جور الحكم الهندوسي في كشمير، وبطشه وانتهاكه للمحرمات، ومنها حادثة قيام ضباط الأمن الهندوسي بتدنيس القرآن الكريم، ثار المسلمون في العام 1931م ضد تسلط الحكم الهندوسي وقتل نتيجة لذلك اثنان وعشرون مسلماً في السجن قاموا برفع آذان الظهر بحيث كان كل واحد منهم يتلفظ بجزء من كلمات الأذان فيقتل، فيأتي آخر فيكمل فيقتل، إلى أن أتم الاثنان والعشرون رفع الأذان كاملاً، وشبه مسلمو كشمير هذه الحادثة بمعركة مؤتة.
وفي العام 1947 قام الإنجليز بتقسيم شبه الجزيرة الهندية إلى دولتين: دولة الهند بغالبية مجوسية ودولة الباكستان بغالبية مسلمة، وانضم حاكم كشمير الهندوسي إلى الهند بالرغم من أن غالبية سكانها من المسلمين، ونشبت الحرب بين الهند وباكستان وأسفرت عن استيلاء الهند بدعم بريطاني على ثلثي كشمير وبقي 30% من كشمير لباكستان و5% من أراضي كشمير استولت الصين عليها لمحاذاتها لها.
وبعد انتهاء الحرب صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي يمنح سكان كشمير الحق بإجراء استفتاء ليقرر الكشميريون مصيرهم النهائي إما بالانضمام إلى الهند أو إلى باكستان أو بالاستقلال، لكن القرار لم يُطبق وبدلاً من ذلك قام الرئيس الهندي جواهر لال نهرو بإعلان ضم ولاية كشمير إلى الهند في العام 1956م.
واستمرت قوات القمع الأمنية الهندية بقمع مسلمي كشمير، وقتلهم، وسجنهم، وتصفية العلماء والسياسيين منهم منذ ذلك الوقت وحتى هذه الأيام.
وما ساعد الهند على ارتكاب هذه المجازر ضد المسلمين في كشمير هو تقاعس حكام المسلمين لا سيما حكام الباكستان عن نصرة مسلمي كشمير، وهو ما أدّى إلى ضياع كشمير من أيدي المسلمين كما ضاعت فلسطين.
وخاضت الباكستان في العام 1965م حرباً ثانية مع الهند بسبب كشمير خسرت فيها ثلاثة أنهار سلَّمها الرئيس الباكستاني أيوب خان للهند بلا قتال.
وفي العام 1971م أضاع يحيى خان وذو الفقار على بوتو باكستان الشرقية من جسم الدولة الباكستانية و تحولت إلى دولة مستقلة اسماً تحت اسم بنغلادش للهند نفوذ واسع فيها.
وفي العام 1999م وفي عهد نواز شريف أوشك المجاهدون وقوات من الجيش الباكستاني من تحقيق النصر على الهند في مرتفعات كارغيل لولا خيانة نواز شريف الذي سحب الجيش استجابة لأوامر أمريكا من أجل مساعدة فايجبايي رئيس وزراء الهند آنذاك والموالي لأمريكا بالفوز في الانتخابات أمام منافسه حزب المؤتمر على حساب دماء المسلمين، وكان ذلك الانسحاب سبباً في سقوط نواز شريف.
ولكن الرئيس برويز مشرف الذي جاء بعد نواز شريف ارتكب أكبر خيانة في حق المسلمين في كشمير حيث أنه تنازل عن إعطاء شعب كشمير حق تقرير المصير في العام 2003 تحت ضغط الرئيس الأمريكي جورج بوش وقبل بحل المفاوضات عديمة الجدوى والحوار الغقيم مع الهند على غرار التفاوض العبثي بين الفلسطينيين واليهود وفقاً لخارطة طريق أمريكية على مستقبل كشمير على غرار خارطة الطريق التي وضعت للقضية الفلسطينية. ولم يكتف برويز مشرف بهذه الخيانة الفظيعة بل إنه وجه الجيش الباكستاني لقتال الحركات الإسلامية المجاهدة في كشمير التي كانت مدعومة من قبل الجيش الباكستاني نفسه.
