إنها أزمة حقيقية ولا شك، فوكالة (ستاندارد أند بورز) للتصنيف الائتماني تقول بأن اليونان صاحبة أسوأ سجل ائتماني مثقلة بالديون ولم يتبق لديها -بالرغم من حزم المساعدات التي قدمت لها- لم يتبق لديها ما يكفي من أموال للوفاء بتلك الديون. فاليونان ذلك البلد الصغير (8ملايين نسمة) تزيد ديونه عن (350) مليار يورو، بما يعادل 160% من إجمالي الناتج المحلي له، وبعجز في الميزانية بلغ 13،6%.
وأما إيطاليا فحجم الدين العام لها بلغ (2,59) تريليون دولار، أي ما يتجاوز 118% من ناتجها المحلي.
بينما وصل ديون الدول الأوروبية الخمسة الأساسية وهي: اليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا وإيرلندا إلى (3300) مليار يورو.لا شك انها (أرقام فلكية).
يقول الجهاز المركزي الأوروبي للإحصاء (اليوروستات): "إنه منذ اعتماد اليورو فإن حجم الديون يشكّل حقيقة المشكلة، وهو يرتفع في منطقة اليورو بشكل".
لقد ساعد اليورو كعملة أوروبية موحدة في خلق تلك الأزمة ومدّها بأسباب الحياة:
1) لأنّه السبب في انحدار معدلات الفائدة في دول أوروبا الجنوبية وهو ما شجع دولاً كإيطاليا واليونان على الاستدانة دون ضابط.
2) ولأنّه السبب في تجريد بلد كاليونان وغيرها من الخيارات التقليدية المستخدمة عادة في احتواء التضخم عبر خفض قيمة العملة.
وتقول دراسة (اليوروستات):
* لقد ارتفع معدل المتوسط للعجز بالدول الـ17 الأعضاء إلى 6,2 % العام الماضي.
* وزاد حجم الدين العام في المنطقة من 7,1 تريليون يورو عام 2009 إلى 7,8 تريليون يورو في عام 2010، ووصل في العام 2011 الى اكثر من 10،5 تريليون يورو .
* ان استمرارية الزيادة في حجم ديون دول المنطقة يقابلها ارتفاع في نسبة الديون بالنسبة للدخل المحلي العام من 79,8% إلى حوالي 100% في العام الماضي.
* إن هذه المستويات المرتفعة للديون وعجز الميزانيات بمنطقة اليورو يتجاوز بمراحل المستويات المسموح بها في اتفاقية (ماستريخت) لمعايير الوحدة الأوروبية التي لا تسمح بزيادة الحد الأقصى في عجز الميزانية لدول الاتحاد الأوروبي على 3% والدين العام على 60% من إجمالي الناتج المحلي.
والحقيقة إن مشكلة اليورو مشكلة مركبة، فهو من ناحية عملة ورقية غير مغطاة بالذهب والفضة وشأنها في ذلك شأن سائر العملات الورقية الأخرى، وهو من ناحية أخرى عملة لـِ17 دولة، ولا تستطيع هذه الدول أن تخفض سعره أو ترفع سعره إلا من خلال توافق بينها جميعها يصعب الحصول عليه.
فلو كان اليورو عملة لدولة واحدة لاستطاعت هذه الدولة التحكم والتلاعب به، لكنه لما كان عملة لـِ17 دولة غير متحدة فإنّه تحول إلى عبئ على جميع تلك الدول لكونه عملة جامدة غير مرنة تشترك فيه دول غنية ومصدرة بكثرة كألمانيا ودول أقرب إلى الدول النامية كاليونان.
ان علاقة الديون باليورو هي علاقة أشبه بالطردية، فكلما زاد الدين في دولة من الدول فإن اليورو يثبت ذلك الدين بل ويضاعفه، وبذلك انتقلت المشكلة من الديون إلى اليورو نفسه الذي أصبح جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من حلها.
أمّا أصل المشكلة فبدأت كعادة معظم الدول الرأسمالية بالاستدانة للاستمرار في العيش بمستوى أعلى من دخلها وقدرتها أملاً في تحسن الأوضاع الاقتصادية وسداد الدين في المستقبل، وقد توسعت الدول الأوروبية في الاقتراض في العقود الثلاثة الماضية، ولم تعبأ كثيراً بمستويات الدين السيادي الخطر متوقعة حصول تحسن اقتصادي، وما زاد العبء أكثر على تلك الدول هو نشوء أزمة 2008 عندما انفجرت الفقاعة العقارية في أمريكا وهبطت بعض أسعار الأسهم من 90 دولار إلى 1,5 دولار بعد انهيار (ليمان براذرز) وَ(سيتي غروب)، فقامت حكومات الدول بضخ كميات كبيرة من السيولة في البنوك لخوفها من انهيارها. وتوقعت تلك الدول أن تنفرج الأمور بعد فترة وجيزة فاقترضت، وأقرضت المصارف التي حصلت على الأموال ولكنها لم تقرض الشركات المنتجة والأفراد، فانكشف الاقتصاد، ولم يحصل الناس على التمويل للقيام بالنشاطات الاقتصادية والتجارية، وتراكمت الديون ولم تأت العوائد، فأصدرت الحكومات سندات لمعالجة المشكلة فحصل عليها المضاربة، ولضعف اقتصاديات هذه الدول ارتفعت الفوائد الربوية على تلك السندات فأحجم المستثمرون عن شرائها، فوقع الكساد وتعاظمت المديونية واقتربت من 100% من الناتج المحلي الإجمالي.
إن علاج الأوروبيين هذا للمشكلة من خلال ضخ الأموال لم يستفد منه الناس ولا الشركات الاستثمارية لإنتاج السلع الحقيقية، والذي استفاد منه هم فقط هم كبار مالكي الأسهم وأرباب المصارف الذين حافظوا على ملياراتهم وملايينهم كما هي، ولكنهم لم يساهموا في تنشيط الاقتصاد في بلدانهم.
فإنتاج إيطاليا مثلاً يمر الآن بمرحلة انحدار مروع، والحل الذي يقترحونه بشكل أو بآخر هو هيكلة الديون وبحزمة من الإصلاحات من مثل اجراءات كزيادة الضرائب المفروضة على ممتلكات الأثرياء، ورفع سن التقاعد ومكافحة التهرب وخصخصة مؤسسات تابعة للدولة وتحرير بعض الخدمات المحلية وتخفيض البيروقراطية الإدارية لمساعدة الشركات على النمو هي غير فعاّلة . فهكذا اصلاحات لا تحل المشكلة، وثبت عقمها. وهذه الهيكلة تتسبب في خسائر مالية كبيرة للمقرضين ولن تعيد لإيطاليا النمو والقدرة التنافسية.
ويبدو أنه لا يوجد حل آني لهذه المشكلة - من وجهة نظر رأسمالية - سوى بالخروج من أسر اليورو وتفكيك الدول المنضوية تحت لوائه، أو إقامة اتحاد مالي سياسي حقيقي للأوروبيين وهو أمر يصعب تطبيقه.
وقد أظهر ساركوزي ندماً على دخول اليونان لمنطقة اليورو فيقول: "إن دخول اليونان منطقة اليورو بالخطأ عام 2001 وأنها لم تكن جاهزة حينئذ وأنها انضمت إلى المنطقة ببيانات اقتصادية غير واضحة"، في حين قال برلسكوني ملقياً باللائمة على عملة اليورو: "إن العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) لم تقنع أحداً في إيطاليا فهي نقد غريب لأنه ينتمي للعديد من البلدان التي ليس لها سياسة موحدة ولا مصرف ضامن"
وبخصوص ايطاليا وهي من الدول الصناعية الكبرى يقول بعض الخبراء - وقولهم فيه شيء من الصحة - :"صحيح أن إيطاليا أكبر من أن تنهار ولكنها أيضاً أكبر من أن تنقذ"، فمشكلتها الجوهرية تتمثل في:
1) عجز ضخم في الميزان التجاري.
2) انعدام التنافسية.
3) تراجع في الدخل القومي الإجمالي.
4) ركود في إنتاجها الاقتصادي.
وعلقّ المستشار الاقتصادي للحكومة الفرنسية جان بيانس على مشكلة الديون بالقول: "إن أزمة الديون اليونانية تعمق القلق من تفكك منطقة اليورو"، وأضاف متناولاً المشكلة في عموم الدول الأوروبية قائلاً:" هناك ثلاثة مؤشرات تدعم هذه المخاوف:
1- ان المؤسسات المالية الأوروبية التي تتمتع بوضع مالي جيد أصبحت تفضل منذ تموز الماضي إيداع أموالها في البنك المركزي الأوروبي بدلاً من إقراضها للمصارف التجارية وهو عمل شبيه بما حدث في أزمة 2007، 2008م.
