الخميس، 24 يناير 2013

القدس من منظور إسلامي



القدس من منظور إسلامي

مقدمة :
    إن الرؤية الإسلامية لأي أمر من الأمور، أو مسألة من المسائل، تستند عادة إلى المفاهيم الشرعية المأخوذة من النصوص الشرعية ( الكتاب والسنة )، فالبحث في مسألة القدس - على سبيل المثال -  هو كالبحث في أي مسألة شرعية أخرى تحتاج إلى النظر في النصوص الشرعية ( الآيات والأحاديث الصحيحة ) والتوصل منها بالاستدلال الصحيح  إلى المعاني والأحكام الشرعية الخاصة بها.
   والنصوص الشرعية التي تناولت هذا الموضوع هي نفس النصوص التي عالجت موضوع المسجد الأقصى بما له من قدسية - سنأتي على ذكرها-، وهي ذات النصوص التي عالجت موضوع القدس أو بيت المقدس باعتبارها المدينة الحاضنة للمسجد الأقصى، ومن هنا كانت أهمية القدس بالدرجة الأولى في الإسلام مرتبطة بقدسية المكان ليس إلاّ.
 واضافة إلى ذلك هناك أهمية أخرى للقدس تتعلق بالرباط والجهاد كونها منطقة من مناطق الثغور المواجهة للأعداء، ولكنها في هذه الحالة لا تختلف من حيث الأهمية عن سائر الثغور الأخرى، بمعنى أن البحث في هذه الحالة لا علاقة له بموضوع القدسية وانما له علاقة بمفاهيم الجهاد.
العرض: إستقراء النصوص :
أولاً : الآيات القرآنية الكريمة

  1. قال تعالى : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ( 1 ) "الاسراء
    يقول
    ابن كثير في تفسيره القرآن العظيم:
    "يمجد تعالى نفسه ، ويعظم شأنه ، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه ، فلا إله غيره ( 
    الذي أسرى بعبده ) يعني محمدا ، صلوات الله وسلامه عليه ) ليلا  أي في جنح الليل من المسجد الحرام ) وهو مسجد مكة ( إلى المسجد الأقصى ) وهو بيت المقدس الذي هو إيلياء) ، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل". 
في هذه الآية الكريمة يُقرن الله سبحانه وتعالى بين المسجد الأقصى وبين المسجد الحرام في موضوع عقائدي وهو معجزة الإسراء، وهذا الاقتران يعني أن قدسية المسجدين واحدة، وأن حرمتهما واحدة، وانهما من ناحية عقائدية يعادلان في أهميتهما أهمية العقيدة نفسها، فدلالة الآية قطعية في اعتبار قدسية المكان وفي بركته.
وبناء على هذا الفهم لا يكون المسجد الأقصى وما حوله جزءاً لا يتجزأ من دار الاسلام وحسب، بل ويكون أيضاً جزءاً لا يتجزأ من عقيدة المسلم كونه تعلق بمعجزة الاسراء، وورد النص عليه في القرآن الكريم بالدلالة القطعية الثبوت القطعية الدلالة.

يقول عبد الله بن عبد المحسن التركي في تفسيره الميسر لهذه الآية:
"سيقول الجهال وضعاف العقول من اليهود وأمثالهم, في سخرية واعتراض: ما الذي صرف هؤلاء المسلمين عن قبلتهم التي كانوا يُصَلُّون إلى جهتها أول الإسلام;(وهي "بيت المقدس") قل لهم -أيها الرسول-: المشرق والمغرب وما بينهما ملك لله, فليست جهة من الجهات خارجة عن ملكه, يهدي مَن يشاء من عباده إلى طريق الهداية القويم. وفي هذا إشعار بأن الشأن كله لله في امتثال أوامره, فحيثما وَجَّهَنا تَوَجَّهْنا".وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) 
"وكما هديناكم -أيها المسلمون- إلى الطريق الصحيح في الدين, جعلناكم أمة خيارًا عدولا لتشهدوا على الأمم في الآخرة أن رسلهم بلَّغتهم رسالات ربهم, ويكون الرسول في الآخرة كذلك شهيدًا عليكم أنَّه بلَّغكم رسالة ربه. وما جعلنا -أيها الرسول- قبلة "بيت المقدس" التي كنت عليها, ثم صرفناك عنها إلى الكعبة بـ "مكة", إلا ليظهر ما علمناه في الأزل؛ علما يتعلق به الثواب والعقاب لنميز مَن يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت, ومَن هو ضعيف الإيمان فينقلب مرتدًا عن دينه لشكه ونفاقه. وإن هذه الحال التي هي تحول المسلم في صلاته من استقبال بيت المقدس إلى استقبال الكعبة لثقيلة شاقة إلا على الذين هداهم ومنّ عليهم بالإيمان والتقوى وما كان الله ليضيع إيمانكم به واتباعكم لرسوله, ويبطل صلاتكم إلى القبلة السابقة. إنه سبحانه وتعالى بالناس لرءوف رحيم".قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) 
"قد نرى تحوُّل وجهك -أيها الرسول- في جهة السماء, مرة بعد مرة; انتظارًا لنزول الوحي إليك في شأن القبلة, فلنصرفنك عن "بيت المقدس" إلى قبلة تحبها وترضاها, وهي وجهة المسجد الحرام بـ "مكة", فولِّ وجهك إليها. وفي أي مكان كنتم -أيها المسلمون- وأردتم الصلاة فتوجهوا نحو المسجد الحرام. وإن الذين أعطاهم الله علم الكتاب من اليهود والنصارى لَيعلمون أن تحويلك إلى الكعبة هو الحق الثابت في كتبهم. وما الله بغافل عما يعمل هؤلاء المعترضون المشككون, وسيجازيهم على ذلك".وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) 
"ولئن جئت -أيها الرسول- الذين أُعطوا التوراة والإنجيل بكل حجة وبرهان على أن توجُّهك إلى الكعبة في الصلاة هو الحق من عند الله, ما تبعوا قبلتك عنادًا واستكبارًا, وما أنت بتابع قبلتهم مرة أخرى, وما بعضهم بتابع قبلة بعض. ولئن اتبعت أهواءهم في شأن القبلة وغيرها بعد ما جاءك من العلم بأنك على الحق وهم على الباطل, إنك حينئذ لمن الظالمين لأنفسهم. وهذا خطاب لجميع الأمة وهو تهديد ووعيد لمن يتبع أهواء المخالفين لشريعة الإسلام". – انتهى الاقتباس -
تُفيد هذه النصوص القرآنية بالدلالة القطعية أنّ المسجد الأقصى كان قبلة المسلمين الأولى، كما كان قبلة بني اسرائيل من قبل، وهو ما يؤكد أهميته في عقيدة المسلمين وعبادتهم على حد سواء. وهذه الآيات وحدها دليل قاطع على اعتبار مدينة القدس واحدة من ثلاث مدن يُقدسها المسلمون كونها تحوي في جنباتها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ولهذا كان من الاستحالة على أي مسلم مهما كان وضيعاً أن يُجاهر بالتفريط بها، أو بالتنازل عن شبر منها، لأنّ الدفاع عنها هو دفاع عن العقيدة الاسلامية نفسها، والموت في سبيل الذود عنها هو موت من أجل الذود عن الاسلام نفسه.
ثانياً: الأحاديث النبوية الشريفة
1 –  قال رسول الله صلى الله عيه وسلم:"  لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومسجد الأقصى" .
الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1189
خلاصة حكم المحدث: [صحيح
الحكم الشرعي المستفاد من هذا الحديث هو حصر شد الرحال في هذه المساجد الثلاثة فقط، وحرمة شد الرحال إلى غيرها، وهو ما يعني اعطائها ميزة تكريمية إلى يوم القيامة تجعل الأجيال المتعاقبة من المسلمين ترنو إليها وتسعى قصداً إليها دون غيرها.
2 - قلت : يا رسول الله ، أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال : ( المسجد الحرام ) . قال : قلت : ثم أي ؟ قال : ( المسجد الأقصى ) . قلت : كم كان بينهما ؟ قال : ( أربعون سنة ، ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصله ، فإن الفضل فيه.
الراوي: أبو ذر الغفاري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3366
خلاصة حكم المحدث: [صحيح
يُستفاد من هذا الحديث أن المسجد الأقصى هو ثاني مسجد بني في الأرض، ومن هنا أصبح يقٌال عنه ثاني المسجدين، إلى جانب قولنا أولى القبلتين وثالث الحرمين وفي هذا تشريف إضافي من الله سبحانه وتعالى لهذا المسجد.
3 - وعن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس فقال أرض المنشر والمحشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه قالت أرأيت من لم يطقْ أن يتحمل إليه أو يأتيه؟ قال فليهد إليه زيتاً يسرج فيه فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه (رواه أحمد 6/463 وابن ماجه 1/429).
لهذا الحديث ثلاث دلالات : الأولى تكريم أرض بيت المقدس من دون سواها من الأرضين بأنها أرض المحشر والمنشر. والثانية مضاعفة ثواب من يُصلي في الأقصى بألف ضعف. والثالثة: اعتبار من يهدي للأقصى شيئاً كمن صلّى فيه شريطة أن يكون عاجزاً عن الوصول إليه.
4 -  روى الإمام أحمد عن معقل بن أبي معقل الأسدي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط 4/210.
يُفيد هذا الحديث وجوب تنزيه القبلتين وهما الكعبة والمسجد الأقصى عن استقبالهما أو استدبارهما عند قضاء الحاجة.
5- وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل 5/269 (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من البلاء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك قالوا يا رسول الله وأين هم قال في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
في هذا الحديث إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم عن وجود الطائفة المنصورة في بيت المقدس.
6 – قال صلّى الله عليه وسلم:" من أهلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر الله ما تقدم من ذنبه أو وجبت له الجنة ". رواه أبو داوود.
ودلالة هذا الحديث واضحة في تحقق مغفرة عظيمة لمن يبدأ شعائر الحج أو العمرة من بيت المقدس.
7-  وروى البزاز والطبراني من حديث أبي الدرداء رفعة الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة ،و الصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة " قال البزاز: إسناده حسن .
الدلالة هنا واضحة في مضاعفة أجر المسلم الذي يتقصد الصلاة في المسجد الأقصى.
8 - عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا: حكما يصادف حكمة، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه؛ إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة".
(أحمد والهيثمي).
يفيد هذا الحديث - بالإضافة إلى تكفير الذنوب لمن يُصلي فيه- أنّه كان مكاناً للعبادة في زمن نبي الله سليمان.
9 - عن ذي الأصابع رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: "إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا؟ قال: "عليك ببيت المقدس، فلعله ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذاك المسجد ويروحون".)أحمد  والهيثمي.(
في هذا الحديث دعوة صريحة من النبي محمد صلى الله عليه وسلم للمسلمين للسكن بالقدس.
10 - عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا أبا ذر كيف تصنع إن أخرجت من المدينة؟ قال: قلت إلى السعة والدعة، أنطلق حتى أكون من حمام مكة، قال: كيف تصنع إن أخرجت من مكة؟ قال: قلت إلى السعة والدعة إلى الشام والأرض المقدسة، قال: وكيف تصنع إن أخرجت من الشام؟ قال: قلت والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي".(أحمد والهيثمي).
لهذا الحديث دلالاتان وهما: أنّ الأصل في القدس أن تكون ملاذاً آمناً للمسلمين، والثانية أنّ بلاد الشام كلها كالقدس في هذا المعنى.
11 - عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم من خذلهم ظاهرين على الحق - إلى أن تقوم الساعة".
(أبو يعلى).
يدل هذا الحديث على أنّ دمشق والقدس مشتركتان في احتضانهما في زمن من الأزمان لمجموعة من المسلمين تُقاتل الأعداء رغم خذلان الناس لهم حتى انتهاء الحياة الدنيا.
12 - عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا نائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسـي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعـته بصري، فعمد به إلى الشـام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام".
(أحمد، والهيثمي).
التأكيد في هذا الحديث على أنّ القدس هنا جزء من بلاد الشام وأن تلك البلاد حاضنة للمؤمنين وقت المحن.
13 - عن أبي حوالة الأزدي رضي الله عنه قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على رأسي أو على هامتي ثم قال: "يا ابن حوالة: إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة، فقد دنت الزلازل والبلايا والأمور والعظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك".
(أحمد وأبو داود والحاكم).
يخبر هذا الحديث بأنّ دولة الخلافة الاسىلامية ستعود، وستكون بلاد الشام بما فيها القدس مستقراً لها، وأنّه بعد قيامها ستحدث الزلازل والابتلاءات والأمور العظيمة ومنها قرب قيام الساعة.
في هذا الحديث أخبار عن فتح المسلمين للقدس وعن حروب عظيمة ستقع بين المسلمين وبني الأصفر.
14 - عن أبي ذر رضي الله عنه قال : تذاكرنا - ونحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أم بيت المقدس؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً". أو قال: "خير له من الدنيا وما فيها".
(أخرجه الحاكم) وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني. ودلالته مرّ الحديث عن مثلها في حديث سابق.
15 - سمعت عمر يقول لكعب:" أين ترى أن أصلي؟ قال إن أخذت عني صليت خلف الصخرة وكانت القدس كلها بين يديك، فقال عمر: ضاهيت اليهودية، لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط ردائه وكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس".
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: ابن كثير - المصدر: البداية والنهاية - الصفحة أو الرقم: 7/60
خلاصة حكم المحدث: إسناده جيد.
 وفي رواية اخرى لنفس الحديث أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان بالجابية فذكر فتح بيت المقدس قال : فقال أبو سلمة فحدثني أبو سنان عن عبيد بن آدم قال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول لكعب : "أين ترى أن أصلي؟ فقال إن أخذت عني صليت خلف الصخرة فكانت القدس كلها بين يديك فقال عمر رضي الله عنه: ضاهيت اليهودية، لا، ولكن أصلي حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتقدم إلى القبلة فصلى، ثم جاء فبسط رداءه فكنس الكناسة في ردائه وكنس الناس".
الراوي: عبيد بن آدم و أبو مريم و أبو شعيب المحدث: أحمد شاكر - المصدر: مسند أحمد - الصفحة أو الرقم: 1/136
خلاصة حكم المحدث: إسناده حسن.
في هذه الأحاديث دلالة صريحة بأن الصخرة كانت قبلة لليهود، كما فيها دلالة بأن المسجد الأقصى عند فتحه من قبل المسلمين في عهد عمر رضي الله عنه،لم يكن مكان عبادة لا لليهود ولا لغيرهم، وكان مهملاً وغير صالح للعبادة، ويتبين ذلك من خلال استعراض فتح بيت المقدس في العام 15 للهجرة على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثالثاً: فتح بيت المقدس على يدي عمر بن الخطاب
"ذكره أبو جعفر بن جرير في هذه السنة عن رواية سيف بن عمر، وملخص ما ذكره هو وغيره: أن أبا عبيدة لما فرغ من دمشق كتب إلى أهل إيليا يدعوهم إلى الله وإلى الإسلام، أو يبذلون الجزية، أو يؤذنون بحرب، فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه، فركب إليهم في جنوده، واستخلف على دمشق سعيد بن زيد، ثم حاصر بيت المقدس وضيق عليهم حتى أجابوا إلى الصلح، بشرط أن يقدم إليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. فكتب إليه أبو عبيدة بذلك فاستشار عمر الناس في ذلك فأشار عثمان بن عفان بأن لا يركب إليهم ليكون أحقر لهم وأرغم لأنوفهم .وأشار علي بن أبي طالب بالمسير إليهم ليكون أخف وطأة على المسلمين في حصارهم بينهم، فهوي ما قال علي ولم يهو ما قال عثمان. وسار بالجيوش نحوهم واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب، وسار العباس بن عبد المطلب على مقدمته، فلما وصل إلى الشام تلقاه أبو عبيدة ورؤس الأمراء، كخالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، فترجل أبو عبيدة، وترجل عمر، فأشار أبو عبيدة ليقبل يد عمر، فهم عمر بتقبيل رجل أبي عبيدة، فكف أبو عبيدة فكف عمر.
ثم سار حتى صالح نصارى بيت المقدس، واشترط عليهم إجلاء الروم إلى ثلاث، ثم دخلها إذ دخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله  ليلة الإسراء. ويقال: إنه لبى حين دخل بيت المقدس، فصلى فيه تحية المسجد بمحراب داود، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد، فقرأ في الأولى بسورة ص، وسجد فيها والمسلمون معه، وفي الثانية بسورة بني إسرائيل، ثم جاء إلى الصخرة فاستدل على مكانها من كعب الأحبار، فأشار عليه كعب أن يجعل المسجد من ورائه، فقال: ضاهيت اليهودية، ثم جعل المسجد في قبلي بيت المقدس وهو العمري اليوم، ثم نقل التراب عن الصخرة في طرف ردائه وقبائة، ونقل المسلمون معه في ذلك وسخر أهل الأردن في نقل بقيتها، وقد كانت الروم جعلوا الصخرة مزبلة لأنها قبلة اليهود، حتى أن المرأة كانت ترسل خرقة حيضتها من داخل الحوز لتلقى في الصخرة، وذلك مكافأة لما كانت اليهود عاملت به القمامة وهي المكان الذي كانت اليهود صلبوا فيه المصلوب، فجعلوا يلقون على قبره القمامة فلأجل ذلك سمي ذلك الموضع القمامة، وانسحب هذا الاسم على الكنيسة التي بناها النصارى هنالك. وقد كان هرقل حين جاءه الكتاب النبوي وهو بإيلياء وعظ النصارى فيما كانوا قد بالغوا في إلقاء الكناسة على الصخرة حتى وصلت إلى محراب داود، قال لهم: إنكم لخليق أن تقتلوا على هذه الكناسة مما امتهنتم هذا المسجد كما قتلت بنو إسرائيل على دم يحيى بن زكريا، ثم أمروا بإزالتها، فشرعوا في ذلك فما أزالوا ثلثها حتى فتحها المسلمون، فأزالها عمر بن الخطاب، وقد استقصى هذا كله بأسانيده ومتونه الحافظ بهاء الدين بن الحافظ أبي القاسم بن عساكر في كتابه (المستقصى في فضائل المسجد الأقصى)".
وقد لخّص قصة فتح عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبيت المقدس زكريا عبد ربه في كتابه: - القدس.. تاريخها ومكانتها – بقوله:
 "في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه انتصر المسلمون في معركة أجنادين على الروم، وانهزم قائدهم (الأربطون) ولجأ إلى القدس، فتركه أبو عبيدة رضي الله عنه مؤقتاً وفتح معظم فلسطين، ثم استشار الخليفة الراشد بفتح القدس فأشار عليه فسار إليها وحاصرها أربعة أشهر، ودافع النصارى عن القدس دفاعاً شديداً، ولكنهم يئسوا أمام إصرار المسلمين وصلابتهم في القتال، ووافقوا على تسليم المدينة على أن يكون ذلك لعمر بن الخطاب نفسه. وفعلاً توجّه عمر إلى القدس واستلمها بنفسه من بطريركها الأكبر (صفرونيوس)، وشاهد عمر البطريرط يبكي، فقال له مواسياً: "لا تحزن هوّن عليك فالدنيا دواليك يوم لك ويوم عليك«. فقال صفرونيوس: »أظننتني بكيتُ لضياع الملك؟ والله ما لهذا بكيت، إنما بكيت لما أيقنت أن دولتكم على الدهر باقية ترقّ ولا تنقطع، فدولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة، وكنتُ أحسبها دولة فاتحين تمر ثم تنقرض مع السنين. وجمع عمر الجموع وخطب فيهم قائلاً: "يا أهل إيلياء لكم ما لنا وعليكم ما علينا"، وكتب لهم وثيقة الأمان والتي عرفت (بالعهدة العمرية)، ثم زار عمر كنيسة القيامة، كما طلب من البطريرك أن يدلّه عن مكان الصخرة، فوجده عبارة عن مكان للقمامة، فراح عمر ينظفها ويحمل الأوساخ بردائه، وفعل بقية المسلمين مثل ما فعل عمر حتى تم تنظيفها، وصلى عمر والمسلمون هناك وأقام المسلمون (مسجد عمر) وهو أساس المسجد الأقصى ويقع كامتداد للأقصى الحالي من الجهة الشرقية، وقد بُنِيَ من الخشب".
الخلاصة
بناء على ما تقدم من نصوص قرآنية كريمة وأحاديث نبوية شريفة وأفعال وإجماعات الصحابة الكرام رضوان الله عليهم فيما يتعلق بمدينة القدس يمكن تلخيص الرؤية الاسلامية للقدس بالنقاط التالية:
1 – لم تهتم النصوص الشرعية مطلقاً بماضي المدينة وتاريخها وبمن سكنها من الأقوام قبل مجيئ الاسلام، كما ولم تُراع ما يُسمّى اليوم بالحق التاريخي للشعوب التي استوطنتها، واعتبرت أن القدس أرض إسلامية خالصة منذ تم فتحها على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي أرض مباركة لتقديس الاسلام لها، ولا أهمية للجانب العرقي أو القومي أو الشعوبي في تقرير ملكيتها.
2  - نظر الاسلام للبلاد المفتوحة بما فيها القدس وفلسطين نظرة شرعية محضة لم تكن معروفة من قبل، وهي أن أية بلاد يفتحها الجيش الاسلامي تُعتبر أراض إسلامية خراجية لجميع المسلمين حق فيها، وهي ليست ملكاً للعرب أو الفلسطينيين أو غيرهم وانما هي ملك للأمة الاسلامية جمعاء.
3 - يُعامل الاسلام  المواطنين القاطنين في دار الاسلام من غير المسلمين بالعدل والاحسان معاملة أهل الذمة فلهم ما للمسلمين من حقوق وعليهم ما على المسلمين من واجبات شريطة دفع الجزية والخضوع لأحكام الشرع الاسلامي.
4 – بالنسبة للسكن في مدينة القدس بالذات يُمنع اليهود وفقاً للعهدة العمرية من السكن فيها، ولا يُسمح بوجود أي أثر لهم فيها سواء أكان دينياً أم دنيوياً.

وهذا هو نص العهدة العمرية الكامل كما ورد في تاريخ الطبري:
(( هــذا ما أعطى عبد الله عمـر أمـير المؤمـنيـن أهـل إيلياء من الأمان ، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم ، ولكنائسـهم وصلبانهم ، وسقيمها وبريئها ، وسائر ملتها ، أنه لا تسكن كنائسهم ، ولا تهدم ، ولا ينتقص منها ، ولا من حيزها ، ولا من صليبهم ، ولا من شيء من أموالهم ، ولا يكرهون على دينهم ، ولا يضار أحد منهم ، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود .وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن ، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص ، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنه ، ومن أقام منهم فهو آمن ، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية .ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبانهم فإنهم آمنون على أنفسهم ، وعلى بيعهم وصـلبانهم ، حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع إلى أهله ؛ فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصد حصادهم)) .
وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله ، وذمة رسوله ، وذمة الخلفاء ، وذمة المؤمنين ، إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية .. شهد على ذلك : خالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وكتب وحضر سنة خمس عشرة.
الطبري/ ابو جعفر بن جرير- " تاريخ الطبري " تاريخ الرسل والملوك – تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم – الجزء الثالث – دار المعارف بمصر – القاهرة 1960 ص 609.
5 – يُقرر الإسلام أنّ السيادة في القدس هي للمسلمين فقط، ويمنح حق العيش والتمتع بعدل الاسلام لجميع من يقطنها ما عدا اليهود، فالسيادة الاسلامية كل لا تتجزأ، وهي غير قابلة للمشاركة ولا المساومة.
6 – إنّ تغيير الواقع  في القدس كاحتلالها من قبل الانجليز في السابق أو اليهود حالياً لا يُغير من الأحكام الشرعية المتعلقة بها من وجهة النظر الاسلامية، وتبقى القدس أرضاً خراجية يجب تحريرها بالكامل، ولا قيمة لأية قرارات دولية أو أحكام غير شرعية يتداولها زعماء المسلمين حالياً.
المراجع:
1 – القرآن الكريم.
2 – تفسير ابن كثير.
3 – التفسير الميسر.
4 – صحيح البخاري.
5 – مسند ابن حنبل.
6 – سنن ابي داود والبزار والطبراني والحاكم والهيثمي وأبو يعلى.
7 – تاريخ الرسل والملوك للطبري.
8 – البداية والنهاية لابن كثير.
9 -  كتاب : القدس.. تاريخها ومكانتها لزكريا عبد ربه.
10-  كتاب (المستقصى في فضائل المسجد الأقصى) للحافظ بهاء الدين بن الحافظ أبي القاسم بن عساكر.










ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق