قضية أفغانستان
تقع أفغانستان في وسط آسيا، وتحدها من الشمال ثلاث جمهوريات إسلامية تتبع النفوذ الروسي وهي طاجيكستان وأوزبكستان وتركمنستان، ويحدها من الجنوب والشرق باكستان، ولها حدود صغيرة من الشرق أيضاً مع الصين، وأما من الغرب فتحدها إيران.
إن موقع أفغانستان الاستراتيجي هذا جعلها محط أنظار الدول الكبرى الطامعة لأنها تجاور روسيا والصين وتطل على الهند وتتصل بمحيطها الإسلامي في باكستان وإيران.
فروسيا تخشى أفغانستان لأنها تؤثر في الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى التابعة لها، وكون أفغانستان دولة بلا منافذ بحرية فقد سهّل ذلك للغزاة والفاتحين اعتبارها ممراً وموطئ قدم لهم، فقديماً اتخذها الاسكندر المقدوني مركزاً للاستراحة في غزوه لآسيا عام 329 قبل الميلاد، ودخلها المسلمون في سنة 654 ميلادي، وانطلقوا منها لفتح المناطق التركستانية الشاسعة شرقاً.
احتلت بريطانيا أفغانستان في القرن التاسع عشر بهدف مواجة روسيا ولحماية مناطق نفوذها في الهند وفي إيران آنذاك.
إن الشعب الأفغاني معتاد على الغزو والحروب، ورجاله أشداء لا يعرفون الهزيمة، وقد استطاع الأفغان بقوتهم المحدودة إلحاق الهزيمة المنكرة بقوات الإمبراطورية البريطانية مرتين كانت الأولى ما بين العامين 1839م-1841م وكانت الثانية ما بين العامين 1878م-1880م.
وأما الحرب الثالثة فنجح الغزو البريطاني في السيطرة على أفغانستان وذلك في العام 1919م حيث وقع الملك الأفغاني العميل أمان الله معاهدة استسلام مع بريطانيا، إلاّ أن الشعب الأفغاني ولشدة تدينه ثار على الملك لخيانته، ومحاولته إلغاء الحجاب، وإدخاله نمط الحياة الغربي إلى أفغانستان، وتمكن من إقصائه عن السلطة على يد أحد الثوار وهو حبيب الله الملقب بابن السقا، ولكن بريطانيا تمكنت من قتل ابن السقا عن طريق نادر شاه أحد ضباط الملك أمان الله السابقين والذي كان من الموالين لها.
وفي العام 1933م سلمت بريطانيا الحكم لظاهر شاه ابن نادر شاه وكان عمره إذاك 19سنة، وحكم أفغانستان أربعين سنة تحت رعاية الإنجليز.
في العام 1973م نجحت روسيا في التغلغل إلى أفغانستان فقام ابن عم الملك محمد داود المدعوم من الاتحاد السوفياتي بالإطاحة بالملك، وانتقلت أفغانستان منذ ذلك التاريخ إلى قبضة الشيوعيين التابعين للاتحاد السوفياتي.
ثم في العام 1978م جاء الروس بمحمد نور طاراقي إلى الحكم، ووقع لهم على معاهدة مع الرئيس السوفياتي ليونيد بريجينيف تسمح بدخول القوات السوفياتية إلى أفغانستان، وأثار ذلك حفيظة أمريكا وبريطانيا لأنهما اعتبرا ذلك التوقيع إخلالاً فظيعاً بالتوازن الدولي في أفغانستان.
فدبرت أمريكا انقلاباً على طاراقي على يد شيوعي موالٍ للغرب اسمه حفيظ الله أمين كان قد خدع الروس باظهاره الموالاة لهم، وكان له اتصال مع المخابرات الأمريكية،فقام العام 1979م بالإطاحة بطاراقي، وبقتله، وقتل كَّل جماعته.
وفي 27 كانون الأول من نفس العام رد الروس على ذلك الانقلاب المفاجئ بغزو عسكري شامل لأفغانستان، نصَّبوا على إثره حكومة شيوعية في كابول برئاسة باراك كاراميل الذي جاءوا به معهم من روسيا.
وعلى إثر ذلك اندلعت مقاومة عنيفة ضد الحكم الجديد، وانتظم المقاتلون الأفغان في ميليشيات، وانتشرت الروح الجهادية بقوة ضد الشيوعيين الكفار، واستغلت أمريكا هذا الوضع الجديد، فألقت بكامل ثقلها وراء المجاهدين، وأوعزت إلى الدول العربية كالسعودية وغيرها، بتسهيل حركة المقاتلين الذاهبين إلى أفغانستان و تم إمدادهم بالأموال والأسلحة المتنوعة والتي كان منها صواريخ ستنجر التي شلّت الطيران السوفياتي.
وبعد عشر سنوات من الغزو السوفياتي لأفغانستان أصيب الاتحاد السوفياتي بالإرهاق والعجز عن السيطرة على الأوضاع في أفغانستان وذلك بعد خسائر جسيمة بالأرواح والمعدات لحقت بقوات الاتحاد السوفياتي.
وللخروج من هذا المأزق استبدل السوفيات بباراك كارميل نجيب الله في العام 1987م وكان رئيساً للاستخبارات على أمل أن يكون أقدر من سلفه على حماية المصالح السوفياتية في أفغانستان، بعد أن قرروا الانسحاب في 14/شباط/1989م.
صمد نجيب الله لمدة ثلاثة أعوام فقط أمام هجمات المجاهدين، وفي العام 1992م سقطت كابول وتولى الحكم برهان الدين رباني.
انتقل الصراع بين المجاهدين أنفسهم لمدة أربع سنوات إلى أن تمكنت حركة طالبان المدعومة من المخابرات الباكستانية مباشرة، والمدعومة من أمريكا بشكل غير مباشر، من السيطرة على الحكم وطرد حكومة رباني من السلطة.
وتفاوضت حركة طالبان بين الأعوام 1996م -1998م مع مسؤولين أمريكيين للاعتراف بحكمها لأفغانستان رسمياً، ولتسلم مقعد أفغانستان الشاغر في الأمم المتحدة، كما تفاوضت الحركة مع شركتي يوماكال الأمريكية ودلتا السعودية لإبرام صفقة نقل الغاز من جمهوريات آسيا الوسطى عبر أفغانستان إلى الموانئ الباكستانية على المحيط الهندي، لكن وقوع تفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا أوقف العمل بهذا الاتفاق.
وتغيرت العلاقات بين طالبان وأمريكا جذرياً وساءت بعد وقوع تفجيرات الحادي عشر من أيلول عام 2001م، فغزت أمريكا أفغانستان، وتعاون معها المجاهدين القدامى كبرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وغيرهما، كما تعاون معها حكام باكستان الذين جعلوا أرضها وسماءها وقواعدها ومخابراتها تحت تصرف الأمريكان، وقاموا بقطع الشريان الحيوي الذي كان يمد طالبان بالحياة، وهذا ما يفسر السهولة في نجاح قوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني في السيطرة على أفغانستان في أيام معدودة بعد الغزو.
وبعد الغزو الأمريكي البريطاني تم وضع وثيقة بون وصاغت أمريكا دستوراً جديداً لأفغانستان يخولها باسم الأمم المتحدة من السيطرة على نظام الحكم في أفغانستان وذلك بتجميع ممثلي (اللويا جيرغا) من المجاهدين السابقين، ومن العملاء الجدد لها ليكونوا شاهد زور على شرعية الاحتلال.
لكن أمريكا فوجئت بعودة حركة طالبان إلى المقاومة بعد تنظيم صفوفها بأشد مما عرف عنها من قبل، وبدأت تنال من القوات الأمريكية والبريطانية وتلحق بها الخسائر الجسيمة في الأرواح والمعدات.
ولم تتوقع أمريكا أن تكون حركة طالبان بمثل هذه القوة، فشحنت المزيد من قواتها إلى أفغانستان، واستعانت بحلف الناتو وبقوات أخرى لكنها لم تستطع إلحاق الهزيمة بطالبان، وعادت قوات طالبان للسيطرة على أكثر من نصف البلاد، وأصبحت أفغانستان تُشكل التحدي الأكبر لأمريكا في الخارج، وباتت أهم مأزق لأمريكا في سياستها الخارجية.
تفاقمت أوضاع القوات الأمريكية في أفغانستان أكثر فأكثر، وارتفعت وتيرة أعداد القتلى من الجنود الأمريكيين، ومن الجنود الآخرين المشاركين في الغزو وخاصة من البريطانيين، وأصبحت الدول المشاركة تتفلت من التزاماتها وتحاول الانسحاب من افغانستان، ولم تستطع أمريكا أن تحسم الوضع عسكرياً فبدأت تبحث عن سبل دبلوماسية، وتحاول الاتصال بحركة طالبان من خلال السعودية والباكستان لوضع حل سياسي بعدما أيقنت بفشل الحل العسكري.
لكن الأوضاع ما زالت شائكة في أفغانستان فظهر العجز الأمريكي العسكري بشكل جلي في أفغانستان وعلقت أمريكا هناك فلا هي تستطيع الانسحاب لأن ذلك إن حصل يعتبر هزيمة مدوية لها وفضيحة كبيرة بخقها بوصفها الدولة الأعظم، ولا هي قادرة على الحسم العسكري في أفغانستان.
إن هذه الأوضاع غير المستقرة ستُساعد دولة الخلافة على طرد الوجود الأمريكي نهائياً من أفغانستان وبالكستان وجميع بلدان العالم الاسلامي، وإن حزب التحرير يسعى منذ الآن مع الأمة وبها من أجل إقامة دولة اسلامية حقيقية في المنطقة تشمل باكستان وأفغانستان ودول الجمهوريات الاسلمية في آسيا الوسطى ليكونوا في دولة واحدة قوية، تنتقل في المرحلة الثانية لتتمدد إلى سائر بلاد المسلمين الأخرى.