الأحد، 12 مايو 2013

ابو ايوب الانصاري



أبو أيوب الأنصاري

هو أبو أيوب، خالد بن زيد، بن كليب، بن ثعلبة،بن عبد عمرو، بن عوف، بن غنم، بن مالك، بن النجار،بن ثعلبة، بن الخزرج الأنصاري، أحد السابقين الأولين في الإسلام من الأنصار، ورجل فاضل من أفاضل المدينة المنورة قبل الإسلام وبعده، وقال ابن إسحاق: شهد أبو أيوب بيعة العقبة الثانية، وذكره عروة بن الزبير بن العوام والجماعة رضي الله عنهم في البدريين، وعن ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي أيوب، ومصعب بن عمير رضي الله عنهما، وخصّه النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول ضيفاً عليه في بني النجار إلى أن بُنِيَتْ للنبي حُجرة أم المؤمنين سودة بنت زمعة , وبني المسجد النبوي الشريف.
وفي سيرة ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان أميرا على البصرة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه , ووفد عليه أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه, فبالغ في إكرامه, وقال له : لأجزينك على إنزالك النبي صلى الله عليه وسلم عندك, كم عليك؟ قال: عشرون ألفا فأعطاه أربعين ألفا, وعشرين مملوكا, ومتاع البيت. 


راوية الحديث النبوي الشريف
حدَّث عن أبي أيوب الأنصاري: جابر بن سمرة, والبراء بن عازب. والمقدام بن معد يكرب, وعبد الله بن يزيد الخطمي, وجبير بن نفير, وسعيد بن المسيب, وموسى بن طلحة, وعروة بن الزبير بن العوام, وعطاء بن يزيد الليثي, وأفلح مولاه, وأبو رهم السماعي, وأبو سلمة بن عبد الرحمن; وعبد الرحمن ابن أبي ليلى, وقرثع الضبي. ومحمد بن كعب, والقاسم أبو عبد الرحمن; وآخرون.
ورد في مسند أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مائة وخمسة وخمسون حديثا نبوياً شريفاً; وقد روى البخاري ومسلم : سبعة أحاديث بإسنادهما إلى أبي أيوب، وانفرد صحح البخاري بحديث واحد, وانفرد صحيح مسلم بخمسة أحاديث، وهذا غير ما اتفقا عليه في الأحاديث السبعة.

زواج الرسول صلى الله عليه و سلم
لما تزوج الرسول صلى الله عليه و سلم 
بصفية، بخيبر أو 
ببعض الطريق، فبات بها الرسول 
في قبة له، بات أبو أيوب
الأنصاري متوشحاً 
سيفه يحرس رسول الله صلى الله عليه و
سلم ويطيف بالقبة حتى أصبح رسول الله 
صلى الله عليه و 
سلم،
 فلما رأى مكانه قال: (مالك يا أبا أيوب؟) قال: (يا رسول
الله، خفت عليك من هذه المرأة، 
وكانت امرأة قد قتلت أباها 
وزوجها
 وقومها، وكانت حديثة عهد بكفر، فخفتها عليك) فقال
رسـول الله صلى الله عليه و سلم: (
اللهم احفظ أبا أيوب كما 
بات يحفظني)

جهاد أبي أيوب الأنصاري
روى ابن علية, عن أيوب, عن محمد, قال: شهد أبو أيوب بدراً, ثم لم يتخلَّف عن غزاة إلاّ عاماً, واستُعمِل على الجيش شابٌّ, فقعد, ثم جعل يتلهف, ويقول: "ما عليَّ مَن استُعمِلَ علَيَّ" وبعد ذلك لم يتخلف عن غزوة في سبيل الله، وجاهد في عهد الخلفاء الراشدين، وجاء عهد الأمويين، وأبو أيوب على عهده مع الله لا يغيّر ولا يبدّل، ولا يترك الجهاد في سبيل الله، رغم تقدمه في السن، حيث بلغ من العمر مئة وخمسة وثلاثين عاماً. قال ابن يونس: قدِم أبو أيوب الأنصاري مصر في البحر سنة ست وأربعين/ 666م. وقال أبو زرعة النصري: قدم دمشق زمن معاوية بن أبي سفيان. وقال الخطيب: شهد حرب الخوارج مع علي بن أبي طالب.


الغزوة الأخيرة
كانت أول محاولة لفتح القسطنطينية سنة 34هـ / 654 م. في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث أرسل جيشا بقيادة معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما فحلصرها ولم يتمكن من فتحها بسبب الأسوار المنيعة التي كانت حول القسطنطينية، ولَمّا تجاسر الروم على ثغور المسلمين الشمالية أرسل الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما جيشاً برياًّ وبحرياًّ من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لغزوِ الرومِ بقيادة يزيد بن معاوية، فعبر المسلمون الفرسان والمشاة خليج البوسفور غرباً، وخليج القرن الذهبي جنوباً، وحاصروا القسطنطينية من الغرب، وخرج إليهم الروم وتصافّ المسلمون صفّين عريضين لم يُرَ مثلهما، والروم ملصقون ظهورهم بسور القسطنطينية، فحمل عليهم فارس من المسلمين، فقال الناس: إنه يلقي بيده إلى تهلكة.

فقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: "أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، وإنما أنزلت فينا معشر الأنصار.. إنّا لما نصر الله نبيَّه وأظهر الإسلام، قلنا بيننا معشر الأنصار خفياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها. فأنزل الله الخبر من السماء فقال: "وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" سورة البقرة، الآية: 195. فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: "أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد".؟


مرض الوفاة
مرض أبو أيوب الأنصاري مرضاً شديداً أثناء حصار القسطنطينية، فوضعه المسلمون في محفّة بناء على طلبه، وكانوا ينقلون تلك المحفة إلى الأماكن التي تميل فيها كفة القوة لصالح الروم، فترجح كفة القوة الإسلامية جراء الحماس الذي كان يثيره في النفوس وجود أبي أيوب الذي كان يأمل الشهادة، ولو كان محمولاً بالمحفة، ولما دنا أجله أتاه يعوده قائد الجيش يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم, فقال له يزيد: قل لي حاجتك يا أبا أيوب؟
قال أبو أيوب: "نعم, إذا أنا مِتُّ, إذا شئتَ فارْكَبْ ثم سُغْ في الأَرض ما وجدْتَ مَساغاً، أَي: ادخل فيها ما وجدْت مدخلاً، فإذا لم تجد مساغا, فادفني, ثم ارجع، فإنكم سوف تعودون إليَّ، ولن تنسَوا قَبْرَ صاحب نبيكم حتى تُحرِّروا الأرض التي ثوى فيها".
" وكان يردّد قول الله عزّ وجلَّ: "انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" سورة التوبة، الآية: 41. وكان يقول: "لا أجدني إلاّ خفيفاً أو ثقيلا".


وفاة أبي أيوب
انتقل أبو أيوب الأنصاري إلى رحمة الله ونفّذ المسلمون وصيته، فحملوه حتى جاؤوا به إلى الشمال الغربي من أسوار اسطنبول "القسطنطينية" وصلى عليه يزيد والناس صلاة الجنازة, ثم دفنوه على مقربة من الضفة الجنوبية لخليج القرن الذهبي.
وحينذاك أخذ الروم يسخرون من المسلمين من فوق الأسوار ويقولون: لننبشنَّ قبره، ولنلقينّ بجثته للكلاب.
فأرسل إليهم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: والله لو مسستم صاحبنا بسوء، أو نبشتم قبره، لننبشنّ قبور الروم في الشام كلها, والله لئن نبش, لا ضُرِبَ بناقوس في بلاد العرب.
فخاف الروم على قبورهم في الشام، ونادوا من فوق الأسوار: يا معشر المسلمين إنا وحق المسيح لا نعرض لقبر صاحبكم بسوء ولا ندع أحداً يمسه.
ولخوف الروم من أن يقوم بعض الناس بنبش قبر أبي أيوب على غير علم منهم، فقد أقاموا حُراساً يحرسون قبر أبي أيوب خشية أن ينبشه الغوغاء، وينفذ المسلمون توعدهم بنبش قبور الروم في الشام، فكانوا إذا قحطوا, كشفوا عن قبره, فأمطروا.
قال الواقدي : توفي أبو أيوب الأنصاري عام غزا يزيد في خلافة أبيه معاوية بن أبي سفيان القسطنطينية، فلقد بلغني: أن الروم يتعاهدون قبره, ويرممونه, ويستسقون به.
وروي أنه لما حضر أبا أيوب الموت; دعا الصحابة والناس, فقال: إذا قبضت, فلتركب الخيل , ثم سيروا حتى تلقوا العدو , فيردوكم , فاحفروا لي, وادفنوني , ثم سووه! فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى لا يعرف, فإذا رجعتم, فأخبروا الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني: (أنه لا يدخل النار أحد يقول : لا إله إلا الله). 
تعددت الروايات في تحديد سنة وفاة أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، فقيل: سنة خمسين للهجرة/ 670م، وقيل: سنة اثنتين وخمسين للهجرة/ 672م، وقيل: سنة خمس وخمسين للهجرة/675م.


تحرير قبر أبي أيوب
مرت القرون والقسطنطينية منيعة، وصمدت مدة طويلة بعدما فتح العثمانيون أدرنة سنة 763 هـ/ 1361م، واتخذوها عاصمة لهم، وتوسعوا في فتوحات البلقان شمال نهر الطونة (الدانوب)، وبعد انتصار السلطان مراد الأول واستشهاده في نهاية معركة كوسوفو سنة 791 هـ/ 1389م. حاول العثمانيون فتح القسطنطينية في عهد السلطان أبا يزيد الأول، وفي زمن السلطان مراد الثاني، ولكن الفتح تحقق سنة 857هـ/ 1453م بقيادة السلطان محمد الثاني (الفاتح) ابن مراد الثاني بن محمد شلبي بن أبا يزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان بن عثمان الأول (المتوفى سنة 726 هـ/ 1326م). 
منذ طفولة السلطان محمد الفاتح، وهو يسمع من شيوخه الحديث النبوي الشريف "‏‏لَتُفْتَحَنَّ ‏‏ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ ‏ ‏فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ"، وكثيراً ما كان يردده، ويتذكر ‏مَسْلَمَة بْن عَبْدِ الْمَلِكِ بن مروان ‏ ‏الذي غَزَا ‏‏ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وبنى في شمالها جامع العرب الذ مازال قائماً إلى الشمال من خليج إسطنبول.
وقبل الهجوم الأخير اكتشف السلطان وشيخه أق شمس الدين قبر أبي أيوب الأنصاري، فتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودُعاءَه لأبي أيوب: وقوله لأبي أيوب: "حَرَسَكَ اللهُ حَياًّ وَمَيِّتاً" و منذ ذلك الوقت أمر السلطان بتنظيم الحراسة على القبر، وما زالت مستمرة منذ الفتح حتى الآن، وكانت مراسم السلطنة العثمانية تقتضي أن يستلم السلطان الجديد سيف عثمان الأول حسب المراسم في جامع أبي أيوب الأنصاري، ويشرب من بئر الشفاء المجاورة للضريح. ومع الأيام نشأت حول الضريح محلة كبرى تُعرف عند الأتراك باسم: "أيوب سلطان"، ومن عادات الأتراك زيارة الأطفال لجامع أبي أيوب بعد الختان، وكذلك تزوره العرائس والعرس في أسبوع الزواج، ولا تخلو ساحة الجامع من الناس ليلاً ونهاراً. 


دعاء رسول الله لأبي أيوب
نقض اليهود عهودهم مع المسلمين، فأجلاهم رسول الله عن المدينة، وأوقع ببني قريظة بعد غدرهم بالمسلمين "يوم الأحزاب" فغزا بالمسلمين حصون اليهود في خيبر، وحصن القَمُوْص، فانتصر المسلمون، وبعد النصر تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، وكان الزواج في قبة نُصبت له، وفي تلك الليلة خرج النبي لحاجته، فإذا به يسمع قعقعة السلاح فقال: من هناك؟
فأجابه صوت: أنا أبو أيوب يا رسول الله.
قال: وماذا تفعل هنا؟
قال: يا رسول الله، إنك قد أنكيت في القوم، وقد دخلت اليوم بابنة زعيمهم، فخشيت عليك غدرهم، فبتّ أحرسك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حَرَسَكَ اللهُ حَياًّ وَمَيِّتاً."
واستجاب الله لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فكان أبو أيوب يخوض المعارك مجاهداً في سبيل الله، ويحميه الله، وتحرسه عنايته، فلا يصاب بأذى.


مزاح أبي أيوب
روى مروان بن معاوية, عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن أبيه, قال: "انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر, وكان معنا رجل مزاح, فكان يقول لصاحب طعامنا: جزاك الله خيرا وبرا, فيغضب. فقلنا لأبي أيوب: هنا من إذا قلنا له: جزاك الله خيرا يغضب. فقال: اقلبوه له. فكنا نتحدث: إنَّ مَن لم يصلحه الخير أصلحه الشر. 
فقال له المزاح: جزاك الله شرًّا وعرًّا, فضحك, وقال: ما تدع مزاحك".
نشرت هذه المادة في العدد : 15252 من جريدة الحياة – الصفحة : 15 الواحة التراثية يوم السبت / 1/ 1/ 2005
وفي بعض الطريق أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية في قبة نُصبت له وفي تلك الليلة التي دخل بها النبي عليها، خرج من الليل لحاجته، فإذا به يسمع قعقعة السلاح فقال:
- من هناك؟
فأجابه صوت: أنا أبو أيوب يا رسول الله.
قال: وماذا تفعل هنا؟
قال: يا رسول الله، إنك قد أنكيت في القوم، وقد دخلت اليوم بابنة زعيمهم، فخشيت عليك غدرهم، فبتّ أحرسك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حرسك الله حياً وميتاً؟.."
واستجاب الله لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فكان أبو أيوب يخوض المعارك مجاهداً في سبيل الله، ويحميه الله، وتحرسه عنايته، فلا يصاب بأذى.


وانتقل النبي إلى الرفيق الأعلى، ثم مضى عهد الخلفاء الراشدين، وجاء عهد الأمويين، وأبو أيوب على عهده مع الله لا يغيّر ولا يبدّل، ولا يترك الجهاد في سبيل الله، رغم تقدمه في السن، حيث بلغ من العمر مئة وخمسة وثلاثين عاماً.
وغزا المسلمون الروم بقيادة يزيد بن معاوية، حتى بلغوا القسطنطينية وحاصروها، فخرج إليهم الروم وتصافّ المسلمون صفّين عريضين لم يُرَ مثلهما، والروم ملصقون ظهورهم بحائط المدينة، فحمل فارس من المسلمين على الأعداء، فقال الناس: إنه يلقي بيده إلى تهلكة..
فقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه:
- أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، وإنما أنزلت فينا معشر الأنصار.. إنا لما نصر الله نبيَّه وأظهر الإسلام، قلنا بيننا معشر الأنصار خفياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم:
- إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها.
فأنزل الله الخبر من السماء:
)وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة( الآية.
فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد..؟
ومرض أبو أيوب مرضاً شديداً، فأتاه قائد الجيش يزيد يعوده فقال:
- ما حاجتك يا أبا أيوب؟
قال: حاجتي إذا أنا مت فاركب بي ما وجدت مساغاً في أرض العدو فادفني، فإنكم سوف تعودون إلي، ولن تنسوا قبر صاحب نبيكم حتى تحرروا الأرض التي ثوى فيها.
وانتقل أبو أيوب إلى رحمة الله ونفّذ المسلمون وصيته، فحملوه حتى جاؤوا أسوار القسطنطينية فدفنوه قربها.. ولكن الروم أخذوا يسخرون منهم وقالوا:
- والله لننبشنَّ قبره، ولنلقينّ بجثته للكلاب.
فقال لهم قائد الجيش:
- والله لو مسستم صاحبنا بسوء، أو نبشتم قبره، لننبشنّ قبور الروم في الشام كلها,
وللروم في الشام مالا يحصى من القبور. فخاف الروم على قبورهم في الشام، ونادوا من فوق الأسوار:
- يا معشر المسلمين إنا وحق المسيح لا نعرض لقبر صاحبكم بسوء ولا ندع أحداً يمسه..
ولخوف الروم من أن يقوم بعض الناس بنبش قبر أبي أيوب على غير علم منهم، فقد أقاموا حراساً يحرسون قبر أبي أيوب في الليل والنهار، ولم يأذن الله بفتح القسطنطينية في ذلك الحين.


ومرت الأعوام.. حتى جاء الخليفة العثماني السلطان محمد الفاتح –رضي الله عنه- الذي قاد معارك الجهاد الإسلامي ودوخ أوروبا ودحر جيوش الرومان في كل مجال وفي كل معركة.
وحشد السلطان المجاهد القوات الإسلامية واندفع بهم إلى القسطنطينية عاصمة الروم الدينية والدنيوية والتي فيها كنيستهم العظمى أيا صوفيا، فحاصر السلطان بقواته البحرية والبرية، المدينة الحصينة، التي كان البحر يحميها ويحيط بها من ثلاثة جوانب، إضافة إلى سور عال متين، واستعمل السلطان خطة حربية متنكرة ما خطرت ببال، فقد كان الروم يسدّون فم الخليج بسلاسل ضخمة من الحديد، تمنع مرور السفن، إلى الجهة الشمالية الشرقية من المدينة، حيث كان السور ضعيفاً.
فأمر السلطان بقطع الأخشاب، وفرشها على الشاطئ، ومرور السفن فوقفها جراً بواسطة الثيران والجنود حتى أدخلها الخليج!!
تم كل ذلك في ظلام الليل، فما أصبح الصباح إلا والأسطول الإسلامي، يمخر غباب الخليج ويضرب بمدافعه القوية الأسوار الضعيفة فيحدث فيها فجوات وثغرات كبيرة، اندفع من خلالها المسلمون مكبرين مهللين.. وفتح الله القسطنطينية على يد السلطان العثماني المسلم محمد الفاتح وصلى في الكنيسة العظمى ركعتي الشكر لله رب العالمين، وحولها مسجداً للمسلمين، خاصة بعد أن دخل كثير من نصارى المدينة في الإسلام بعد أن رأوا عدالته ونزاهة أهله..
وجاء السلطان العظيم يبحث عن قبر أبي أيوب الأنصاري فوجد القبر، ووجد أن الروم لا يزالون يقيمون عليه حرساً مسلحاً لحمايته، فتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاءه لأبي أيوب: وقوله: "حرسك الله حياً وميتاً" فقال السلطان المجاهد:
"نحن أحق بهذا منهم"
فأمر بأن تقام الحراسة على القبر، وأن تبقى كما كانت وتستمر..
ومن يزور مدينة إستانبول، التي اشتق اسمها من (إسلام بول) أي مدينة الإسلام، وهي مدينة القسطنطينية سابقاً، وزار معالمها الأثرية الهامة، وعنّ له أن يزور قبر أبي أيوب الأنصاري الصحابي المجاهد رضي الله عنه فإنه سيقف أمام القبر الشريف حائراً مشدوهاً، حين يرى عسكرياً شاكي السلاح يقف بانتباه يحرس قبر الصحابي الجليل، وسيهزه الخشوع لجلال الموقف حين يعلم أن هذه الحراسة وهذا الحفظ كان ولا يزال مستمراً عبر القرون منذ وفاة الصحابي الجليل وحتى يومنا هذا..
وأن دعوة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب تتحقق عبر الزمان، لتكون شاهداً حياً ومعجزة خالدة باقية..

حرَسَكَ اللهُ حَياًّ وَمَيِّتا حديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب الأنصاري
وتحقق حتى يومنا هذا 
هو أبو أيوب، خالد بن زيد، من بني النجار، الأنصاري، أحد السابقين الأولين في الإسلام من الأنصار، ورجل فاضل من أفاضل المدينة المنورة قبل الإسلام وبعده، وقال ابن إسحاق: شهد أبو أيوب بيعة العقبة الثانية، وذكره عروة بن الزبير بن العوام والجماعة رضي الله عنهم في البدريين، وعن ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أبي أيوب، ومصعب بن عمير رضي الله عنهما، وخصّه النبي صلى الله عليه وسلم بالنزول ضيفاً عليه في بني النجار إلى أن بُنِيَتْ للنبي حُجرة أم المؤمنين سودة بنت زمعة , وبني المسجد النبوي الشريف.

دعاء رسول الله لأبي أيوب
نقض اليهود عهودهم مع المسلمين، فأجلاهم رسول الله عن المدينة، وأوقع ببني قريظة بعد غدرهم بالمسلمين "يوم الأحزاب" فغزا بالمسلمين حصون اليهود في خيبر، وحصن القَمُوْص، فانتصر المسلمون، وبعد النصر تزوج النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب، وكان الزواج في قبة نُصبت له، وفي تلك الليلة خرج النبي لحاجته، فإذا به يسمع قعقعة السلاح فقال: من هناك؟
فأجابه صوت: أنا أبو أيوب يا رسول الله.
قال: وماذا تفعل هنا؟
قال: يا رسول الله، إنك قد أنكيت في القوم، وقد دخلت اليوم بابنة زعيمهم، فخشيت عليك غدرهم، فبتّ أحرسك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "حَرَسَكَ اللهُ حَياًّ وَمَيِّتاً."
واستجاب الله لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم فكان أبو أيوب يخوض المعارك مجاهداً في سبيل الله، ويحميه الله، وتحرسه عنايته، فلا يصاب بأذى. 

الغزوة الأخيرة كانت أول محاولة لفتح القسطنطينية سنة 34هـ / 654 م. في عهد أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث أرسل جيشا بقيادة معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما فحلصرها ولم يتمكن من فتحها بسبب الأسوار المنيعة التي كانت حول القسطنطينية، ولَمّا تجاسر الروم على ثغور المسلمين الشمالية أرسل الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما جيشاً برياًّ وبحرياًّ من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم لغزوِ الرومِ بقيادة يزيد بن معاوية، فعبر المسلمون الفرسان والمشاة خليج البوسفور غرباً، وخليج القرن الذهبي جنوباً، وحاصروا القسطنطينية من الغرب، وخرج إليهم الروم وتصافّ المسلمون صفّين عريضين لم يُرَ مثلهما، والروم ملصقون ظهورهم بسور القسطنطينية، فحمل عليهم فارس من المسلمين، فقال الناس: إنه يلقي بيده إلى تهلكة. 
فقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: "أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، وإنما أنزلت فينا معشر الأنصار.. إنّا لما نصر الله نبيَّه وأظهر الإسلام، قلنا بيننا معشر الأنصار خفياً من رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا قد تركنا أهلنا وأموالنا أن نقيم فيها ونصلحها حتى نصر الله نبيه، هلم نقيم في أموالنا ونصلحها. فأنزل الله الخبر من السماء فقال: "وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" سورة البقرة، الآية: 195. فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: "أن نقيم في أموالنا ونصلحها، وندع الجهاد".؟ 


مرض الوفاة
مرض أبو أيوب الأنصاري مرضاً شديداً أثناء حصار القسطنطينية، فوضعه المسلمون في محفّة بناء على طلبه، وكانوا ينقلون تلك المحفة إلى الأماكن التي تميل فيها كفة القوة لصالح الروم، فترجح كفة القوة الإسلامية جراء الحماس الذي كان يثيره في النفوس وجود أبي أيوب الذي كان يأمل الشهادة، ولو كان محمولاً بالمحفة، ولما دنا أجله أتاه يعوده قائد الجيش يزيد ابن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم, 
فقال له يزيد: قل لي حاجتك يا أبا أيوب؟
قال أبو أيوب: "نعم, إذا أنا مِتُّ, إذا شئتَ فارْكَبْ ثم سُغْ في الأَرض ما وجدْتَ مَساغاً، أَي: ادخل فيها ما وجدْت مدخلاً، فإذا لم تجد مساغا, فادفني, ثم ارجع، فإنكم سوف تعودون إليَّ، ولن تنسَوا قَبْرَ صاحب نبيكم حتى تُحرِّروا الأرض التي ثوى فيها".
" وكان يردّد قول الله عزّ وجلَّ: "انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" سورة التوبة، الآية: 41. وكان يقول: "لا أجدني إلاّ خفيفاً أو ثقيلا". 


وفاة أبي أيوب
انتقل أبو أيوب الأنصاري إلى رحمة الله ونفّذ المسلمون وصيته، فحملوه حتى جاؤوا به إلى الشمال الغربي من أسوار اسطنبول "القسطنطينية" وصلى عليه يزيد والناس صلاة الجنازة, ثم دفنوه على مقربة من الضفة الجنوبية لخليج القرن الذهبي.
وحينذاك أخذ الروم يسخرون من المسلمين من فوق الأسوار ويقولون: لننبشنَّ قبره، ولنلقينّ بجثته للكلاب.
فأرسل إليهم يزيد بن معاوية بن أبي سفيان: والله لو مسستم صاحبنا بسوء، أو نبشتم قبره، لننبشنّ قبور الروم في الشام كلها, والله لئن نبش, لا ضُرِبَ بناقوس في بلاد العرب.
فخاف الروم على قبورهم في الشام، ونادوا من فوق الأسوار: يا معشر المسلمين إنا وحق المسيح لا نعرض لقبر صاحبكم بسوء ولا ندع أحداً يمسه.
ولخوف الروم من أن يقوم بعض الناس بنبش قبر أبي أيوب على غير علم منهم، فقد أقاموا حُراساً يحرسون قبر أبي أيوب خشية أن ينبشه الغوغاء، وينفذ المسلمون توعدهم بنبش قبور الروم في الشام، فكانوا إذا قحطوا, كشفوا عن قبره, فأمطروا.
قال الواقدي : توفي أبو أيوب الأنصاري عام غزا يزيد في خلافة أبيه معاوية بن أبي سفيان القسطنطينية، فلقد بلغني: أن الروم يتعاهدون قبره, ويرممونه, ويستسقون به.
وروي أنه لما حضر أبا أيوب الموت; دعا الصحابة والناس, فقال: إذا قبضت, فلتركب الخيل , ثم سيروا حتى تلقوا العدو , فيردوكم , فاحفروا لي, وادفنوني , ثم سووه! فلتطأ الخيل والرجال عليه حتى لا يعرف, فإذا رجعتم, فأخبروا الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرني: (أنه لا يدخل النار أحد يقول : لا إله إلا الله). 


تحرير قبر أبي أيوب
مرت القرون والقسطنطينية منيعة، وصمدت مدة طويلة بعدما فتح العثمانيون أدرنة سنة 763 هـ/ 1361م، واتخذوها عاصمة لهم، وتوسعوا في فتوحات البلقان شمال نهر الطونة (الدانوب)، وبعد انتصار السلطان مراد الأول واستشهاده في نهاية معركة كوسوفو سنة 791 هـ/ 1389م. حاول العثمانيون فتح القسطنطينية في عهد السلطان أبا يزيد الأول، وفي زمن السلطان مراد الثاني، ولكن الفتح تحقق سنة 857هـ/ 1453م بقيادة السلطان محمد الثاني (الفاتح) ابن مراد الثاني بن محمد شلبي بن أبا يزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان بن عثمان الأول (المتوفى سنة 726 هـ/ 1326م). 
منذ طفولة السلطان محمد الفاتح، وهو يسمع من شيوخه الحديث النبوي الشريف "‏‏لَتُفْتَحَنَّ ‏‏ الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ ‏ ‏فَلَنِعْمَ الأَمِيرُ أَمِيرُهَا وَلَنِعْمَ الْجَيْشُ ذَلِكَ الْجَيْشُ"، وكثيراً ما كان يردده، ويتذكر ‏مَسْلَمَة بْن عَبْدِ الْمَلِكِ بن مروان ‏ ‏الذي غَزَا ‏‏ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وبنى في شمالها جامع العرب الذ مازال قائماً إلى الشمال من خليج إسطنبول.
وقبل الهجوم الأخير اكتشف السلطان وشيخه أق شمس الدين قبر أبي أيوب الأنصاري، فتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودُعاءَه لأبي أيوب: وقوله لأبي أيوب: "حَرَسَكَ اللهُ حَياًّ وَمَيِّتاً" و منذ ذلك الوقت أمر السلطان بتنظيم الحراسة على القبر، وما زالت مستمرة منذ الفتح حتى الآن، وكانت مراسم السلطنة العثمانية تقتضي أن يستلم السلطان الجديد سيف عثمان الأول حسب المراسم في جامع أبي أيوب الأنصاري، ويشرب من بئر الشفاء المجاورة للضريح. ومع الأيام نشأت حول الضريح محلة كبرى تُعرف عند الأتراك باسم: "أيوب سلطان"، ومن عادات الأتراك زيارة الأطفال لجامع أبي أيوب بعد الختان، وكذلك تزوره العرائس والعرس في أسبوع الزواج، ولا تخلو ساحة الجامع من الناس ليلاً ونهاراً. 
وهكذا تمت حراست ابو ايوب الانصاري رضي الله عنه حيا وميتا مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "حرسك الله حيا وميتا "




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق