الأربعاء، 17 أبريل 2013

الموقف الدولي في مطلع العام الميلادي 2010



الموقف الدولي في مطلع العام الميلادي 2010


بالرغم من الضعف الاقتصادي الواضح الذي طرأ على الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة والذي انعكس على اهتزاز مركز الدولار في العالم، وهو ما أدّى إلى وجود محاولات جادة من بعض الدول للبحث عن بدائل أخرى بعيداً عن الدولار الأمريكي، وبالرغم من تفاقم العجز في الموازنة الحكومية وفي ميزان المدفوعات الأمريكيين، إلا أن الدور السياسي الأمريكي ما زال هو الدور الأفعل في العلاقات الدولية من غير منازع.
وباستعراض مناطق الصراع الرئيسية في العالم يظهر لنا عدم وجود الخصم المنافس لأمريكا في العلاقات الدولية، حيث أن غياب الدولة الكبرى الثانية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أوجد صعوبة حقيقية في حلول أي دولة أو مجموعة من دول مكان الاتحاد السوفياتي السابق، وبقي بالتالي مكان الدولة الثانية شاغراً طوال العقدين الأخيرين وهو الأمر الذي منح أمريكا مزية خاصةلم تحصل لغيرها أبداً في تاريخ العلاقات الدولية الطويل.
ففي أفغانستان وباكستان وبالرغم من ظهور بعض الخلافات على السطح بين أمريكا من جهة وبين بريطانيا وسائر دول حلف الناتو من جهة ثانية، إلا أن جميع دول الحلف وعلى رأسها بريطانيا قد أيّدت إستراتيجية أوباما الجديدة في أفغانستان، وحظيت تلك الإستراتيجية كذلك على تأييد صريح من روسيا، وهذا التأييد الجماعي لمجموعة هذه القوى الكبرى والفاعلة في مسألة أفغانستان يؤكد على استمرار هيمنة أمريكا واستمرار تحكمها في سائر المسائل الدولية المهمة الأخرى.
وقد أشارت صحيفة (ذي غاردن) (الجزيرة 1/12) إلى هذه الهيمنة من خلال إبراز مشاعر الامتعاظ لدى البريطانيين من التصرفات السياسية الأمريكية الأحادية في أفغانستان وقالت الصحيفة "إن الولايات المتحدة تسعى لتوسيع نطاق سيطرتها على إدارة أفغانستان عبر اقتراحها بتعيين (مندوب سام) يمثل المجتمع الدولي في كابول، في محاولة لتجاوز حكومة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي التي تواجه انتقادات حادة تتعلق بالفساد وعدم الكفاءة"، فبحجة الفساد وعدم الكفاءة تسعى أمريكا للتفرد بالملف الأفغاني.
وهاجمت الصحيفة المبعوث الأمريكي الخاص لأفغانستان ريتشارد هولبروك ووصفته بأنه "أحدث صدعاً بين واشنطن وأقرب حلفائها بحلف الأطلسي (الناتو) وهي بريطانيا التي تعتقد أن ذلك سيسهم في تقويض شرعية ودور الأمم المتحدة في البلاد".
ويتزامن اقتراح هولبروك هذا مع بدء إرسال آلاف الجنود الأمريكيين كما نصّت على ذلك استراتيجية أوباماالجديدة في أفغانستان. فمحاولة أمريكا تهميش دور حكومة كرازاي وتهميش دور الأمم المتحدة معها في أفغانستان من خلال محاولتها تعيين وصي من قبلها على حكومة أفغانستان قوبلت بغضب بريطانيا ودول حلف الناتو لأمريكا من أمريكا، وم ذلك رضخت أوروبا بما فيها بريطانيا للاستراتيجية ووافقت على تقديم سبعة آلاف جندي أوروبي لدعم خطة أوباما بشرط عدم تعيين حاكم أمريكي على أفغانستان يكون متحكماً في جميع الشؤون الأفغانية، وهذا التصرف يدل على مدى قدرة أمريكا على ابتزاز أوروبا كما يدل على مدى الضعف الشديد الذي طرأ على موقف الأوروبيين.