وهكذا ظلت كشمير تحت الاحتلال العسكري الهندوسي منذ العام 1947م، وظلت تستصرخ العالم الاسلامي لإنقاذها، ولكن أياً من الدول القائمة في العالم الإسلامي لم تمد لها يد العون والغوث والنجدة، وظلت وحيدة ترزح تحت جبروت الحكم الهندوسي الظالم.
إن الحل الإسلامي لمسألة كشمير سهل ميسور، فما على الباكستان إلا أن توجه جيشها إلى كشمير ليقوم بتحريرها من دنس الهندوس، وباكستان قادرة وبمفردها على تحقيق النصر، وطرد الهندوس من كشمير، وكادوا أن ينجحوا في ذلك في العام 1999 لولا خيانة الحكام التي حالت دون تحقيق ذلك.
إن دولة الخلافة الإسلامية التي يسعى حزب التحرير لإيجادها سوف تعمل فور قيامها على ضم كشمير إلى جسم الدولة، والدخول مع الهند في حرب ضروس، لا لاستعادة كشمير وحدها، بل لاستعادة كل شبه الجزيرة الهندية إلى حظيرة الإسلام لأنها أرض إسلامية منذ القرن الأول الهجري.
ثم إن الهند نفسها عندما قسمها المستعمر البريطاني راعى إيجاد أكثرية فيها من الهندوس لجعل المسلمين أصحاب الحكم والقرار فيها أقلية مهمشة مع أنهم أصحاب الأرض الأصليون منذ قرون بعيدة.
على أن الهند نفسها يقطن فيها قرابة ألمائتي مليون مسلم بمقدورهم أن يعملوا من الداخل لمساعدة الجيش الإسلامي في الخارج على استعادة الهند من المغتصبين الهندوس الذين تواطؤا مع المستعمر الإنجليزي على استبعاد المسلمين من حكم الهند ومنعهم من مجاهدة الكفار المستعمرين فيها.
إن الرؤية الإسلامية التي يتبنّاها حزب التحرير لحل مشكلة كشمير هي نفسها الرؤية التي يتبنّاها في حل مشكلة فلسطين وسائر المناطق المحتلة الأخرى، وهي وجوب تحرير هذه الأراضي من نير المغتصبين، فكشمير أرض إسلامية يجب تحريرها من المحتلين الهنود الذين تواطؤوا مع الاستعمار البريطاني ضد المسلمين في المنطقة.
والجهاد في سبيل الله هو الطريق الوحيد لإستنقاذ كشمير من أيدي الهنود المغتصبين لها، وهو نفس الطريق المؤدي إلى استنقاذ الهند نفسها من أيدي الهندوس، لأن الهند أرض لإسلامية خراجية كانت تُحكم لمدة زادت عن الألف سنة من قبل المسلمين.

الاثنين، 4 فبراير 2013

قضية قبرص




قضية قبرص




تمتاز جزيرة قبرص بموقع حيوي شرقي البحر الأبيض المتوسط، فتقع قبالة السواحل الشامية من جهة الشرق وقبالة السواحل التركية من جهة الشمال.
فتحها المسلمون مبكراً في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان t سنة 649 ميلادي وظلت جزءاً من دار الإسلام لمدة اثني عشر قرناً تقريباً تخللتها فترات قصيرة جداً من السيطرة الفرنجية إبان الحروب الصليبية.
وفي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ومع ضعف دولة الخلافة العثمانية وتعاظم دور القوى الأوروبية الاستعمارية، وتعاظم دور روسيا، خشيت بريطانيا على مصالحها في البحر المتوسط من أن تتعرض للخطر الروسي الذي بات يهدد المضائق بين البحر الأسود والبحر المتوسط، وبات يُشكل خطورة على سيطرة بريطانيا على الملاحة في المتوسط، والتي كانت معظم تجارتها إلى الهند تمر من خلاله.
وبحجة أنها تريد تحصين وجودها في المنطقة لمواجهة التهديد الروسي الجديد قامت بخداع الدولة العثمانية، واستغلال ضعفها، ولانتزاع جزيرة قبرص منها طلبت من الدولة العثمانية أن يكون لها وجود عسكري مؤقت في قبرص للمشاركة في حمايتها وحماية تركيا من الغزو الروسي المزعوم، فوافق السلطان عبد الحميد الثاني على ذلك الطلب من موقع ضعف، ووقعت الدولة العثمانية اتفاقية مع بريطانيا في العام 1876م تنص على السماح للإنجليز بوجود عسكري مؤقت في جزيرة قبرص تحت السيادة العثمانية على أن يخرج الإنجليز من الجزيرة بعد انتهاء الخطر الروسي في المنطقة.
وقبل زوال الخطر الروسي سقط السلطان عبد الحميد، وأقحمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا، وتنصلت بريطانيا من شروط الاتفاقية، وأعلنت إلغاءها إيّاها تحت ذريعة تحالف الدولة العثمانية مع ألمانيا، ومن ثم تم إلحاق قبرص بالمستعمرات البريطانية.
وبعد الحرب العالمية الثانية بدأت أمريكا بالضغط على بريطانيا للخروج من المستعمرات، فأشعلت في قبرص ثورة من خلال اليونانيين للضغط على بريطانيا للخروج وتسليم الجزيرة لليونان.
ولكن بريطانيا التي أقامت في الجزيرة أكبر قواعدها العسكرية في الشرق الأوسط أدارت الثورة من خلال عميلها المطران مكاريوس الذي تزعم الثورة ضد الاحتلال البريطاني، فطالب بالاستقلال عن بريطانيا وحوَّل مطالب الثوار التي كانت تنادي بالانضمام إلى اليونان إلى المطالبة بالاستقلال التام.
واستغلت بريطانيا تركيا كونها ترفض بالطبع ضم قبرص لليونان، وكانت النتيجة أن أعلن عن استقلال قبرص وانضمامها إلى الكومونولث البريطاني في العام 1960م.
استمر الصراع بين المستعمر البريطاني والمستعمر الأمريكي الجديد على قبرص حيث تريد بريطانيا الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في الجزيرة، وتريد أمريكا إخراجها منها، وتحولت القضية القبرصية بذلك إلى قضية من قضايا الصراع الدولي بدلاً من أن تكون قضية صراع بين المسلمين أصحاب الأرض وبين الاستعمار الغربي.
وفي العام 1974م أطاح انقلاب عسكري بمكاريوس وقفت وراءه أمريكا وكان الهدف منه واضحاً وهو إزالة القواعد العسكرية البريطانية، وازالة النفوذ الانجليزي من قبرص، فردت بريطانيا عليه بإنزال تركيا لجيشها في قبرص، واحتلال الجزء الشمالي الذي تقطنه أغلبية تركية، فأفشل هذا الإنزال الهدف من الانقلاب، وانقسمت جزيرة قبرص منذ ذلك التاريخ إلى شطرين: أحدهما بيد الأتراك والآخر بيد اليونانيين.
وكان هذا الانقسام بينهما ذريعة تساعد الإنجليز على الاحتفاظ بقواعدهم العسكرية، وعدم الخروج من قبرص، ويبدو أن تكريس الانقسام في الجزيرة هو أمر بات مقبولاً لدى الجميع بما فيها أمريكا لا سيما وأن كل محاولات إعادة توحيد شطري الجزيرة قد فشلت على مدى العقود الثلاثة الأخيرة.
وما يُعزز هذا الرأي ما جرى في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في جمهورية شمال قبرص التركية حيث فاز فيها درويش إيروغلو مرشح الحزب القومي القبرصي التركي الذي يدعو صراحة إلى انفصال الجمهورية القبرصية الشمالية عن قبرص اليونانية، وهو ما يضع عوائق جديدة حقيقية أمام الاتحاد، وقد أكد هذا المعنى الرئيس المنتهية ولايته محمد علي طلعت بقوله: "إنه من المستحيل مع إيروغلو مواصلة مفاوضات إعادة توحيد الجزيرة". فإيروغلو معروف عنه أنه يدافع بحرارة عن فكرة جزيرة بدولتين.
