الأحد، 25 نوفمبر 2012




المساعدات الأجنبية تُثقل كاهل البلدان الفقيرة
وتبقيها دولاً تابعة ذليلة فقيرة


ليس غريباً أن المساعدات الأجنبية التي تقدمها الدول الاستعمارية للبلدان المسماة دولاً نامية لم تتوقف ومنذ أكثر من خمسين عاماً تحت أي ظرف من الظروف، فبالرغم من مرور الكثير من الدول المقدِّمة للمساعدات بظروف اقتصادية صعبة، وبالرغم من تفاقم أوضاعها الاقتصادية وتدهور حالتها المالية ووقوعها في براثن المديونية والبطالة والركود، بالرغم من ذلك كله إلا أنها لم توقف تقديم هذه المساعدات للدول الفقيرة ولو لمرة واحدة، بل إنها لم تفكر قط بإيقافها.
تقول منظمة (أكشن وايد) في أحد تقاريرها: "إن هذه المساعدات ليست إلا نوع من السراب لأن النسبة الكبرى من هذه المساعدات تعود بشكل غير مباشر للدول المتبرعة ولا تسهم بفاعلية في معالجة أزمات الدول الفقيرة والأكثر فقراً"، وتضيف في تقريرها: "إن نسبة كبيرة من الأموال التي تقدم على شكل معونات إنسانية ومساعدات تنموية تعود للدول المتبرعة من خلال الاتفاقيات التي تربط بين دفع المعونات وبيع سلع وخدمات من الجهات المتبرعة"، ويحدد التقرير على سبيل المثال أن: "عشر سنتات فقط من كل دولار تدفعه واشنطن كمساعدات فيما ينفق الباقي في إطار عقود جلب المنتجات الأمريكية والمستشارين والفنيين الأمريكيين".
لذلك لم يكن غريباً أننا نجد دولاً في أفريقيا وآسيا كانت قبل المساعدات أفضل حالاً مما عليه اليوم، فالعلاقة بين المساعدات الأجنبية والفقر أصبحت علاقة طردية، فكلما زادت المساعدات زاد الفقر والعكس صحيح.
هذا من حيث المساعدات بوصفها مساعدات، أما من حيث نوعية تلك المساعدات فكثير منها من النوعيات الرديئة، وبعضها لا تصلح للاستخدام لا سيما الأغذية منها. يقول (جراهام هانكوك) في كتابه [سادة الفقر]: "إن الغذاء المقدم من المجموعة الأوروبية كهدية عادة ما تصحبه كثير من الشكاوى من المستفيدين بناء على قول عضو البرلمان الأوروبي ريتشارد بالف الذي قال: "إنه من غير المقبول بتاتاً أن نقوم بتصدير غذاء لا نأكله نحن بأنفسنا"ويضيف هانكوك في موضع آخر من كتابه:"في أعقاب انتشار الإشعاع الصادر عن حادث تشرنوبل في روسيا عام 1986م تحولت كميات من الأغذية الملوثة والتي تعتبر غير قانونية في أوروبا إلى شحنات إغاثة، وقد تم إغلاق مصنع أغذية في البحر الأحمر بعد أن استخدم دقيقاً إيطالياً من قمح يوناني ملوث بالإشعاع"".
والحقيقة أن الدول الغربية تريد أن تتخلص من فوائضها من الأطعمة من أجل إحداث التوازن بين العرض والطلب، ولما أصبح تخزين هذه الأطعمة يكلف هذه الدول ملايين الدولارات فقد قررت هذه الدول أن تصدر فائضها من الأغذية إلى الدول الفقيرة تحت مسمى المساعدات الدولية.
فما تدفعه هذه الدول بالشمال تأخذه باليمين من الدول الفقيرة، وعلى سبيل المثال فإن قانوناً أمريكياً ينص على أن تكون 80% من وسائل الشحن والنقل التي تحمل المساعدات أمريكية، وهو ما يعني أن الدول الفقيرة ستدفع من أربع إلى خمس مرات ضعف السعر الذي ستدفعه لو نقلت تلك المساعدات على متن سفن غير أمريكية، وبذلك يستفيد من هذا القانون المزارعين وتجار الحبوب وأصحاب سفن الشحن الأمريكية.
هذا بالنسبة للمساعدات التي تسمى إنسانية وهي المتعلقة بالأغذية والمطعومات وما شاكلها، أما المساعدات الأخرى فهي إما أن تكون مساعدات مقدمة لمنظمات المجتمع المدني أو مقدمة للدول بشكل مباشر.
أما المساعدات المقدمة لمؤسسات المجتمع المدني فعادة ما يتم توجيهها مباشرة من قبل أجهزة المخابرات الأجنبية، وقد اعترف مسؤولون أمريكيون وبكل غطرسة واستفزاز بأن الحكومة الأمريكية قد موّلت جمعيات ومنظمات أهلية مصرية بمبلغ 105 ملايين دولار خلال فترة 7 أشهر فقط بعد رحيل مبارك، فقد تزايدت المنظمات الداعمة للديمقراطية بعد سقوط مبارك فقامت أمريكا على سبيل المثال بزيادة التمويل المخصص للمعهد الديمقراطي من مئات الآلاف من الدولارات إلى 7 ملايين دولار في العام، وارتفع عدد موظفي المعهد في القاهرة من مكتب صغير يضم اثنين من العاملين الدوليين إلى 3 مكاتب يعمل بها 12 من النشطاء الدوليين إضافة إلى 50 مصرياً.
وذكرت جريدة الأهرام أن الوكالة الأمريكية للتنمية موّلت نحو 76 منظمة غير حكومية بتمويل قدره 87,5 مليون دولار في الفترة من عام 2005 حتى نهاية السنة الماضية.
وقالت جريدة الشرق الأوسط إن التحقيقات القضائية في قضية التمويل الأجنبي غير المشروع لعدد من منظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية كشفت عن: "أن الولايات المتحدة قامت بتقديم حجم هائل من التمويل لمنظمات مصرية وأمريكية تعمل على أرض مصر في أعقاب ثورة 25يناير على نحو يفوق عدة مرات ما كانت تقدمه لتلك المنظمات قبل الثورة"، ومعظم المنظمات هذه لم تحصل على إذن من الحكومة المصرية وغير مسجلة، وكثير منها لم تعلم بها الوزارات الحكومية.
إن واقع هذه المنظمات هو أنها معدّة أصلاً لنشر الفكر الديمقراطي الغربي، وغزو المجتمع بالثقافة الغربية، إضافة إلى شراء الذمم وتربية العملاء والمضاربة على الدولة لتكوّن منها البدائل الجاهزة.
أما بالنسبة للمساعدات المقدمة إلى الدول فيغلب عليها الطابع العسكري والأمني، ومن أهم أهدافها الحفاظ على أمن أمريكا ودورها العالمي والدخول في أحلافها السياسية والعسكرية والاقتصادية. ولعل تقريراً أمريكياً تم نشره في أيار 2006 في الواشنطن ريبورت على شكل دراسة توضح فيه الأهداف الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، وتبين بشكل محدد ما هي المصالح الأمريكية التي تم خدمتها وتحقيقها تفصيلاً نتيجة لتقديم المساعدات المصرية ومن بينها:
1)  سماح مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية ومنحها تصريحات على وجه السرعة لـِ 861 بارجة أمريكية لعبور قناة السويس خلال الفترة من 2001 إلى 2005 وتوفيرها الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج.
2)  قيام مصر بتدريب 250 عنصراً في الشرطة العراقية وَ 25 دبلوماسياً عراقياً خلال عام 2004.
3)  أقامت مصر مستشفى عسكرياً وأرسلت أطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية الأمريكية في أفغانستان ما بين عامي 2003 وَ 2005 حيث تلقى أكثر من 1100 مصاباً الرعاية الصحية.
4)  أنفقت مصر حوالي 7,3 مليار دولار لشراء معدات عسكرية أمريكية من عام 1999 إلى العام 2005م.
مثل هذه التقارير الأمريكية تبين أن كل ما تقدمه أمريكا من مساعدات يعود كمنافع اقتصادية وسياسية وعسكرية وربما هذا يفسر سبب تمسك أمريكا بالمعونات المقدمة إلى مصر وبشكل خاص العسكرية منها، ففي حين انخفضت المعونات الأمريكية الاقتصادية لمصر من 815 مليون دولار عام 1998 إلى 775 مليون دولار عام 1999 ثم إلى 727 مليون دولار في عام 2000 ثم إلى 695 مليون دولار عام 2001 ثم إلى 655 مليون دولار في عام 2002 ثم إلى 615 مليون دولار عام 2003 بينما استمرت المعونات الأمريكية العسكرية كما هي عند مستوى 1,3 مليار دولار سنوياً.
وأكَّد هذا التمسك الأمريكي بتقديم المعونات العسكرية لمصر مؤخراً قائد هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الذي قال بكل صراحة: "إن قطع المساعدات من شأنه أن يبعد الأجيال القادمة من الضباط العسكريين المصريين عن الولايات المتحدة"، وذكر مميزات لهذه المعونات ذكر منها: حقوق التحليق في الأجواء المصرية وأولوية المرور في قناة السويس، وكان يوجه كلامه هذا إلى لجنة الاعتمادات في مجلس النواب الأمريكي محذراً فقال: "عندما نستخدم المال لنفصل أنفسنا عن شركاء سابقين لا يؤدي ذلك إلى نتيجة جيدة"، وأضاف ديمبسي: "يوجد ما بين 200 إلى 300 ضابط مصري يتلقون التدريب في المدارس العسكرية الأمريكية"، وأكَّد على أن: "الجيش الأمريكي سيستمر في البقاء على اتصال مع القادة المصريين وهم يقومون بالتغييرات التي يبغون تنفيذها".
وتحدَّث ديمبسي عن علاقة أمريكا بمصر وبالثورة المصرية في موقع آخر فقال: "أعتقد أنهم يقومون بكل الأمور ويضعونها في نصابها الصحيح والاختبار الحقيقي هو صياغة الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية وهذا هو السبب في أننا نريد البقاء على اتصال معهم ليس لفرض أي تأثير ولكن ببساطة لنكون شريكاً لهم ولمساعدتهم على فهم مسؤولياتهم الجديدة وهم يتوقعون هذا النوع من الشراكة معنا".
وباختصار فإن المساعدات الأمريكية للدول يقابلها مساندة أمريكا سياسياً في سياساتها العدوانية والدخول معها في تحالفات سرية وعلنية ورعاية المصالح الأمريكية المختلفة بشتى أشكالها بما فيها تغيير المناهج ومحاربة الإسلام والاعتراف (بإسرائيل) وضمان تفوقها العسكري في المنطقة وفتح الأسواق لمنتجاتها وتمكينها من الموارد النفطية والثروات المهمة واحتواء الأنظمة وجعلها منسجمة مع التوجهات الأمريكية بشكل أو بآخر.






 

السبت، 17 نوفمبر 2012

الفصل بين السلطات أساس النظام الديمقراطي


الفصل بين السلطات أساس النظام الديمقراطي

لا يوجد نظام حكم ديمقراطي في العالم يخلو من وجود ثلاث سلطات منفصلة عن بعضها البعض ولو نظرياً على الاقل. فقاعدة الفصل بين السلطات في الديمقراطية قاعدة أساسية في الحكم ولا يُسمى نظام الحكم بالديمقراطي إلا إذا وجدت مثل هذه القاعدة.
والمعنى السياسي لهذه القاعدة يقصد به أن لا يتم الجمع بين السلطات في يد شخص واحد أو هيئة واحدة وذلك لتفادي الحكم الاستبدادي على ما يرون، وهذا يقتضي أن يتم توزيع وظائف وسلطات الدولة العامة على عدة جهات مختلفة ليوجد التوازن فيما بينها فلا تطغى واحدة منها على الأخرى.
وأصل الفكرة في الغرب آتية منذ أيام الإغريق،  فأفلاطون يرى أنه لكي تنجح الدولة بالقيام بوظيفتها وتحقق أهدافها فيجب عليها أن تفصل أعمالها وتوزعها على عدة هيئات تباشر هذه الأعمال.
وبدأت الفكرة بالتبلور في بلاد الغرب على يد (جون لوك) والذي وضّحها في كتابه [الحكومة المدنية] الذي أصدره في العام 1690 فوضع أسس هذه النظرية وقسّم سلطات الدولة إلى سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة اتحادية، بحيث تكون السلطة التشريعية مختصة بسن القوانين، وتكون السلطة التنفيذية خاضعة للسلطة التشريعية مع ضرورة أن تنفصل كل منهما عن الأخرى بينما تكون السلطة الاتحادية هي المسؤولة عن الشؤون الخارجية كإعلان الحرب وإبرام المعاهدات.
وأضاف (لوك) سلطة أخرى سمّاها سلطة التاج وهي التي تحتفظ بمجموعة الامتيازات التي يختص بها الملك أو ما يُسمى بالتاج البريطاني.
لكن (جون لوك) منح الملك صلاحيات كبيرة منها السلطة القضائية ولم يمنح البرلمان إلا صلاحيات محدودة وبالتالي كانت نظرية الفصل بين السلطات عنده ناقصة وهي أقرب إلى أن تكون تمييزاً بين الوظائف أكثر منها فصلاً بين السلطات.
ثم تطورت هذه النظرية على يد (مونتسكيو) الذي قسّم وظائف الدولة إلى ثلاث: الوظيفة التشريعية وهي سلطة صنع القانون، والوظيفة التنفيذية وهي سلطة تنفيذه، والوظيفة القضائية وهي سلطة البت في الخلافات التي تنشا عن مخالفة أحكامه.
فوزع (مونتسكيو) وظائف الدولة إلى ثلاث سلطات بشكل واضح، وأكّد على ضرورة الفصل بين هذه السلطات الثلاث، فحرم الحاكم من سيطرته على السلطة القضائية وأعطى لكل سلطة الاستقلالية التامة عن الأخرى، ومنحها حق مراقبة السلطات الأخرى لمنع الاعتداء والتجاوز فيما بينها.
وهكذا تشكل النظام الديمقراطي على أساس هذه القاعدة التي كانت بمثابة جوهر النظام وعلة وجوده.
ثم ظهرت تيارات فكرية في نظام الحكم الديمقراطي اختلفت فيما بينها حول أساليب وآليات الفصل بين السلطات ولكنها لم تختلف على مبدأ الفصل نفسه، ثم وجد شكلان اساسيان لنظام الحكم القائم على قاعدة الفصل هذه وهما:
1-  الفصل المطلق ويغلب عليه النظام الرئاسي كما هو الحال في فرنسا وأمريكا.
2-  الفصل المرن ويغلب عليه النظام البرلماني كما هو الحال في بريطانيا.
وقد رأى المفكرون الغربيون أن قاعدة الفصل بين السلطات هي الضمانة الوحيدة لصيانة الحريات ومنع الاستبداد وإيجاد دولة سيادة القانون وضمان مراعاة المساواة بين المواطنين واحترام حرياتهم وحقوقهم. وقد تم تضمين هذه القاعدة ضمن قوانين الأمم المتحدة في إطار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وهكذا فُرضت هذه الفكرة على العالم، وأصبحت  قاعدة الفصل بين السلطات في الحكم فكرة عالمية وعرف عالمي يصعب على معظم الدول التخلي عنها، ولا يتم تجاوزها إلا إن وجد نظام فردي ديكتاتوري مستبد لا يأبه لارادة شعبه.
وبهذه الفكرة تم تضليل العالم بأنه لا يوجد أمامه أي خيار بعيداً عن فكرة الفصل بين السلطات إلا خيار الدكتاتورية والاستبداد، فكان على العالم ان يختار بين نمطين من الحكم لا ثالث لهما: امّا الفصل بين السلطات ضمن النظام الديمقراطي واما الجمع بين السلطات ضمن النظام الدكتاتوري ولا يوجد نظام غيرهما.
وبسبب غياب الدولة الإسلامية وتغييب نظام الحكم الإسلامي من الوجود، ونظراً لانحطاط العالم الإسلامي سياسياً فقد تقبل الكثير من المفكرين والفقهاء المسلمين فكرة الفصل بين السلطات، وراحوا يؤولون النصوص الشرعية بما يجعلها تتماشى مع هذه الفكرة، وزعم بعضهم أن الإسلام هو أول من دعا إليها، وأنّه طبّقها قبل الغرب بمئات السنين.
ولا يوجد اليوم أي نظام في العالم بما فيه العالم الإسلامي إلا ويلتزم بوجود السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية ويلتزم بضرورة الفصل بين هذه السلطات ولو نظرياً على اقل تقدير.
وقد شاهدنا مؤخراً بعد اندلاع الثورات العربية كيف تم إبراز الفصل بين هذه السلطات بشكل فعلي  وذلك كما حدث في مصر، عندما تمكن المجلس العسكري في مصر من استغلال السلطة القضائية المتمثلة في المحكمة الدستورية العليا وجعلها تقوم بدور كبير في الحياة السياسية فقامت بحل مجلس النواب المنتخب وقامت بإلغاء لجان دستورية منتخبة من المجلس. وكل ذلك جرى وفقاً لقاعدة الفصل بين السلطات واحترام صلاحيات تلك السلطات.
ومن ابرز مظاهر الفصل الردئء بين السلطات ما وقع في مصر من عجز الرئيس المصري محمد مرسي عن اقالة النائب المصري العام عبد المجيد محمود بالرغم من ان اقالته كانت على راس مطالب الثورة وبالرغم من انه مازال يدافع عن فلول النظام ويمنع من اجراء محاكمات عادلة لهم.
وفي الباكستان وجدنا أن السلطة القضائية قامت بتنحية رئيس الوزراء يوسف جيلاني، كما قامت من قبل بإسقاط رؤساء وزراء عديدين وتهدد الآن بإسقاط الرئيس نفسه.
إن قاعدة الفصل بين السلطات في اي نظام حكم توجد عدة قوى سياسية  داخل الدولة، وتتحول الدولة بموجبها إلى عدة دول متنافسة متناحرة متباغضة وهو الأمر الذي يضعفها ويهدد وجودها.
وقد استطاع الغرب بما اكتسبه من خبرة طويلة أن ينظم العلاقات بين تلك السلطات واستطاع أن يرسي نظاماً توافقياً إلى حد ما بين تلك السلطات.
ولكن دهاة الغرب من السياسيين ودهاقنته قاموا بايجاد مراكز قوى تتستر بالقانون وتتكون من تكتلات الأثرياء والشركات والعائلات الأرستقراطية العريقة فقامت بحشد قواها وجاءت بممثليها في السلطات الثلاث وتحكمت بالدولة،، وحقّقت أهدافها في السيطرة على السلطة والثروة باسم القانون.
أما في البلدان الإسلامية وبلدان العالم الفقيرة فقوى الجيش في الغالب هي التي تقوم بالتحكم في السلطات الثلاث مستعينة في ذلك بالقوى الاستعمارية الكبرى.
لا شك أن هذا النظام القائم على الفصل بين السلطات نظام فاسد يتناقض تماماً مع نظام الحكم الإسلامي. فهو يوجد الميوعة والتناقض في نظام الحكم لما فيه من ثغرات تستطيع بكل بساطة أن تتسلل القوى المختلفة من خلالها لتسيطر على الدولة بسهولة ويسر.
إن البديل الوحيد لهذا النظام الفاشل هو نظام الحكم الإسلامي الذي يمنح كل السلطات للخليفة المبايع من قبل الأمة فهو يجمعها كلها بيده ولا يوزعها بين القوى المتصارعة، فإذا ما ظهر في الخليفة عجز أو عيب في أدائه عزلته الأمة صاحبة السلطان وجاءت بآخر ينوب عنها في الحكم.
وبذلك تكون الدولة متجانسة لا يوجد فيها مراكز قوى تتنافس وتتشاحن وتتصارع على السلطة فيتمكن الانتهازيون والوصوليون وأصحاب الثروة والجاه من الوصول إلى الحكم تحت اسم تعددت السلطات والفصل فيما بينها.
فالسلطة في الإسلام واحدة، والحكم في الدولة الإسلامية مركزي وإن كانت الإدارة لا مركزية، والقائمون على أجهزة الدولة في الإسلام هم معاونون للخليفة في الحكم والإدارة وليسوا شركاء معه. فالحاكم واحد وهو الخليفة المبايع ولا يوجد من ينازعه الحكم. وبذلك تكون الدولة في الإسلام مستقرة ومنسجمة مع نفسها، وتكون قراراتها قوية، وإجراءاتها فعّالة. فلا انقسام ولا تشاحن فيما بين أجهزتها وتكويناتها.