2- ان كون معدلات الفائدة التي تتقاضاها المصارف على الأموال التي تقدمها للمقترضين في دول جنوب أوروبا أعلى منها في نظيراتها بشمال القارة قد عمّق وعقّد أزمة تلك الاقتصاديات المأزومة، وزاد في تشظي السوق الأوروبية التي يفترض أنها موحدة.
3- ان المستثمرين الدوليين لم يعودوا ينظرون إلى السندات الحكومية في دول أوروبا الجنوبية بنفس الثقة التي يتعاملون بها مع السندات الحكومية في دول شمال القارة.
لقد لمح ساركوزي في خطاب ألقاه في مدينة ستراسبورغ الى تقسيم منطقة اليورو الى واحدة غنية واخرى فقيرة فقال: "إن أوروبا يجب أن تمشي وفقاً لسرعتين وهذا هو السبيل الوحيد للمضي قدماً لا سيما في ظل احتمال انضمام المزيد من الدول إلى الاتحاد الأوروبي".
إنّه نظراً لعمق الأزمة وفداحة الأضرار الناشئة عنها فقد استنجدت الدول الأوروبية بالصين نظراً لتمتعها باحتياطي كبير من النقد الأجنبي يبلغ 3,2 تريليون دولار فاتصل ساركوزي بهوجينتاو طالباً المساعدة فلم يستجب له فتساءل ساركوزي مستنكراً: "لماذا لا يثق الصينيون في منطقة اليورو ولا يودعوا حصة من فوائضهم في اعتماداتنا المالية أو مصارفنا، فهل يفضلون أن يودعوها فقط في الولايات المتحدة؟!"، علماً بأنّ الصين تمتلك من السندات الأمريكية حوالي 1،14تريليون دولار فضلاً عن ما يزيد عن تريليون دولار من الأسهم الأمريكية، وأمّا احتياطاتها من العملات الصعبة ففيها حوالي 3،2تريليون دولار أمريكي، اي ان مجموع ما تمتلكه الصين من دولارات في ودائعها يزيد عن خمسة تريليونات دولار.
وزار كلاوس ريفلينغ مدير الصندوق الأوروبي للاستقرار المالي الصين محاولاً إقناعها بالاستثمار في الصندوق في إطار خطة الإنقاذ الأوروبية، لكن الصين طلبت ثمنا باهظا لقاء ذلك وهو منحها صلاحيات كبيرة في صندوق النقد تقارب الصلاحيات الأمريكية، وطالبت الأوروبيين بوضع خطة عملية وواضحة لضخ الاستثمارات في صندوق الاستثمار الأوروبي.
قال رئيس مجلس إدارة الصندوق السيادي الصيني جين ليغون:"إذا ما نظرت إلى المشكلات التي تحدث في أوروبا فإنها ناجمة عن تراكم مشكلات مجتمع الرفاه المهترئ. قوانين العمل تحض على الكسل والخمول لا على العمل والجد".
واستنجدت أوروبا أيضاً بجميع القوى الكبرى الأخرى فرفضت أمريكا المساهمة بحجة أنها في وضع اقتصادي سيئ، وقد ذكرت أرقام الخزانة الأمريكية أن الولايات المتحدة سجّلت في منتصف اكتوبر الماضي 15.033تريليون دولار ديناً عاماً بعد أن كان في العام 2001 يبلغ 5.7 تريليون دولار فقط.
وتحدث المرشحان الجمهوريان في مناظرة بينهما أجريت في ميتشغان حول مسألة مساعدة أوروبا فقال ميت رومني: "إنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يعتني بنفسه وأن يتعاون أعضاؤه فيما بينهم وأن أمريكا ليس عليها التدخل لمحاولة إنقاذ البنوك والحكومات الأوروبية".
وأما هيرمان كين فقال: "إنه ليس أمام الولايات المتحدة الكثير لتقدمه لمساعدة إيطاليا لأنها تخطت نقطة العودة".
ورفضت بريطانيا كذلك المساهمة في صندوق الاستقرار الأوروبي فقال رئيس الوزراء كميرون بصراحة: "إن بريطانيا لن تسهم في صندوق الاستقرار المالي لمنطقة اليورو ولن تزيد مساهمتها لصندوق النقد ليقدم قروض إنقاذ لدول أوروبا المتعثرة". وقد حمّلت بريطانيا اليورو المسؤولية فقال وليم هيج وزير خارجيتها متشفياً:" اليورو سيصبح لحظة تاريخية للحماقة التاريخية"، وشبّه منطقة اليورو بِ: "مبنى يحترق من دون أبواب للخروج".
وتلكأت كل من روسيا والبرازيل والهند وغيرها من الدول الصاعدة عن المساعدة باستثناء مساعدات من قطر وبعض الدول الخليجية، فلم تقدم أي دولة أية مساعدات. والمساعدات القطرية والخليجية ليست ذات أهمية فمثلاً:
** ضخت قطر 500 مليون دولار في صفقة اندماج مصرفين يونانيين.
** وقامت شركة مساهمة مملوكة لقطر ستشتري بنك لوكسمبرغ بقيمة مليار يورو.
** وتجري مفاوضات بين مستثمرين يمثلون الأسرة الحاكمة في قطر لشراء ديكسيا في لوكسمبرغ.
** وصندوق الاستثمار القطري الذي يبلغ حجمه 70 مليار دولار استحوذ على حصص في عدة شركات اوروبية. ولكن هذه الاستثمارات المحدودة لا تكفي ولا تنفع في حل مشاكل تحتاج الى تريليونات الدولارات.
ولو أردنا أن نشخص المشكلة باختصار لقلنا ان تشخيص المشكلة يمكن تحديدها بالنقاط الست التالية:
(1) انّ انفصال الوحدة النقدية في منطقة اليورو عن الوحدة السياسية هو الذي أدّى إلى هذا الفشل الاقتصادي المحتوم وذلك لعدم وجود مرجعية واحدة وقيادة واحدة لسبع عشرة دولة.
(2) عدم وجود تجانس بين الدول المشتركة في منطقة اليورو حيث لا ينسجم وجود دول كاليونان والبرتغال وإيرلندا الأقرب إلى الدول النامية مع دول غنية كألمانية وفرنسا وهولندا وبلجيكا وهو ما حدا بالرئيس الفرنسي باقتراح وجود مسارين داخل منطقة اليورو نفسها بحيث يكون هناك مجموعتين تسيران بسرعتين مختلفتين.
(3) إن تركيز الحل على المعالجات النقدية لوحدها لا يكفي لمعالجة أصل المشكلة والتي هي في الأساس مشكلة سياسية واقتصادية وليس نقدية فحسب.
(4) إن أوروبا في الحقيقة تعيش بأعلى من مستواها فدخلها أقل بكثير من نفقاتها فهي لم تعترف بعد بتقدم قوى عالمية جديدة تزاحمها وتقتطع جزءاً كبيراً من حصتها العالمية كالصين والهند والبرازيل وغيرها.
(5) غياب الداعم الرئيسي التقليدي لأوروبا في هذه المشكلة وهو أمريكا وذلك بسبب معاناة الأخيرة من مشاكل اقتصادية حقيقية جعلها تنكفئ وتتراجع.
(6) إن المبدأ الرأسمالي بطبيعته لا يعالج المشاكل علاجاً جذرياً وإنما يكتفي فقط بالمسكنات.
تلك هي النقاط الحقيقية لتشخيص المشكلة الأوروبية الاقتصادية.
لا شك إن مستقبل منطقة اليورو محفوف بالمخاطر، وان خروج بعض الدول من المنطقة لعله يكون مسألة وقت لأن المشكلة قد خرجت عن السيطرة وهذا ما صرح به كثيرون، وضخ الأموال لم يعد حلاً شافياً، علاوة على أن المال قد نفد ولم يعد يكفي للدول المدينة، وبالذات إيطاليا ذات الاقتصاد الكبير في منطقة اليورو والتي بلغت كلفة ديونها أرقاماً قياسية لامست فائدة سندات خزينتها لأول مرة حاجز ألـ 7% وهو أعلى رقم تصل إليه كلفة الفائدة منذ طرح عملة اليورو في العام 1999م، وهو ما حدا بالمسؤولين أن يعترفوا "بأن لا أحد يود إقراض بلد عندما تستخدم تلك البلاد القرض لتسديد فوائد ديون قروض سابقة".
يقول رئيس إدارة الأصول الثابتة في بنك غولدمان ساكس الأمريكي جيم أونيل: "إن العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) في طريقها للتلاشي نتيجة لتفاقم الأزمة وعدم تمكن الجهود التي بذلها الأوروبيون خلال العامين الماضيين من التقليل من آثارها وتداعياتها"، ويعترف رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بقوله ان: "ما نمر به ما هو إلا مرحلة من أزمة عالمية" وهو ما يعني أن الأسوأ القادم لم يأت بعد.
وعلى سبيل المثال فديون إيطاليا البلغة 1,9 تريليون يورو وهو ما يعادل 120% من ناتجها الإجمالي المحلي وكان عليها توفير 30,5 مليار يورو في تشرين ثاني ( نوفمبر) الماضي وَ 22,5 مليار يورو في كانون أول (ديسمبر) الماضي للوفاء بالتزاماتها المالية، فمن يستطيع إعطائها هذه المبالغ وهي شبه مفلسة؟!! النظام المصرفي الأوروبي برمته سيلحقه التدمير إن فعل ذلك.
ولم تقتصر عدوى الديون والعجز على الدول الجنوبية للقارة الأوروبية بل انها تتهدد فرنسا نفسها فقال غريغ فوزيسي الاقتصادي ببنك جي بي مورغان تشيز في لندن:" إن أحدث الأرقام الصادرة عن اقتصادات منطقة اليورو تنبئ بدخول المنطقة في فترة من الركود وببدء الانكماش".
ورغم متانة الاقتصاد الفرنسي عند مقارنته باقتصادات دول اليورو المتعثرة كاليونان والبرتغال فإن عجز الميزانية العمومية الفرنسية يبلغ نحو 6% من إجمالي الدخل المحلي، كما أن البنوك الفرنسية تعد الأكثر تعرضا للديون في منطقة اليورو وهو ما يجعلها الأكثر خسارة جراء أزمة الديون السيادية الأوروبية.
وآخر ما توصلت إليه المانيا وفرنسا من حلول وعرضته على دول الاتحاد الاوروبي في مؤتمر بروكسل لم تساهم في حل المشكلة فاتفاق بروكسل يعطي مزيدا من السيطرة المركزية للمفوضية الاوروبية في فرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بسياسات التقشف للحد من الاسراف في الانفاق ولفرض المزيد من الضرائب، وهذه اجراءات لا تحل المشكلة.
وبسبب هذه المشكلة الخطيرة فقد بدأت الاستثمارات تهرب من أوروبا الى اماكن أخرى وبالذات إلى دول أمريكا اللاتينية وذكرت رويترز أنّ :"مليارات الدولارات بدأت تتدفق على أميركا اللاتينية كمقصد للاستثمار في خضم الأزمة الاقتصادية القائمة في أوروبا والولايات المتحدة. ونما الاستثمار الأجنبي المباشر في أميركا اللاتينية بنسبة 54% -وهو ما يوازي 82 مليار دولار- في النصف الأول من هذا العام. وتلقت البرازيل والمكسيك وتشيلي وكولومبيا 68 مليار دولار استثمارات في تلك الفترة".
ويقول دانييل تيتلمان رئيس وحدة دراسات التنمية في اللجنة الاقتصادية لشؤون أميركا اللاتينية والكاريبي التابعة للأمم المتحدة، إنه "ينظر إلى أميركا اللاتينية اليوم على أنها بديل جذاب للاستثمار الأجنبي المباشر، في ضوء ضعف الطلب بالدول المتقدمة".
والنتيجة كما يتوقعها مسؤولون وإعلاميون أوروبيون هي سوداوية مرعبة:
1- فرئيس المفوضية الأوروبية جوزيف مانويل باروسو يقول: "إن الاتحاد الأوروبي سيفقد مكانته الدولية إذا لم تتعاون دوله في مواجهة أزمة الديون السيادية التي تعصف بعدد من دول منطقة اليورو".
2- وأما مديرة صندوق النقد الدولي كريستسن لاغارد فقد حذرت في 9/11/2011م في منتدى بكين الدولي المالي قائلة: "إذا لم نتصرف بشكل جماعي فإن الاقتصاد العالمي سيكون عرضة إلى الغرق في مرحلة قلق وتشاؤم وعدم الاستقرار المالي"، وتضيف فتقول: "نشعر أننا إذا لم نتحرك على نحو فعال وجريء وجماعي فإن الاقتصاد العالمي سيكون أمام مخاطر انهيار الطلب العالمي بل يمكن أن نرى أنفسنا في مواجهة ما يصفه بعض المعلقين بالعقد الضائع".
3- بينما المستشارة إنجيلا ميركل اعترفت ببؤس الوضع الاقتصادي في اوروبا فقالت: "إن الوضع أصبح غير سار بشأن تفاقم الأزمة داعية إلى تسريع الخطط الكفيلة بالتكامل السياسي لمواجهة التحديات الناتجة عن تفاقم الأزمة الاقتصادية"، وأضافت: "إنّ أوروبا تعيش أصعب الأوقات منذ الحرب العالمية الثانية، وإذا فشل اليورو فإنّ اليورو سيفشل".
هذه هي حقيقة الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو كما عبّرت عنها القيادات الاوروبية الرئيسية أنفسها.