إن النظرة الإسلامية إلى جزيرة قبرص تقضي بأنها أرض إسلامية محتلة يجب إعادتها إلى حظيرة الإسلام، وكان ينبغي على حكام تركيا أن يعملوا بأكبر جهد ممكن لإعادتها إلى السيادة الإسلامية، وان يضموها الى تركيا ولكنهم بدلاً من ذلك تآمروا وتخاذلوا وأسلموها لقمة سائغة إلى الإنجليز بعد الحرب العالمية الأولى، ولم يفكروا البتة في تحريرها حتى الآن، وسلّموا بعدم إرجاعها الى وطنها الأم.
والشيء المؤسف والغريب في نفس الآن أن جميع حكام البلاد الإسلامية ما عدا تركيا قد اعترفت بسيادة الشطر اليوناني على الجزيرة، ولم تعترف بسيادة المسلمين الأتراك عليها.
إن قيام دولة الخلافة الإسلامية الآتية قريباً بإذنه تعالى سوف تعمل على قبرص بشطريها في ظل دار الإسلامن وهو عمل من أهم أولوياتها، لأن قبرص أرض إسلامية عريقة منذ فجر الإسلام، ولا يجوز التفريط أو التساهل في إعادتها إلى عقر دار المسلمين.
2


الأحد، 3 فبراير 2013



إندونيسيا


إندونيسيا أرخبيل واسع يتكون من ثلاث عشرة ألف جزيرة، ويمتد لمسافة خمسة آلاف كيلو متر بين المحيطين الهندي والهادي [من الغرب إلى الشرق]، كما يمتد لمسافة ألفي كيلو متر من الشمال إلى الجنوب.
وتعتبر إندونيسيا أراضي عشرية كأرض جزيرة العرب كونها أسلم أهلها عليها دون فتح أوقتال، وهي غنية جداً بالثروات المتنوعة والنفط والمعادن والتوابل والمحاصيل الزراعية المختلفة.
وتبلغ مساحة إندونيسيا 1.8 مليون كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها مائتين وثلاثون مليون نسمة، وهي رابع دولة في العالم من حيث عدد السكان وأكبر دولة في العالم الإسلامي، والمسلمون في اندونيسيا يُشكلون حوالي 90 % من سكانها، ويقطن حوالي حوالي45 % منهم في جزيرة جاوا وحدها. وأما غير المسلمين في إندونيسيا فلا تتجاوز نسبتهم العشرة بالمائة منهم 7% من النصارى وَ 2% من الهندوس وَ 1% من البوذيين.
دخل الإسلام إندونيسيا عن طريق التجار المسلمين، وكان سكان إقليم آتشيه الموجود في شمال غرب جزيرة سومطرة هم أول من دخلوا في الإسلام في تلك المنطقة وذلك في القرن الخامس للهجرة، وكان جيهان شاه أول سلطان مسلم يحكم هناك في العام 602هـ.
زار الرحالة المسلم الشهير ابن بطوطة سومطرة في العام 746هـ وسجل ملاحظاته عن أحد سلاطينها آنذاك فقال: "هو السلطان الملك الظاهر من فُضلاء الملوك، شافعي المذهب، محب للفقهاء، يحضرون مجلسه للقراءة والمذاكرة، وهو كثير الغزو والجهاد، ومتواضع، وأهل بلاده شافعية محبون للجهاد يخرجون معه تطوعاً، وهم غالبون على من يليهم من الكفار، والكفار يعطون الجزية ...".
وبينما اعتبر إقليم آتشيه من جهة نقطة ارتكاز للدعوة الإسلامية وموضع تجمع حجاج المنطقة للانطلاق إلى مكة المكرمة لدرجة أن عاصمة الإقليم باندا آتشيه تعني المدخل إلى مكة، اعتبر من جهة ثانية موطئ قدم اتخذ للغزاة الصليبيين الأوروبيين – وذلك لأهمية موقع هذا الاقليم الجغرافية كونه يُشرف على إقليم ملقا - فقد احتل البرتغاليون في العام 917هـ مضيق مالاقا، وسيطروا على إقليم آتشه الواقع في شمالي جزيرة سومطرة، وواجهوا مقاومة عنيفة ولم يفلحوا في السيطرة على الكثير من المناطق، وفي العام 1005هـ هُزم البرتغاليون على يد الهولنديين الذين نجح أسطولهم البحري في ذلك الوقت في بسط سيطرة الاستعمار الهولندي على ليس على الاقليم والمضيق وحسب ولكن على معظم أراضي إندونيسيا، ولكن جهاد المسلمين الإندونيسيين لم يتوقف للحظة، فقد قاد السلطان إبراهيم منصور شاه حرباً ضروساً ضد الهولنديين استمرت لمدة زادت عن الثلاثين عاماً منذ العام 1290هـ إلى العام 1322هـ وظهر من أبطال هذه الحرب القائد المشهور تنكو عمر.
وما أن هدأت الحرب قليلاً بفعل التفوق الاستعماري العسكري وبسبب عدم دعم العالم الإسلامي لمجاهدي إندونيسيا الذي تزامن مع سقوط الدولة العثمانية، حتى عادت المقاومة الإسلامية بثورات جديدة أقل حدة  استمرت حتى عام 1929م.
وفي الحرب العالمية الثانية احتلت اليابان إندونيسيا وطردت الهولنديين منها، ولكنهم سرعان ما عادوا إليها بعد هزيمة اليابان في نهاية الحرب.
وتحت وطأة الضغوط الأمريكية على الهولنديين وعلى المستعمرين القدامى كالانجليز والفرنسيين أعلنت إندونيسيا استقلالها في العام 1945م، وفي العام 1947م اعترفت هولندا رسمياً باستقلال البلاد، وابتليت إندونيسيا بعد الحقبة الاستعمارية الهولندية بحكام من جلدة أهل البلاد ولكنهم عملاء لأمريكا ومعادين بشدة للإسلام وتجلى هذا العداء بوضوح سافر بشكل خاص في ظل حكم سوكارنو وسوهارتو.
الحركات الانفصالية في إندونيسيا:
 
أولاً:  تيمور الشرقية:  استوطنها البرتغاليون في القرن السادس عشر الميلادي وظلت تحت حكمهم لمدة أربعة قرون، وتقع تيمور الشرقية على بعد 2500 كيلو متر إلى الشرق من العاصمة جاكارتا، وعندما انسحبت منها البرتغال في العام 1976م ضمتها إندونيسيا إليها برضا وسكوت من أمريكا كون الدكتاتور سوهارتو آنذاك كان يخدم الأمريكان ويقضي على النفوذ الشيوعي المنافس لها في المنطقة، ولكن وبعد انتهاء الشيوعية وسقوط الاتحاد السوفياتي شجّعت أمريكا ومعها الدول الغربية الرئيسية سكان الإقليم على المطالبة بالانفصال وذلك بعد أن فقد نظام سوهارتو أهميته بالنسبة لأمريكا، فخرجت المظاهرات العارمة إلى الشوارع في العام 1998م تطالب بإجراء استفتاء لتقرير المصير حول انفصال تيمور الشرقية عن اندونيسيا ، وتسببت أمريكا باندلاع أزمة اقتصادية خانقة لإندونيسيا اضطرت الحكومة معها إلى توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 43 مليار دولار، كما اضطرت إلى إيقاف مشروعات الدولة الكبرى في التصنيع الحربي وبناء الطائرات، واستغلت أمريكا ذلك الضعف الذي لحق بإندونيسيا وممارسة مزيد من الضغوط عليها، وهو ما أدّى بالتالي إلى إسقاط سوهارتو، وإلى موافقة خلفه الرئيس الجديد يوسف حبيبي في 28/4/1999م على تحديد موعد لإجراء الاستفتاء على استقلال تيمور الشرقية.
وأجرى الاستفتاء في تيمور الشرقية بالفعل في شهر آب من نفس العام، وكتشجيع لها على المضي في الاستفتاء وافق البنك الدولي للإنشاء والتعمير على تقديم قرض لإندونيسيا بقيمة 600 مليون دولار، ثم أعلن الاستقلال في حضور دولي أممي مهيب وأُطلق على تيمور الشرقية تيمور ألورا ساي لقطع كل جذورها الحضارية التاريخية مع اندونيسيا.
وبُعيد الاستقلال مباشرة قطع النظام الجديد في تيمور الشرقية جميع صلاته بإندونيسيا، وتم اعتماد اللغة البرتغالية كلغة رسمية للبلاد بدلاً من العملة الاندونيسية، كما تم اعتماد الدولار الأمريكي كعملة رسمية، وعومل المسلمون كأقلية منبوذة وتم إقصاؤهم عن أي تأثير في الدولة بصورة متعمدة، فأغلقت معظم مساجدهم، وصودرت الكثير من أملاكهم، وتعرضوا لعدة مذابح، وهو ما أدى بالتالي إلى تهجير معظمهم إلى الشطر الغربي من الجزيرة التي تخضع لإندونيسيا.
إنه وإن كانت تيمور الشرقية من الصغر بحيث لا يزيد تعداد سكانها عن الثمانمائة ألف نسمة ولا تزيد مساحتها عن ألـ 14 ألف كيلو متر مربع إلا أن نيلها الانفصال والاستقلال عن إندونيسيا يعني أن الغرب الصليبي الحاقد نجح في زرع جسماً غريباً [إسرائيل جديدة] في جنب هذا البلد الإسلامي الكبير المترامي الأطراف، كما فتح المجال لعدة أقاليم تُطالب بالانفصال.
ثانياً:  إقليم آتشيه:  يقع هذا الإقليم كما ذكرنا آنفاً في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة سومطرا، ويبلغ عدد سكانه قرابة الخمس ملايين نسمة جميعهم من المسلمين الذين يعتزون بهويتهم الإسلامية ويصرون على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية.
مُنح الإقليم في العام 1945م حكماً ذاتياً من قبل سوكارنو لكن الحكومة الإندونيسية عادت بعد ذلك وقمعت السكان وفرضت عليهم الأفكار العلمانية الصارمة تحت اسم مبادئ البانتشا سيللا الخمسة وهي: 1- الربانية.  2- الإنسانية.  3- الوحدة.  4- العدالة.  5- الشورى. وحاربت الإسلام تحت اسم هذه الشعارات الغامضة الفضفاضة حرباً شعواء، واحتكرت ثروات الإقليم خاصة النفط والغاز والمحاصيل الزراعية كجوز الهند والبن، وارتكبت المذابح وانتشرت المقابر الجماعية.
ساهمت هذه السياسات القمعية للدولة ضد سكان آتشيه إلى نشؤ حركة تحرير آتشيه في العام 1976م ومطالبتها بالانفصال عن إندونيسيا، واستمرت المواجهات والاضطرابات بين الطرفين إلى أن مُنح الإقليم ثانية في العام 2000م حكم ذاتي موسع يُسمح للسكان فيه بتطبيق جزئي للشريعة، ويُعاد تقسيم الثروة في الإقليم من جديد بما يساهم في تنمية الإقليم ورفع المستوى الاقتصادي للمواطنين.
لكن المشكلة لم تُحل جذرياً بل انها كرّست وجود تفرقة دائمة بين العرقيتين، قد تؤدي الى إنفجار في أي وقت لأنها لم تُحل على أساس اسلامي.
ثالثاً:  جزر الملوك وأمبون:  سيطر الاستعمار الهولندي في العام 1602ميلادي على جزر الملوك الواقعة شرق جزيرة بورينو وشمال شرق جزيرة جاوا. وتعتبر جزيرة الملوك في الأساس جزيرة للتوابل، وتقع في الجزء الجنوبي منها منطقة أمبون الغنية بالقرنفل، وتصارع عليها قديماً البريطانيون والهولنديون والبرتغاليون، ولكن الهولنديون تمكنوا من السيطرة عليها نهائياً في العام 1814م، وتبنوا سياسة تهجير منهجية للسكان النصارى إلى جزر الملوك ليشكلوا اليوم حوالي 40% من سكانها فيما يبلغ تعداد المسلمين فيها حوالي 56% من السكان البالغ عددهم هذه الأيام مليونان.
لم يكتف الهولنديون بجلب النصارى إلى جزر الملوك بل وإنهم مكنوهم أيضاً من الوظائف الحكومية في الدولة، واهتموا بتعليمهم وبرفع مستواهم وبجعل الكنيسة قاعدة أساسية في تجميعهم وتوحيدهم ضد المسلمين. وأثمرت هذه السياسة فيما بعد عن مطالبتهم بالانفصال بحجة أنهم معرضون للتهديد من المسلمين.
واستمرت الحكومات الإندونيسية المتعاقبة في الحفاظ على الامتيازات التي منحها لهم الاستعمار الهولندي السابق للنصارى في جزر الملوك وهو ما أدّى إلى وقوع صدامات شبه دائمة بين المسلمين والنصارى في تلك الجزر.
وفي العام 2000م ارتكب النصارى مذابح ضد المسلمين سقط ضحيتها أربعة آلاف قتيل من المسلمين وهو الأمر الذي اضطر المسلمين للتسلح والانتقال من جاوا إلى الجزر للدفاع عن إخوانهم المستضعفين هناك، بينما ما زالت الحكومة تقف إلى جانب النصارى فيها.
واستغل النصارى وصول آلاف المسلحين المسلمين من جاوا للقتال إلى جانب اخوانهم في جزيرة الملوك فطالبوا وعلى لسان أسقفهم في أمبون الموسينيور مانداجي بتدخل مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان للمساعدة في الحفاظ على حقوق النصارى في أمبون وجزر الملوك.
وهكذا صنعت السياسات الحكومية العقيمة والمنحازة الى جانب النصارى حالة جديدة من الانفصال في البلاد.
رابعاً:  أريان جايا:  يقع إقليم أريان جايا في النصف الغربي من جزيرة غينيا الجديدة كبرى الجزر الاستوائية في العالم، تم ضمها إلى إندونيسيا في العام 1963م بعد مفاوضات شاقة وطويلة مع الاستعمار الهولندي، وهذا الاقليم لا يصلح لإقامة دولة فيه، فلا يوجد فيه عدد كبير من السكان، ولولا أطماع الدول الاستعمارية في ثرواته، ومحاولة تقطيع أوصال إندونيسيا لإضعاف المسلمين في كل مكان لما وجد من السكان في أريان جايا من يطالب بالانفصال، وتوجد في 90 % من أراضي الاقليم الغابات الاستوائية.
أما بابوا غينيا الجديدة فهي الجزء الشرقي من جزيرة غينيا الجديدة المجاورة لأريان جايا فهي دولة مستقلة ولا تُعتبر أراضٍ إندونيسية، وكانت تخضع لأستراليا حتى العام 1975م وهو العام الذي مُنحت فيه الاستقلال.
وهناك أقاليم أخرى أقل أهمية تُطالب بالانفصال عن إندونيسيا بسبب السياسات الفاشلة التي تتبعها الحكومات الاندونيسية المتعاقبة ولكنها أقل أهمية من الاقاليم الأربعة المذكورة.
إن رؤية الاسلام التي يتبناها حزب التحرير في حل مثل هذه المشاكل الموجودة في اندونيسيا تفرض على جميع الأقاليم في الدولةالانصهار في ظل نظام الحكم الاسلامي الذي يُطبّق فيه الخليفة ( رئيس الدولة ) الأحكام الشرعية المستنبطة من كتاب الله وسنة رسوله على جميع رعايا الدولة فلا يُميز بين ولاية وولاية، ويكون الجميع متساوون في الحقوق التي يستحقها كل من يحمل التابعية للدولة الاسلامية بغض النظر عن عرقه ودينه، فالنظام السياسي في الاسلام هو نظام وحدة لا نظام اتحاد، ولا يوجد فيه مناطق حكم ذاتي ولا قوانين مختلفة في أي إقليم عن سائر الأقاليم الأخرى، فالذي يُطبق في عاصمة الدولة من قوانين يُطبق في سائر ولاياتها بلا أي تغيير، ولا يوجد أي تمييز أو تفرقة بين ولاية وولاية في التطبيق، وإنه وإن كانت الادارة في الدولة الاسلامية غير مركزية، إلاّ أن ذلك لا يؤثر بتاتاً على وحدة الدولة وتماسكها، ولا على انصهار جميع الاثنيات في بوتقة الاسلام انصهاراً تاماً، وذلك لأن الحكم في الدولة مركزي بيد الخليفة وليس مقسماً بين الأقاليم، ولأنه قائم على أساس واحد قوي وصلب وهو قاعدة العقيدة الاسلامية التي لا يجوز أن يختلف عليها اثنان.