هذا في أفغانستان، وأما ما يجري في باكستان المجاورة فإن الضغط على الحكومة الباكستانية من خلال التفجيرات الدموية التي يغلب على الظن قيام المخابرات الأمريكية وشركة بلاك ووتر بها، يعني أن أمريكا تُريد أن ترى باكستان مدمرة مفككة وهو خير لها من رؤية باكستان مستقرة سياسياً؛ لأن الاستقرار السياسي فيها يعني وجود تهرب من قبل الحكومة الباكستانية من القيام بما تطلبه أمريكا منها من خوض حرب شاملة ضد حركة طالبان، فأن تكون باكستان ممزقة وبقيادة ضعيفة يعني نجاح أمريكا في تحقيق أهدافها، ونجاح أمريكا بسهولة في تفجير الأوضاع في الباكستان دليل على وجود هيمنة سياسية لها في المنطقة.
إن هذا الضغط الأمريكي على باكستان جعل قادتها يقبلون وهم كارهون عرض الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتعلق بما يُسمى بشراكة إستراتيجية تتضمن سيطرة أمريكية على معظم مفاصل الدولة من خلال الوجود الاقتصادي والعسكري والأمني الأمريكي فيها بذريعة تقديم المساعدات. قالت صحيفة (واشنطن بوست) يوم الإثنين في 1/12/2009م: "إن هذا العرض جاء خلال رسالة من صفحتين سلمها جيمس جونز مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما إلى الرئيس الباكستاني آصف زرداري، وإن العرض يشتمل على ضمانات تتعلق بأن الولايات المتحدة ستواصل زيادة نشاطها العسكري والمدني في أفغانستان وعلى ضبط الأوضاع في باكستان". ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي كبير لم يكشف عن هويته قوله: "لا يمكننا أن ننجح من دون باكستان، وينبغي أن تميزوا بين التصريحات العلنية والواقع، ولا أحد يتوهم حيال ذلك"، وأضاف: "من دون تغيير طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان فلن نفوز في أفغانستان، وإذا لم ننتصر في أفغانستان فهذا سيعرض باكستان تلقائياً للخطر وعندئذ ستبدو أفغانستان شبيهة بلعبة أطفال بالمقارنة معها".
وبالرغم من أن رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني الذي مُنح بمساعدة الانجليز صلاحية الضغط على الزر النووي قد أظهر تحفظاته على السياسات الأمريكية تجاه الباكستان من لندن، إلا أن قدرته أضعف من أن يقف أمام هيمنة الأمريكان على الجيش الباكستاني وعلى الرئيس الباكستاني نفسه.
وقد نقلت صحيفة (نيويورك تايمز) كذلك عن مسؤول أمريكي اطلع على رسالة بعث بها الرئيس الأمريكي أوباما إلى الرئيس الباكستاني آصف علي زارداري قال له فيها إنه "يتوقع منه أن يحشد المؤسسات السياسية والأمنية في حملة موحدة ضد المتطرفين"، وبعد انبطاح زرداري المطلق للأمريكيين بُدء بسحب صلاحياته من قبل حزبه الحاكم المسنود من قبل الانجليز.
إن هذا التدخل الفج لإدارة أوباما في الباكستان دليل على أن أمريكا هي المتحكم الرئيسي في الشؤون الباكستانية وان الانجليز وعملاءهم في حزب الشعب لا يقوون على مقاومة النفوذ الأمريكي في باكستان.
وأما في اليمن فمن الواضح أن أمريكا هي التي أشعلت حرب الحوثيين والتي تريد لها أن تكون طويلة الأمد ولا تنتهي إلا بإسقاط علي عبد الله صالح، لذلك ليس غريباً أن نجد أن الحكومة اليمنية تبادر في هذا الوقت بالذات إلى التوقيع على اتفاقية مع أمريكا تنص على التعاون المشترك بين الجيش الأمريكي والجيش اليمني في النواحي العسكرية والأمنية.
وإنه وبالرغم من أن السعودية تساند اليمن بكل قوتها إلا أنها بمساندتها تلك تحقق لأمريكا هدفها بتوسيع دائرة الحرب المذهبية بالمنطقة والتي من الصعب حسمها من خلال مشاركة السعودية فيها.
وعلاقة أمريكا بالسعودية عادة لا تتأثر كثيراً بتغير ولاء الملك، فقد نقلت وكالة (واس) من واشنطن في 17 أكتوبر 2009م قول سعيد الجبير سفير السعودية في واشنطن قوله: "إن العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة قوية وتاريخية وأن الدولتين تواصلان تقوية هذه العلاقات"، وقال في اجتماع ما يُسمى (بلجنة السفير) المشكلة من السفراء الحاليين والسابقين الأمريكيين لدى المملكة والسعوديين لدى أمريكا وهي تعتبر جزءاً من مجلس المؤتمر الوطني السنوي الثامن عشر المختص بالعلاقات الأمريكية العربية قال: "إن العلاقات الأمريكية والسعودية التاريخية التي بدأت في الثلاثينات آخذة في النمو حالياً بصورة أوسع وأعمق وأقوى من ذي قبل نظراً لجهود الدولتين في توسيع التبادلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
أما بخصوص القضية الفلسطينية فبعد اتفاقية أوسلو قبل أكثر من ستة عشر عاماً لم تستطع أي دولة غير أمريكا التحكم بخيوط القضية، لدرجة أن فكرة الدولة الفلسطينية (الأمريكية) أصبحت مطلباً لجميع الدول الأوروبية والعربية وجميع دول العالم، ولم يجرؤ أي أحد أن يطرح أي فكرة غيرها كأساس للحل.
وهذا الاستفراد الأمريكي بالقضية الفلسطينية جعل الآخرين لا سيما الأوروبيين منهم لا يستطيعون منافسة أمريكا لا من حيث طرح البدائل ولا من حيث الحفاظ على وجودهم السابق.
وأمّا حكام دولة يهود فهم لا يستجيبون إلا للأمريكان، بل انهم يُهددون الأوروبيين إن هم طرحوا شيئاً يزعجهم، كطرح السويد مثلاً لتبني الاتحاد الأوروبي لحدود الدولة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية، وأما سائر الحكام والزعماء في المنطقة فهم ينفذون الأوامر الأمريكية بلا تردد، ولا يردون للادارة الأمريكية طلباً.
فحكام مصر وسوريا وإيران وتركيا وزعماء السلطة الفلسطينية يتقاسمون الأدوار فيما بينهم، وأما الحكام وزعماء التنظيمات الآخرين في المنطقة فهم يسيرون معهم ويؤيدون مجبرين سياساتهم الخادمة للأجندة الأمريكية.
ومنهم زعماء حماس الذين يتم توجيههم من قبل سوريا وإيران، ويتعاملون مع النظام المصري والايراني والتركي ولا يخرجون عما تريده أمريكا منهم، وقد باتوا يُصرّحون علانية بقبولهم بفكرة الدولة الفلسطينية في حدود عام 1967م. وكذلك زعماء حركة فتح الآخرين فبعد أن تم تطهير الحركة من بقايا ما يسمونه بالحرس القديم (رجال عرفات) من خلال التصفية أو الإحالة على التقاعد تحولت حركة فتح إلى تنظيم أمريكي  صرف لا تشوبه أي شائبة.
وإزاء ارتماء جميع الأطراف الذين على صلة بالقضية الفلسطينية في أحضان أمريكا فقد اضطرت الدول الأوروبية للتعاطي مع القضية الفلسطينية على أساس أنها قضية تتفرد بها أمريكا، لذلك دخلت بريطانيا وفرنسا وألمانيا وسائر الدول الأوروبية في هذه القضية من البوابة الأمريكية وأصبحت تُسهِّل لأمريكا ما تريد، وتُمهِّد لها للقيام بما تنوي القيام به في المستقبل. وبمعنى آخر فأوروبا أصبحت تلعب مع أمريكا دور المساعد الذي يقدم خدمات [تمويل واتصالات] من أجل أن يُسمح لها بالمشاركة في القضية.
وهكذا فالدور الذي تقوم به أوروبا في القضية الفلسطينية لا يتجاوز الدور التكميلي أو المسهل للدور الأمريكي الرئيسي فيها. أما الدور الروسي فيها فهو أقل من الدور الأوروبي، وهو لا يعني أكثر من كونه دوراً رمزياً ضمن الرباعية الدولية التي ابتدعتها أمريكا لتكون لها سنداً في تمرير مخططاتها في المنطقة بغطاء دولي.
إن الدور الأوروبي في السياسة الخارجية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية يُشبه إلى حد ما دور الاتحاد الاوروبي في منطقة أوروبا الشرقية، أي أنه الدور نفسه الذي يخدم الأهداف الأمريكية، فأوروبا تستخدم قوة اتحادها اقتصادياً لزيادة غنى الدول الأوروبية، وتستخدمه سياسياً من أجل خدمة الأهداف الأمريكية. ومن هذا المنطلق عقد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي اجتماعاً في 8 ديسمبر (كانون أول) تقدموا فيه بمشروع ما يُسمى ب(الشراكة الشرقية) ويرمي هذا المشروع إلى تفكيك مجموعة دول (رابطة الدول المستقلة) التي تهيمن عليها روسيا وذلك من خلال ربط دول الرابطة اقتصادياً بالاتحاد الأوروبي باستثناء روسيا، فيما تسعى روسيا للحفاظ على منظومتها تلك من خلال طرح المزيد من المبادرات والتحالفات الاقتصادية الجديدة مثل مبادرة (المجموعة الاقتصادية الأوراسية) أو (منظمة الأمن الجماعي) بين هذه الدول مع روسيا أو (الاتحاد الجمركي) بين روسيا وبيلوروسيا روسيا البيضاء- وكازاخستان، وذلك من أجل الحيلولة دون خسارتها لهذه الدول.
لكن هذه المحاولات وإن نجحت جزئياً في إبطاء وتيرة مشروع (الشراكة الشرقية) الأوروبي إلا أنها لم تستطع أن توقف الزحف الاقتصادي الأوروبي المدعوم أمريكياً على تلك الدول لعزل روسيا عن منظومتها، وسبب ذلك العجز هو ضعف الاقتصاد الروسي مقارنة بالاقتصاد الأوروبي وهو ما يجعل من الصعوبة بمكان وقف الاجتياح الاقتصادي الأوروبي لدول الاتحاد السوفياتي السابق والإبقاء على روسيا ضعيفة لا تقوى على مواجهة أمريكا سياسياً وعسكرياً.
إن الدول الأوروبية بعد تعيين رئيس جديد ووزيرة خارجية جديدة للاتحاد الأوروبي تُحاول أن يكون لها تأثير سياسي أكبر من ذي قبل، لأنه قد ثبت لدى الدول الأوروبية الرئيسية كفرنسا وبريطانيا وألمانيا أنها لا تملك الخروج عن الإرادة الأمريكية وهي منعزلة، لكن هذه المحاولة الجديدة في الاتحاد لن يكتب لها النجاح طالما أن الدول الأوروبية لم تتحد في دولة واحدة.
وحتى القوة الاقتصادية للدول الأوروبية الكبرى فانها في تراجع مستمر، وقد تغلبت الصين اقتصادياً على ألمانيا كما تغلبت على فرنسا وبريطانيا من قبل.
وأما بريطانيا بشكل خاص فهي تتراجع اقتصادياً بشكل ملموس وقد تحدثت ألـ BBC في 9/12/2009 ونقلت كذلك وكالة نوفوستي للأنباء أن الخبير الروسي ياروسلاف ليسوفوليك قال بأن: "الاقتصاد الروسي سيتطلب ما بين 5 إلى 7 أعوام للحاق بالاقتصاد البريطاني" بينما تحدث الخبير البريطاني دوغلاس مكويليامس رئيس مركز الدراسات الاقتصادية (CEBR) أن: "روسيا ستتقدم على بريطانيا في المجال الاقتصادي بحلول عام 2012م".
وأضاف الخبير البريطاني القول بأن: "بريطانيا حلّت في المرتبة السابعة بين الدول المتقدمة اقتصادياَ في عام 2009 بعدما كانت تشغل المركز الرابع في العام 2005م".
ويتوقع الخبير: "أن تتقدم روسيا والبرازيل على بريطانيا بحلول عام 2012، ثم تخرج بريطانيا من عداد الدول العشر الأكثر تقدماً في المجال الاقتصادي لتحل محلها الهند".




ونقلت رويترز هذا الخبر:" تستعد بريطانيا لإغلاق قاعدة جوية عسكرية واحدة على الأقل وتقليص أخرى في قبرص في إطار خططها لمعالجة الإسراف في النفقات الدفاعية. وبحسب القناة التلفزيونية الرابعة فإنه سيتم الإعلان عن هذه التخفيضات التي تصل إلى مئات الملايين من الجنيهات هذا الأسبوع لمعالجة إسراف في النفقات بلغ ستة مليارات جنيه إسترليني (عشرة مليارات دولار). وأضافت أنه من المقرر أن يتم إجراء هذه التخفيضات قبل تقرير الميزانية ولكن وزارة الدفاع لم تستطع الاتفاق معها بشأن التوقيت ولم يتضح أي القواعد التي سيتم إغلاقها. وقد نقلت القناة عن مسؤول كبير بوزارة الدفاع قوله إن الوزارة تواجه "مشكلة مالية حقيقية"، مشيرة إلى أن التخفيضات ستكون بصفة أساسية في الطائرات والغواصات والسفن الجديدة. ويذكر أن عدة شخصيات عسكرية وسياسية بارزة كانت قد اقترحت على الحكومة البريطانية قبل أشهر إلغاء مشاريع دفاعية تكلّف مليارات الجنيهات مثل برنامج "ترايدنت للردع النووي" من أجل سد ما سمته صحيفة بريطانية بالثقب الأسود في ميزانية الدفاع".



فالوضع الاقتصادي البريطاني في غاية السؤ وأكثر تراجعاً من جميع الأوضاع الاقتصادية الأخرى للدول المتقدمة، والركود قد تخطى التوقعات التي كانت قد صدرت في ابريل/ نيسان الماضي، وهو ما دفع بوزير الخزانة البريطاني دارلينج الى رفع سقف المديونية العامة من 175 مليار جنيه استرليني الى 177.6 مليار اي ما يعادل 290 مليار دولار ويشكل 12.6 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي.
وأما الضعف البريطاني السياسي فليس بأحسن حالاً من الضعف الاقتصادي فهو يُصلحه الدهاء والمكر، ولا ينفع في تقويته وجود عملاء ضعفاء يسيرون مع أمريكا في كل ما تطلبه منهم، ولعل السبب الرئيسي للضعف السياسي البريطاني هو ارتباط بريطانيا بأمريكا نووياً، بخلاف فرنسا المستقلة نووياً عن أمريكا والتي بفضل استقلالها هذا نجدها تستطيع مجابهة أمريكا بصورة أقوى من بريطانيا. يقول توني بن السياسي البريطاني المعروف في آخر اصداراته:"لقد أدركت بعد تركي منصبي كوزير للطاقة، ان البلوتونيوم الذي تُنتجه المصانع البريطانية (المدنية) كان يُرسل الى الولايات المتحدة ليستخدم في برنامج أمريكا للتسلح النووي، أي اننا كنا نصنع في برنامج نووي سلمي في بريطانيا أدوات تُستخدم لصنع القنابل النووية في أمريكا" ويُضيف : "ان الشركة التي كانت تصنع البلوتونيوم البريطاني بيعت الى شركة أمريكية وان تكنولوجيا غواصات(ترايدنت) المزودة بالسلاح النووي أصبحت تكنولوجيا أمريكية، وبالتالي لم يعد لبريطانيا أي سلاح نووي مستقل عن الأمريكان، والانعكاسات السياسية لهذا الأمر ان حكومة بريطانيا أصبحت في وضع اتكال كلي على أمريكا في الدفاع النووي عن نفسها، ولعل هذا الأمر هو أحد الأسباب التي دفعت توني بلير الى المضي بشكل لا يقبل التراجع في قرار المشاركة مع جورج بوش الابن في غزو العراق، إذ أن بوش الابن كان بإمكانه إلغاء الترتيبات التسليحية النووية المشتركة بين البلدين لو رفض بلير المشاركة في هذه الحرب، ولعل هذا السبب هو ما يدفع برؤساء حكومات بريطانيا الى مواكبة قيادات أمريكا في قراراتها العسكرية الدولية مهما كانت خطورة هذه القرارات أو عدم خطورتها".( القدس العربي / 11/12/2009).
إن صراع بريطانيا وفرنسا كل منهما على حدة مع أمريكا قد بدأ يخبو تدريجياً لأن قدرتيهما على الصراع مع أمريكا قد تراجعت إلى حد كبير، وأصبحتا مضطرتين إما لخدمة المصالح الأمريكية والعمل تحت جناح أمريكا كما هو الحال في أفغانستان وباكستان والعراق والصومال، وإما اللجؤ  إلى الاتحاد الأوروبي الضعيف والذي يمنحهما بعض عناصر القوة التي لا تكفي للمواجهة والصراع، وفي كلا الحالتين فصراعهما مع أمريكا لا يرقى الى مستوى التأثير المطلوب. وأما بلداناً أخرى كانت تتبع لبريطانيا في السابق تبعية مطلقة فلم يعد حكامها يستطيعون خدمة المصالح البريطانية ضد المصالح الأمريكية وذلك مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا التي اخترقت من قبل أمريكا.
ثم ان هناك حالات كثيرة نجد فيها أن بريطانيا وفرنسا عادتا إلى الصراع فيما بينهما وعادت بريطانيا للالتصاق بأمريكا ضد فرنسا في عدة مناطق كما عادت فرنسا للالتصاق بأمريكا في مناطق أخرى.
ففي الجزائر مثلاً تنحاز بريطانيا لأمريكا ضد فرنسا. تقول وزيرة شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا السابقة في وزارة الخارجية البريطانية سابقاً إليزابيث سايمونز: "إن علاقة بريطانيا بالجزائر قد تحررت إلى حد ما من هيمنة فرنسا عليها، ولكن الوجود الفرنسي الثقافي واللغوي والحضاري ما زال فاعلاً برغم رغبة الجزائر في تعزيز روابطها مع المملكة المتحدة وأمريكا والصين والهند ومع جيرانها العرب".
وهاجمت سايمونز فرنسا وأوروبا فقالت: "إن أوروبا تقدم الوعود في برامج الشراكة الأوروبية المتوسطية ولكن هذه الوعود لم تنتقل إلى حيز التنفيذ".
وأما في منطقة الخليج فإن فرنسا تعود إليها بالتنسيق مع أمريكا وعلى حساب بريطانيا، فيوقع وزير الدفاع الكويتي الشيخ جابر مبارك الأحمد اتفاقاً عسكرياً في مقر وزارة الحرب الفرنسية بباريس مع وزير الحرب الفرنسي إيرفيه موران الذي يقول: "إن فرنسا عائدة إلى هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم وقررت استعادة مكانتها الكاملة فيها لضمان أمنها"، وكانت فرنسا من قبل قد دشَّنت قاعدة عسكرية دائمة لها في الإمارات العربية في نهاية أيار الماضي. وعن طبيعة العلاقة الفرنسية الأمريكية في الخليج قال موران: "إن باريس يمكن أن تكون إلى جانب الولايات المتحدة شريكة أخرى لدول الخليج وصديقة للأمريكيين، لكنها تملك رؤيتها الخاصة للأمن والاستقرار في العالم".
فاعتماد الدول الأوروبية على عملائها في بلدان العالم الإسلامي وبلدان العالم (الثالث) لم يعد ينفعها في الغالب، إلا في بعض الدول الأفريقية التي ما زالت فرنسا تتحكم فيها كتشاد وأفريقيا الوسطى وبعض الدول الصغيرة الأخرى. وعلى سبيل المثال تحاول فرنسا القبض على مستعمراتها بكل ما تملك من قوة وذلك كما تفعل في دولة تشاد، حيث قامت قواتها مرتين بإحباط هجوم المتمردين التشاديين المدعومين من السودان للحفاظ على نفوذها في تشاد، وتنوي فرنسا أيضاً إطلاق قمر تجسس عسكري خاص بتشاد لحمايتها من أي هجوم، ونقلت رويترز بيان وزارة الدفاع الفرنسية حول اعتزام فرنسا إطلاق قمر (هليوس 2B) بقولها إنه سيساعد في رسم الخرائط للمناطق غير المرسمة في إقليم دارفور وتشاد والعراق وأفغانستان. وقالت الوزارة في بيانها: "إنه في ظل أجواء دولية يشوبها عدم اليقين فإن على فرنسا أن تتمكن من فهم المناخ الإستراتيجي الذي تتحرك فيه وأن تتوقع التهديدات".
أما بالنسبة لاستخدام أمريكا لبعض عملائها وتشغيلهم ضد منافسيها فليس سببه ضعف أمريكا دولياً ولا سببه انشغالها بأزماتها، وإنما سبب ذلك يعود إلى نشاط هؤلاء العملاء وطموحهم في أن يكون لهم دور إقليمي متميز، حيث أن أمريكا تمنح اللاعبين الصغار أدواراً تتناسب مع قوتهم وتميزهم في مناطقهم الإقليمية كأردوغان وأحمدي نجاد، بينما لا تفعل ذلك مع عملاء خاملين وغير طموحين كمبارك وزرداري.
وعلى سبيل المثال فقد برز في تركيا في بداية التسعينيات من القرن الفائت توركوت أوزال كسياسي طموح ومتميز ووصفت فترة حكمه بالخروج عن الأسس الكمالية في السياسة الخارجية ووصف هو شخصياً بأنه رجل العثمانية الجديدة.
ولكن عميلي أمريكا بعده نجم الدين أربكان وتشيلر لم يفلحا في إدارة دفة الحكم لخدمة المصالح الأمريكية بنفس ما كان عليه حال أوزال فكانا باهتين ضعيفين، في حين أن أردوغان اليوم يمثل الزعيم السياسي الأكثر تميزاً ونشاطاً واجتهاداً، فهو الوريث الحقيقي لأوزال، وهو يوازن بين المتطلبات الإيرانية والسورية و(الإسرائيلية) والأوروبية في الشرق الأوسط بنجاح ملفت، وهو يلعب بالإضافة الى ذلك دوراً مهماً في القوقاز وآسيا الوسطى، أي أنه لم يترك مجالاً لتركيا فيه دور إلا وخاض فيه، ولم يترك فراغاً لتركيا الا وملأه. وهو من ناحية اقتصادية رفع مستوى تركيا إلى مصاف الدول الناشئة بحيث أن اقتصادها أصبح يعادل على سبيل المثال أربعة أضعاف الاقتصاد (الإسرائيلي).
وأما نجاد الذي اتكأ عل خامنئي وعلى الحرس الجمهوري فقد استفاد كثيراً من الملف النووي الذي كان ورقته الرابحة، ورفع من شأن إيران باستخدامه هذا الملف بذكاء لدرجة أن إيران أصبحت حديث السياسة الدولية الآن بسبب هذا التوجه السياسي الذكي لنجاد، إضافة إلى مقارعته لدولة يهود وتدخله في فلسطين ولبنان واليمن، فحوّل إيران بذلك إلى دولة إقليمية كبرى في المنطقة يُحسب لها ألف حساب.
إن أمريكا قوية دولياً، وعلاقاتها مع غيرها ما زال يحكمها التفرد ونقطة ضعفها الوحيدة في علاقاتها الدولية هي وجود قوى إسلامية جهادية مخلصة غير قابلة للاحتواء من أي دولة وذلك كحركة طالبان في باكستان وأفغانستان وكحركة الشباب المجاهدين في الصومال. لذلك نجد أن أمريكا تحاول حرق المنطقة التي لا تخضع فيها هذه الحركات لإرادتها لأنها تخشى فيها أن يظهر عجزها في مواجهة قوة هذه الحركات المتواضعة، فيؤثر ذلك على مكانتها. ففي باكستان وأفغانستان مثلاً سلَّطت حكام باكستان هناك لحرق البلاد والعباد من أجل مساعدتها في كبح جماح طالبان، وفي الصومال وبعد أن ذاقت مرارة الهزيمة  فيها سابقاً سلّطت عليها دول الجوار لتفتيتها وتدميرها ومحاصرة حركة الشباب داخل الحدود الصومالية، وقد وضّح الرئيس الكيني الأسبق هذه الإستراتيجية الأمريكية عام 2004م بقوله: "إن كينيا وأثيوبيا لا تريدان الاستقرار للصومال" وهو يعني أن أمريكا لا تريد الاستقرار لها.
والخلاصة أن الموقف الدولي وبالرغم من أزمات أمريكا في أفغانستان والعراق، وبالرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تُلازمها، فما زال لأمريكا فيه الحصة الأعظم، وما زالت العلاقات الدولية غير المتوازنة  تخضع لهيمنتها، وذلك بسبب فقدان القوة الدولية الثانية التي توازن القوة الأمريكية.
فبريطانيا وفرنسا ضعفتا إلى حد كبير، وروسيا وبالرغم من تعافيها اقتصادياً الا أنها تزداد ضعفاً، والصين ما زالت تتعاظم كقوة اقتصادية ولم تتمكن بعد من التأثير في العلاقات الدولية السياسية، والتنافس والتطاحن الذي يدور بين هذه الدول وبين أمريكا طابعه اقتصادي وليس سياسياً.
لذلك فالكلام عن الصرع السياسي بين أمريكا وبريطانيا أرى أنه لم يعد موجوداً، ولا أرى حاجة للتركيز عليه في نشرات الحزب، وهو لم يعد يفيد الامة أو الحزب في شيء، وهو أصبح كالصورة العارية بالنسبة للمغرضين، لذا فأقترح أن يُعيد الحزب النظر في طريقة تعرضه للصراع الدولي، وأقترح أن يُسقط الحزب موضوع الصراع بين أمريكا وبريطانيا من إصداراته.
وأما بالنسبة للصراع الدائر في أفغانستان وباكستان والصومال فأقترح أن يصدر الحزب نشرات تؤيد حركة طالبان صراحة في صراعها ضد أمريكا، وأن يدعو المسلمين لدعمها والقتال معها ضد أمريكا وحلفائها.
وأما بالنسبة للصومال فأقترح أن يصدر الحزب نشرات تؤيد حركة الشباب في إعلانها عن سعيها لتوحيد المنطقة في ظل دولة إسلامية، وفي إعلانها القتال المستمر ضد أمريكا والكفار، فتصريح أحد قادتها وهو شيخ فؤاد محمد خلف الذي قال فيه: "نحن نجاهد في الصومال وعيوننا على بيت المقدس ونقول لإخواننا في فلسطين لا تقاتلوا من أجل الأرض ولا من أجل القومية العربية بل قاتلوا من أجل الإسلام ولن يضيعكم الله".
فمثل هذا التوجه لقادة حركة الشباب من المفضل أن ندعمه في إصداراتنا لأنه توجه سليم وصادق ويساعدنا في زيادة الانتشار والتأثير وقد يخرجنا من الدائرة الموصدة التي ندور في داخلها.

14/12/2009
5


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق