عسقلان ومكانتها في الاسلام
عسقلان مدينة اسلامية عريقة
مقدمة
عسقلان, احدى أهم المدن الساحلية في فلسطين, مدينة تطل على البحر المتوسط لتكون احدى أميراته الساحرات على بعد ٢٠ كم شمال شرق غزة , و ككل مدينة في فلسطين عايشت عسقلان عصورا مختلفة و حملت تسميات عديدة, منها مجدل عسقلان و مجدل جاد, و لعل الاسم الأخير يعكس اثنين من صفاتها, فأما مجدل فهي كلمة آرامية تعني البرج والقلعة والمكان المرتفع, و أما جاد فهي كنعانية تعني اله الحظ.
أما عسقلان, فكلمة عديدة المعاني تشير التفسيرات أن أصلها عربي كنعاني بعمنى المهاجرة أو قد يحمل معنى أعلى الرأس أو ربما الأرض الصلبة المائلة الى البياض.
تدل الرسائل الفرعونية التي أشارت الى المدينة منذ القرن التاسع عشر قبل الميلاد و الآثار التي تم العثور عليها في المدينة على قدم الاستيطان فيها اذ يعود ذلك الى 3500 عام قبل الميلاد في العصر الحجري وهي بذلك احدى أقدم مدن العالم على الاطلاق, كانت المدينة على مر عصورها مزدهرة و ان خبا نورها لوهلة بعد كل احتلال, فكانت منذ عهد الكنعانيين القدماء مركزا بالغ الأهمية على الصعيد التجاري و الاداري و واحدة من كبرى موانىء البحر المتوسط, أما الحرفة الأكثر انتشارا بين سكانها فكانت صناعة الأقمشة, أما اليوم فشهرتها تشير الى براعة سكانها في صناعة النسيج, و هي مهنتهم المتوارثة منذ آلاف السنين.
أسدود احدى نواحي عسقلان
و اذا ما أراد المرء أن يشيد بالمدينة و أهلها فليس ما هو أفضل من ذكر كلمات النبي صلى الله عليه و سلم اذ قال:
عَسْقَلَانُ أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَيُبْعَثُ مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفًا شُهَدَاءَ وُفُودًا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهَا صُفُوفُ الشُّهَدَاءِ رُءُوسُهُمْ مُقَطَّعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ تَثِجُّ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا يَقُولُونَ رَبَّنَا آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَيَقُولُ صَدَقَ عَبِيدِي اغْسِلُوهُمْ بِنَهَرِ الْبَيْضَةِ فَيَخْرُجُونَ مِنْهَا نُقِيًّا بِيضًا فَيَسْرَحُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا
مسند احمد مسند انس بن مالك ج26 ص424
عن عبد الله بن عمر عن عمر بن الخطاب ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر أهل مقبرة يوما ، قال : فصلى عليها فأكثر الصلاة عليها ، قال : فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : « أهل مقبرة شهداء عسقلان ، يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها »
وعن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى في الرمل في شدة الحر فأحرق قدميه فقال :
لولا رمل بين غزة وعسقلان لعبت الرمل.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و أرضاها:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وفي ليلتي فلما كان بعض الليل قام فخرج إلى البقيع فأدركتني الغيرة فخرجت في أثره فقال يا عائشة أما إنه ليس بين المشرق والمغرب مقبرة أكرم على الله عز وجل من الذي رأيت إلا أن تكون مقبرة عسقلان قال قلت وما مقبرة عسقلان قال رباط المسلمين قديم يبعث الله فيها يوم القيامة سبعين ألف شهيد لكل شهيد شفاعة لأهل بيته.
عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على مقبرة فقيل له يا رسول الله أي مقبرة هذه فقال هي مقبرة بأرض العدو يقال لها عسقلان يفتحها أناس من أمتي يبعث الله منها تسعين ألف شهيد يشفع الرجل منهم في مثل ربيعة ومضر ولكل عروس وعروس الجنة عسقلان.
ان كنت قد تعلقت بتاريخ هذه المدينة و سحرها و جمالها و مباركة الله لها و جهله اياها "أفضل الرباط" اذ قال نبيه صلى الله عليه و سلم:
(أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكا ورحمة ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان.)
لابد لك اذا من الغضب اذا ما علمت أن الغالبية الساحقة اليوم من ساكنيها هم من اليهود, بعد أن تم تهجير سكانها ليحل محلهم من يحول المسجد الى بار و مطعم كما حل بمسجد الحسين في مجدل عسقلان, تخيل أن بيت الله اليوم يدنس في كل وقت, يدخله الصهاينة متى شاؤوا و أما أهله فلا حق لهم به, يتم تناول المشروبات المحرمة فيه بالطبع. و لتكتمل الصورة, لابد من الاشارة الى عنوان اعلان المطعم في احدى أهم الصحف الصهيونية: سمك في مسجد عسقلان.
في مطعمهم هذا متحف تاريخي أيضا لتاريخ مزور, لا يذكر لعسقلان أهلا منكوبين بطردهم منها و لكنه يذكر تحت صورة للعصابات الصهيونية أثناء احتلال المدينة عبارة "تحرير المدينة".
اليك صورا لمكان كان يوما بيتا لعبادة الله..
| |
| |
احاديث صحيحة عن عسقلان
الحديث صححه الألباني وذكره في السلسلة الصحيحة ورقمه (3270)
أخرج الطبراني في “المعجم الكبير” ورواته ثقات عن ابن عباس، قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: “أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكاً ورحمة، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر، فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان”.
وهو موجود كذلك في كتاب كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَسْقَلَانُ أَحَدُ
الْعَرُوسَيْنِ يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا
حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَيُبْعَثُ مِنْهَا خَمْسُونَ أَلْفًا شُهَدَاءَ وُفُودًا
إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبِهَا صُفُوفُ الشُّهَدَاءِ رُءُوسُهُمْ
مُقَطَّعَةٌ فِي أَيْدِيهِمْ تَثِجُّ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا يَقُولُونَ رَبَّنَا
آتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
فَيَقُولُ صَدَقَ عَبِيدِي اغْسِلُوهُمْ بِنَهَرِ الْبَيْضَةِ فَيَخْرُجُونَ
مِنْهَا نُقِيًّا بِيضًا فَيَسْرَحُونَ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءُوا
مسند احمد مسند انس بن مالك ج26
ص424
وروى الدارقطني ، في " كتابه المخرج على الصحيحين " ، بإسناده عن ابن عمر ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على مقبرة ، فقيل له : يا رسول الله ، أي مقبرة هي ؟ قال : مقبرة بأرض العدو ، يقال لها : عسقلان ، يفتتحها ناس من أمتي ، يبعث الله منها سبعين ألف شهيد ، فيشفع الرجل في مثل ربيعة ومضر ، ولكل عروس ، وعروس الجنة عسقلان } . وبإسناده ، عن ابن عباس رضي الله عنه { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أريد أن أغزو . فقال : عليك بالشام وأهله ، ثم الزم من الشام عسقلان ، فإنها إذا دارت الرحى في أمتي ، كان أهلها في راحة وعافية . }
| |
عسْقَلان قبل الاسلام
بفتح أوله وسكون ثانيه وفتح القاف ولام وألف ونون. بلدة قديمة، بناها الكنعانيون العرب الذين استقروا في بلادنا في فجر تاريخها.
يقول هيرودوتس، المؤرخ اليوناني، إنّ أول بناء أقيم للإله (ديركتو _ Derketo) كان في عسقلان[33]. وهذه الإلهة لها وجه المرأة وجسم السمكة؛ وكان عبّادها يمتنعون عن تناول السمك إكراماً لها؛ وكانوا، بقرب هياكلها، يغذون لإكرامها سمكاً يربونه في أحواض يشيدونها لهذا الغرض.
ويخبرنا التاريخ أيضاً، انه كان في عسقلان معبد للبعلة أو (الرَبَّة الأم)؛ وان الحمامة كانت طيراً مقدساً عندها. ويقول هيرودوتس إن الذين أسسوا معبداً للربة الم في قبرص كانوا جماعة من الكنعانيين من مدينة عسقلان[34].
وقد وجدت صور على جدران الكرنك في مصر تمثل حصار عسقلان من قبل جيوش رعمسيس الثاني في السنة التاسعة من ملكه (1301ـ1224ق.م)؛ كما وان ألواح تل العمارنة تفيد بأن ملكها (يادايا داجون تاكالا Yadaya Tacala Dajon كان تابعاً لأمنحوتب المصري[35].
ولما نزل الكريتيون (الفلسطينيون) بلادنا كانت عسقلان المدينة الوحيدة من مدنهم الخمس التي تقع مباشرة على ساحل البحر.
ومن أشهر حوادث عسقلان التاريخية، بعد استقرار هؤلاء الكريتيين فيها تدميرهم لصيدا الفنيقية في نحو القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
تذكر لنا الآثار الخاصة بسَنحاريب الأشوري 705 _ 681ق.م. أنه حوالى سنة 700 ق.م كانت المدن الفلسطينية يافا وجوارها مثل (بني براق) و (بيت داجون) و (آزورو _ يازور) تابعة لـِ (زيدكا – Zidka) ملك عسقلان، الذي قاد ثورة الفلسطينيين ضد الآشوريين. ولكن سنحاريب عاقب عسقلان على عصيانها.
وفي أثناء هجوم (السكيتيين)[36] على سوريا، في القرن السابع قبل الميلاد، احتلوا عسقلان ودمروا معابدها وكان ذلك في نحو 625 ق.م.
وقد وُلد في عسقلان (هيرودوس الكبير)[37] الآدومي الذي حسنها وزينها فبنى فيها الحمامات وأحواض المياه والصروح العظيمة والدور الفاخرة والمسارح والأروقة، كما اقامت فيها أخته (سالومي).
ولما ظهرت الديانة المسيحية كانت عسقلان كغزة حصناً من حصون الوثنية؛ وقاومت المسيحية مقاومة عنيفة؛ الا انها ما لبثت ان دخلت في الدين الجديد وأخيراً أصبحت مركزاً لآسقفيه في القرن الرابع للميلاد ومع الزمن أضحت المسيحية ديانتها الى ان استولى عليها العرب المسلمون في القرن السابع.
وقد ذكرنا حوادث هذه البلدة التي جرت لها في العصور القديمة؛ وما كانت عليه من ازدهار في مزروعاتها وتجارتها وصناعتها ومدارسها وأسماء بعض من ظهر منها من علماء وأدباء وغيرهم في تلك العصور في الجزء الأول القسم الأول من هذا الكتاب، ما يُستغنى عن ذكره ثانياً هنا.
عسقلان من الفتح العربي الاسلامي إلى سقوطها بيد الصليبيين
23 _ 548 ه: 644 _ 1153م.
لما فتح العرب المسلمون بلاد الشام امتنعت عسقلان وحوصرت زمناً طويلاً، وفي فتوحها قال البلاذري: (كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى معاوية يأمره بتتبع ما بقي من فلسطين، ففتح عسقلان صلحاً بعد كيد. ويقال إن عمرو بن العاص كان فتحها ثم نقض أهلها، وأمدّهم الروم، ففتحها معاوية وأسكنها الروابط ووكّل بها الحفظة)[38]. وعلى كل فإنها كانت آخر مدينة استسلمت للعرب المسلمين في فلسطين وانتهت بفتحها سنة 23ه: 644م. الحرب في هذا القطر ودخل في حوزة المسلمين.
وقد روي في عسقلان وفضائلها أحاديث مأثورة عن الرسول عليه السلام.
وبعد الفتح نزلها جماعة من الصحابة والتابعين وحدث بها خلق كثير[39].
ومن أشهر حوادثها بعد الفتح العربي:
(1) في أيام عبد الله بن الزبير[40] نزل الروم عسقلان وأخربوها وأجلوا أهلها عنها. ولما ولي (عبد الملك بن مروان 26ـ86ه: 646_705م) الخلافة أعاد بناءها وحصنها[41].
(2) وفي سنة 237ه حدثت في عسقلان حريقة عظيمة التهمت البيوت والبيادر وهرب الناس ودامت الى ثلث الليل[42].
(3) وفي عهد الدولة الفاطمية كانت السواحل السورية معرضة لغزو البيزنطيين مما اضطر الفاطميين لأن يكونوا لهم اسطولاً قوياً، كانت عسقلان أحد مراكزه للرسو والاقلاع.
(4) لما ابتدأ أمر القرامطة يعظم في سورية، أرسل إليهم الفاطميون جيشاً بقيادة جوهر الصّقلّي. وفي جهات دمشق هزم (أبو منصور أفتكين) ـ وفي بعض التواريخ هَفْتكين ـ أحد قادة العباسيين وحلفاؤه القرامطة جوهراً واضطروه للتراجع إلى طبرية ومنها إلى الرملة. ثم إلتقى الجمعان (366ه) عند الطواحين، على ضفاف نهر العوجاء، إلاّ انّ جوهراً رأى بأنّ لا قدرة له على المقام والمقاومة فرحل الى عسقلان فتبعه الفتكين والقرمطي فنزلا عليه وحاصراه فيها. ويصف ابن القلانسي هذا الحصار بقوله: (… ضاقت الميرة بجوهر وغلت الأسعار عنده، وكان الوقت شتاء لم يمكن حمل الأقوات إليه في البحر، واشتدت الحال حتى أكلت المغاربة وأهل البلد الدواب الميتة وابتاعوا الخبز إذا وجدوه حساب كل خمسة أرطال شامي بدينار معزّي… وزاد الضيق والشدة على المغاربة، وتصوّر جوهر العطب إن لم يُعمل الحيلة في الخلاص. فراسل الفتكين سراً وسأله القرب منه والاجتماع معه، ففعل ذلك الفتكين ووقفا على فرسيهما فقال له جوهر: قد علمت ما يجمعني وإياك من حرمة الاسلام وحرمة الدين وهذه فتنة قد طالت وأُريقت فيها الدماء ونحن المأخوذون بها عند الله تعالى، وقد دعوتك الى الصلح والموادعة والدخول في السلم والطاعة، وبذلت لك كل اقتراحٍ وارادةٍ واحسان وولاية، فأبيت إلا القبول ممن يشبّ نار الفتنة ويستر عنك وجه النصيحة فراقِب الله تعالى وراجع نفسك وغلّب رأيك على هوى غيرك. فقال له الفتكين: انا والله واثق به وبصحة الرأي والمشورة منك لكنني غير متمكن مما تدعوني إليه ولا يرضى القرمطي بدخوله فيه معي. فقال: له: اذا كان الرأي والأمر على ذلك فاني أصدقك على أمري تعويلاً على الأمانة وما اجده من القوّة عندك فقد ضاق الأمر وامتنع الصبر وأريد ان تمن عليّ بنفسي وبهؤلاء المسلمين الذين معي وعندي وتذمّ لي لأمضي وأعود الى صاحبي شاكراً وتكون قد جمعت بني حقن الدماء واصطناع المعروف وعقدت عليّ وعلى صاحبي مِنّة تحسن الا حدوثة عنك فيها وربّما املتُ المقابلة لك عنها. فقال له الفتكين: افعل وامن على ان أُعلق سيفي ورمح الحسن بن أحمد (القرمطي) على باب عسقلان وتخرج أنت وأصحابك من تحتها. فرضي جوهر بذلك وتعاهدا وتصافحا عليه.. وافترقا وعاد الفتكين الى عسكره وجوهر الى البلد وأنفذ الفتكين الى القرمطي يعرفه ما جرى بينه وبين جوهر فركب الحسن إليه وقال له: لقد اخطأت فيما فعلته وبذلته. وجوهر هذا ذو رأي وحزمٍ ودهاءٍ ومكر وقد استقلّك بما عقده معك وسيرجع الى صاحبه ويحمله على قصدنا ثم لايكون لنا به طاقة فيأخذنا؛ ومن الصواب ان ترجع عن ذلك حتى يهلك هو وأصحابه جوعاً وتأخذهم بالسيف. فقال له الفتكين: قد عاهدته وحلفت له وما أستجيز الغدر به. وعلقا السيف والرمح وخرج جوهر واصحابه تحتهما ووصل الى مصر)[43]. وهكذا عاد جوهر الى مصر، بعد ان أقام في عسقلان وبظاهر الرملة نحواً من سبعة عشر شهراً.
* * *
وصف عسقلان أبو عبد الله محمد بن البشاري المقدسي المتوفى في نحو 380ه: 990. بقوله: عسقلان على البحر، جليلة كثيرة المحارس والفواكه، ومعدن[44] الجميز. جامعها في البزازين[45]، قد فرش بالرخام. بهية، فاضلة، طيبة، حصينة. قَزُّها[46] فائق وخيرها دافق والعيش بها رافق. اسواق حسنة ومحارس نفيسة؛ إلا ان ميناءها رديء، وماءها عذيبي ودَلمها مؤذٍ)[47].
وزارها، في القرن الخامس الهجري، ناصر خسرو وذكرها بقوله: (ثم بلغنا مدينة تسمى عسقلان. بها سوق وجامع جميل. رأيت بها طاقاً جميلاً، قيل إنه كان مسجداً. وهو طاق من الحجر الكبير. ولو أرادوا هدمه للزمهم انفاق مال كثير)[48].
وفي سنة 425 ه. حصلت زلزلة في فلسطين سقطت على أثرها منارة جامع عسقلان وجزر البحر نحو ثلاثة فراسخ فخرج الناس يتتبعون السمك والصدف. فعاد الماء فأخذ قوماً منهم وغمرهم.
وفي عهد الفاطميين كانت عسقلان احدى الدور[49] التي كانت تضرب فيها النقود، كما كانت هي وعكا من الموانىء التي تصنع فيها الأساطيل.
* * *
اشتهرت عسقلان بكثرة من وُلد فيها أو استوطنها من رجال عرفوا بعلمهم وفضلهم؛ وهاك بعضهم حتى بدء الحروب الصليبية:
(1) أبان بن صلح بن عمير بن عبيد أبو بكر القرشي: من رواة الحديث. ولد سنة 60ه ومات بعسقلان سنة بضع عشرة ومائة[50].
(2) عمر بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن عمر العمري؛ من الرواة والعباد. وقالوا عنه انه كان أفضل أهل زمانه، وانه لم يكن في آل عمر أفضل منه، توفي في عسقلان سنة 150ه[51].
(3) الحسن بن عمران أبو عبد الله العسقلاني: من رواة الحديث في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.
(4) أبو الحسن آدم بن أبي إياس، بكسر الهمزة وتخفيف الياء. اسمه عبد الرحمن. أصله من خراسان. نشأ ببغداد، ثم رحل إلى الكوفة والبصرة والحجاز ومصر والشام واستوطن عسقلان. وتوفي فيها سنة 220ه. في خلافة أبي اسحاق بن هارون الرشيد، وهو ابن ثمان وثمانين سنة[52]. كان ثقة صالحاً قانتاً لله.
(5) وارث بن الفضل العسقلاني؛ من العلماء والأدباء الذين ظهروا في القرن الثالث للهجرة.
(6) محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن العسقلاني الحافظ مولى بني هاشم، كان فاضلاً زاهداً محدثاً. مات بعسقلان سنة 238ه. وكان من الأئمة الحفّاظ الرّحالين[53].
(7) أبو يحيى بن نباتة، خطيب الخطباء، عبد الرحيم بن محمد بن اسماعيل بن نباتة الفارقي[54] اللخمي العسقلاني المولد المصري الدار. كان خطيباً مصقعاً عرف بسعة علمه وقوة قريحته. خدم سيف الدولة في حلب وكان يحثه في الجهاد. مات سنة 374[55].
(8) محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسين الملطي الشافعي. نزيل عسقلان. فقيه مقرىء ثقة. كان كثير العلم، كثير التصنيف في الفقه. يقول الشعر مات بعسقلان سنة 377ه[56].
(9) أحمد بن مطرف أبو الفتح العسقلاني: كان مولده سنة نيف وعشرين وثلاثمئة. توفي سنة ثلاث عشرة واربعمائة (413ه). كان قاضياً بدمياط، وأديباً فاضلاً له كتب كثيرة مصنفة في الأدب وفي اللغة وغيرها؛ وله ديوان شعر[57].
(10) أبو علي الحسن بن أحمد بن أبي الناس العسقلاني: كان أديباً وشاعراً[58] ظهر في عهد الحاكم بأمر الله أبو علي منصور الفاطمي ـ 386 ـ 411ه: 996 ـ 1021م.
(11) أبو علي الحسن بن عبد الصمد بن الشَّخْبَاء العسقلاني. قال ابن خلكان: (صاحب الخطب المشهورة والرسائل المحبَّرَة. كان من فرسان النثر، وله فيه اليد الطولى. ويقال إن القاضي الفاضل _رحمه الله_ كان جل اعتماده على حفظ كلامه وأنه كان يستحضر أكثره، وذكره عماد الدين الأصبهاني في الخرِّيدة، فقال: المجيد مجيد كنعته، قادر على ابتداع الكلام ونحته، وله الخطب البديعة، والملح الصنيعة[59]. وله نظم، توفي سنة 482ه. في القاهرة وقد كتب للمستنصر[60] في ديوان الرسائل بمصر.
(12) أبو الحسن محمد بن عبد العزيز الديماسي: من رواة الحديث. ولد في القرن الرابع الهجري وتوفي في القرن الخامس والديماس موضع في وسط عسقلان، عال يطلع اليه وفيه عمد بقرب الجامع[61].
(13) الخليفة الحافظ لدين الله؛ هو أبو الميمون عبد المجيد بن محمد بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم بأمر الله، الحادي عشر من الخلفاء الفاطميين. ولد في عسقلان سنة سبع وستين وأربعمائة. ولذلك كان يلقب باسم الأمير عبد المجيد العسقلاني. بويع بالخلافة عام 524ه: 1231م. وعمره 57 سنة. توفي سنة 544ه: 1149م كان كثير المرض بالقُوْلَنج[62]، كثير المداراة، جماعاً للمال، يغلب عليه الحلم.
(14) اسماعيل بن جابر بن سعيد أبو محمد العسقلاني[63]. من رواة الحديث توفي في الرملة عام 423ه.
(15) علي بن الحسين بلبل العسقلاني. من الشعراء والنحاة[64].
(عسقلان في الحروب الصليبية)
بعد أن استولى الصليبيون على القدس في يوم 23 شعبان 492ه: 15 تموز 1099 م. اضطربت مصر، كما اضطرب لذلك العالم الإسلامي اضطراباً عظيماً، واصبحت تخشى على مصيرها. فسار الأفضل[65] لمحاربة الصليبيين الذين خرجوا لملاقاته بقيادة (جودفري دو بويون – Gaudefroy de BouilloN) والتقى الجمعان بظاهر عسقلان بالقرب من المكان الذي تقوم عليه قرية (حمامة) اليوم، في عام 492ه: 12/8/1099م. وكان القتال حامياً إلاّ أنّ النصر حالف الأوروبيين وحلّت الهزيمة بالفاطميين وتشتت شملهم، حتى إنّ بعضهم لم يجد له مفراً سوى البحر فألقوا بأنفسهم باليم حيث غرقوا، في حين احتمى البعض الآخر بشجر الجميز وكان هناك كثيراً، فأحرق الفرنج بعض الشجر حتى هلك من كان فيه. أما الوزير الأفضل فقد إلتجأ إلى عسقلان، وبعد أن نظم الدفاع عنها ركب سفينة وأبحر فيها إلى مصر. قال ابن القلانسي: (وتمكنت سيوف الإفرنج من المسلمين فأتى القتال على الراجل والمطوّعة وأهل البلد وكانوا زهاء عشرة آلاف نفس ونهب العسكر)[66].
حاصر الصليبيون عسقلان وأخذوا يشددون عليها الحصار ولكن بفضل ما أبداه المحصورون من ثبات وشجاعة لم يتمكن الافرنج من دخولها فاضطروهم للعودة الى بيت المقدس ولكن قبل رحيلهم أحرقوا ما حول المدين من مزروعات وأشجار. ويقال إن الأسباب التي دعت لعودة جودفري بوايون وجماعته للقدس قبولهم عشرين ألف دينار رشوة تحمل إليهم من المحصورين ولما شرع هؤلاء في جبايتها اختلف رؤساء الافرنج فرحلوا (ولم يقبضوا شيئاً)[67].
عاد الأفضل لمصر وفيها جهز جيشاً كثيفاً أرسله لعسقلان لمحاربة الصليبيين بقيادة (سعد الدولة القواسي). والتقى الجمعان بعسقلان في عام 493ه. ووقف سعد الدولة في القلب، فقاتل قتالاً شديداً، فكبا به فرسه فاستشهد وثبت المسلمون بعد قتله وحملوا على الافرنج وهزموهم الى يافا، بعد ان قتلوا منهم اناساً كثيرين. ويقال إنه لم يقتل من المسلمين سوى القائد المذكور ونفر يسير[68].
كان المصريون وخاصة الخليفة الحافظ العسقلاني، المار ذكره، يرسلون البعوث العسكرية والبحرية، بين آونة وأخرى، الى عسقلان حاملين معهم المؤن والأموال لمساعدة سكانها الأبطال الذين كانوا يتألفون من الكنانيين وغيرهم من العرب الأقحاح، وقد كان القتال سائداً بين العسقلانيين والأوروبيين طيلة المدة التي سبقت سقوط البلدة في أيدي الصليبيين عام 548ه.
ذكر صاحب (معجم البلدان 5/40) المتوفى عام 626ه: 122م. قرية اسمها (المأزمين)، بينها وبين عسقلان نحو فرسخ[69] كانت بها وقعة بين الكنانية أهل عسقلان والأفرنج مشهورة. لايوجد في جوار عسقلان اليوم موقع بهذا الاسم، نما هناك بقعة تعرف باسم (الياسمين) للجنوب الغربي من قرية بربرا، لاتبعد عنها بأكثر من كيلومتر. فمن المحتمل أن تكون هذه البقعة هي التي كانت عليها (المأزمين)، لم يذكر لنا ياقوت تاريخ تلك الوقعة فلعلها احدى هذه المعارك التي حصلت قبيل سقوط عسقلان بيد الأعداء. والمسافة بين موقع (الياسمين) و خرائب عسقلان تزيد عن الفرسخ.
ومن الذين استشهدوا في تلك المعارك التي سبقت سقوط عسقلان بيد الصليبيي، الأمير (علي بن مُرْشد بن المُقَلّد بن نصر بن منقذ الكناني الكلبي). ذكره صاحب النجوم الزاهرة بقوله: (كان فاضلاً أديباً، حسن الخط. مات بعسقلان شهيداً عام 546ه[70]. وكان يقول الشعر. ومن اخوته (اسامة) صاحب التآليف المشهورة، وقاد عدة حملات ضد الصليبيين في فلسطين. وبنو منقذ[71] هؤلاء أسرة نبيلة ظهر منها رجال كبار كلهم فارس شجاع وكلهم أديب وشاعر. وهم أصحاب قلعة (شيزر) للشمال من بلدة حماة.
سقوط عسقلان بيد الافرنج
548ه : 1153م
رأى بَلْدَوين الثالث (بَقدَوين) ملك بيت المقدس وجوب الاستيلاء على عسقلان، المدينة التي وقفت خمسين سنة دون أن تفتح أبوابها للافرنج الذين كانوا قد استولوا على فلسطين، والتي كانت حصناً من حصون المسلمين يتحصنون فيه تارة، ويتخذونه قاعدة لهجومهم ضد اعدائهم تارة أخرى؛ وبذلك أدّت للعروبة والإسلام أجل الخدمات طوال الحروب الصليبية الأولى. كما وانّ سقوطها بأيدي الصليبيين يفتح لهم الطريق لغزو مصر أو على الأقل يضع حداً لمساعدة المصريين لمسلمي بلاد الشام.
جمع بلدوين جنده من جميع أطراف مملكته، وكان على رأسهم الأشراف المتقدمون من الأكليروس.
كانت تحيط بمدينة عسقلان الأسوار المتينة، التي تمتد داخل البحر في نصف دائرة، والأبراج العالية، وكان بها جميع ما يلزمها من الذخائر الحربية والمعدات العسكرية، والأقوات. وأما سكانها فجميعهم أقوياء محاربون أشداء ساهرون على مدينتهم، ولكي لا يباغتوا من كمين في ظلام الليل علقوا في أعلى كل من الأبراج عدداً وافراً من المصابيح داخل منارات من زجاج لكي تضيء جوارها فتظهر كل من تحدثه نفسه بالدنو منها.
شرع الصليبيون في حصار عسقلان في 22 كانون الثاني من عام 1153م: 28 شوال 547ه: بحراً بواسطة عمارتهم التي كانت تتألف من 15 سفينة حربية وبراً بجنودهم. وكان (بولدوين) على رأس الحملة وخرج معه رئيساً الداوّية والاسبتارية ومعظم الأساقفة ورجال الدين، وحمل بطريق بيت المقدس قطعة من خشب كان رجال الدين يقولون انها بقية الصليب الذي عذب عليه السيد المسيح على حد قولهم.
أقام الصليبيون أمام اسوار المدينة الآلات الحربية كالكبوش[72] والنجنيقات[73]والأبراج الخشبية التي كان بينها برج مركب على دواليب بعلو شاهق جداً أعلى من أسوار المدينة، سهل النقل من مكان الى آخر كان يظهر عن بعد كأنه قلعة عظيمة. وقد التحق بالجيوش المحاصِرة عدد وافر من الجموع الصليبية التي أتت من الغرب وأقبلت من أوروبا، في مراكب حربية اخرى وانضمت إلى الأساطيل البحرية.
استمر الصليبيون بمنازلة المدينة والهجوم عليها إلاّ انّ تلك الهجمات كانت تتبدد أمام شجاعة المحصورين وبسالتهم، ومما ضاعف أمل هؤلاء بالانتصار ورود عمارة بحرية مصرية لنجدتهم مؤلفة من سبعين مركباً محملة بالرجال والأمداد. وبقيت الحالة حسنة بالنسبة للمحصورين، ولكن حدوث حادث غير منتظر أدى الى سقوط هذه المدينة. وإليك البيان:
تمكن العسقلانيون من معرفة مكان وضع فيه أعداؤهم كميات عظيمة من الأخشاب والحطب فرموه بالنار آملين أن يتجه لهيبها نحو البرج الخشبي العظيم فيحرقه وينجون من شره. فاتقدت الأخشاب بسرعة عظيمة ولكن الريح عكست النار فارتد اللهيب نحوهم واحترق جزء عظيم من حصونهم وأسوارهم. فدخلت الفرسان الهيكليون من ثغرة السور إلاّ أنّ المسلمين انقضوا عليهم فقتلوا من قتلوه والذي نجا من سيوفهم هرب لمعسكره خارج السور.
عاد الأفرنج وشددوا حصارهم ولكن المحصورين قاوموا مقاومة شديدة ودافعوا دفاعاً مجيداً. ولكن الحصار طال وازداد هجوم الصليبيين عنفاً فلم تجد حامية عسقلان بداً من طلب التسليم. اتفق الطرفان على منح العسقلانيين مدة ثلاثة أيام يخرجون فيها من المدينة بحرية وأمان، إلاّ أنّ الصليبيين لم يعملوا بهذه الشروط، فقد قتلوا الكثيرين من أعدائهم ونهبت جنودهم الأموال والمتاع شأنهم في ذلك شأن كل بلد يدخلونه. وهكذا انتهي أمر هذه المدينة التي اضطرت للتسليم بعد مضي خمسة شهور على حصارها، وكان في 27 جمادي الثانية 548ه: 19 أغسطس 1153، في أيام الخليفة الظافر أبي منصور بن الحافظ العسقلاني 544_549ه: 1149_1154م. وقام الصليبيون، بعد دخلولهم البلدة، بتحويل جامعها الكبير الى كنيسة باسم (القديس بولس) وضمت هذه الكنيسة الى أُسقفية بيت لحم.
قال القلانسي: (… وقيل إنّ في هذا الثغر (عسقلان) المفتّح من العُدَد الحربيّة والأموال والميرة والغلال ما لا يحصر فيذكر. ولما شاع هذا الخبر في الأقطار ساء سماعه وضاقت الصدور وتضاعفت الأفكار بحدوث مثله. فسبحان من لايُردّ نافذ قضاءه ولا يدفع مختوم أمره عند نفوذه ومضائه)[74].
وقد كانت هذه المدينة العظيمة قبل سقوطها بسنين مركزاً لولاية أكبر من ولاية دمشق حتى كانت تسمى (عروس الشام).
(وباستيلاء الصليبيين على عسقلان يكونون قد أتموا بسط سيطرتهم على ساحل الشام وفلسطين بأجمعه من اسكندرونة في الشمال حتى غزة في الجنوب، الأمر الذي حرم المسلمين من قاعدة بحرية طالما استغلوها في مهاجمة الممتلكات الصليبية في فلسطين، على أننا لا نميل الى المبالغة في أهمية استيلاء الصليبيين على عسقلان بالنسبة للموقف بينهم وبين المسلمين. حقيقة ان سقوط عسقلان كان آخر نصر حربي كبير أحرزه ملوك بيت المقدس وحقيقة انّ عسقلان ظلت أمداً طويلاً قاعدة تخرج منها الجيوش الفاطمية لغزو المواقع الصليبية القريبة في جنوب فلسطين، ولكننا يجب أن نتذكر ان الدولة الفاطمية في الوقت الذي فقدت فيه عسقلان لم تعد مصدر خطر كبير أو صغير على الصليبيين، وانها أمست عندئذ في حال من الضعف والانحلال حال بينها وبين القيام بأي عمل حربي ضد الصليبيين)[75].
وقد ذكر الادريسي المتوفى عام 560ه: 1165م. عسقلان أثناء احتلال الصليبيين لها بقوله: ( وأما مدينة عسقلان فهي مدينة حسنة ذات سورين، وبها أسواق وليس لها من خارجها بستين. وليس فيها شيء من الشجر. واستفتتحها صاحب القدس بعساكر الروم من الفرنج وغيرهم، في سنة 548/1153. وهي الآن بأيديهم. وعسقلان معزوزة في أرض فلسطين)[76].
إسترداد عسقلان
583هـ : 1187م
لما ابتدأ السلطان صلاح الدين الأيوبي ـ الذي يُعد أعظم شخصيات العصور الوسطى في الشرق والغرب على السواء ـ باسترداد البلدان الاسلامية من الأوروبيين على أثر معركة حطّين الشهيرة، اهتم لأمر عسقلان، المركز الهام الذي طالما اتخذه الصليبيون قاعدة لتهديد مصر من ناحية وقطع المواصلات بينها وبين الشام من ناحية أخرى.
سار صلاح الدين وأخوه العادل يوم الأحد في 16 جمادى الآخرة 583ه: 23 أغسطس 1187م لاسترداد عسقلان وكان معه ملك القدس (كي دولوسنيان – Gay de Lusignian) وأخوه اللذان أسرهما في معركة حطين؛ وقال لهما اذا سلمتما البلد إليّ فإنني أعدما بالتحرير. فارسلا الى من بعسقلان من الافرنج، أعوانهما ليحملوا الصليبيين على التسليم. ولكن هؤلاء رفضوا الاستجابة لذلك وردوا عليهم رداً قبيحاً. وعليه جد السلطان في حصار المدينة فنصب المنجنيقات[77] وأمر الجيوش بالزحف وثقب النقابون السور. وأخيراً لما رأى المحصورون أن لا فائدة من التمادي في الحصار قبلوا بتسليم أنفسهم والمدينة على أن يكونوا آمنين على نسائهم وأولادهم فقبل منهم صلاح الدين ذلك. وكان قد استشهد أثناء الحصار من الأمراء العظام (حسام الدين ابراهيم بن حسين المهراني). فخاف الصليبيون أن تأخذ عشيرته منهم بثأره إذا خرجوا فاحتاطوا بذلك فيما اشترطوا لأنفسهم فأجيبوا إلى ذلك جميعه. وفتحت المدينة أبوابها لصلاح الدين في يوم السبت الواقع في 29 جمادى الثانية 583ه :4 أيلول 1187م بعد حصار امتد أربعة عشر يوماً.
(أقتيد أهل عسقلان من الصليبيين إلى الدلتا، حيث قضوا فصل الشتاء في الاسكندرية متمتعين بحماية صلاح الدين ورعايته حتى رحلوا الى غرب أوروبا في مارت من العام التالي)[78].
وهكذا تكون هذه المدينة العظيمة قد عادت لأصحابها بعد أن مكث الإفرنج بها 35 سنة.
(كان صلاح الدين قد استقبل ـ وهو امام عسقلان ـ بعثة من أهل بيت المقدس، فعرض عليهم تسليم المدينة بالشروط نفسها التي استسلمت بها بقية المدن الصليبية، أي أن يؤمنهم على أرواحهم ونسائهم وأولادهم وأموالهم ويسمح لمن يشاء منهم بالخروج سالماً. ولكن الصليبيين من أهل بيت المقدس رفضوا ذلك العرض ورأوا أن الموت أيسر عليهم من أن يملك المسلمون البيت المقدس)[79].
ومما هو جدير بالذكر انّ العزيز عثمان، ولد صلاح الدين ووالي مصر كان قد أتى اثناء الحصار لنجدة والده بجند ليساعده على فتح هذا البلد العظيم؛ كما وافته الأساطيل المصرية بقيادة الحاجب حسام الدين لؤلؤ، صاحب الانتصارات البحرية على قراصنة الصليبيين في البحر الأحمر[80].
وقد فوَّض السلطان صلاح الدين القضاء والحكم والخطابة، وجميع الأمور الدينية بمدينة عسقلان وأعمالها إلى (جمال الدين أبي محمد عبد الله بن عمر الدمشقي) المعروف بقاضي اليمن. ثم عاد السلطان إلى عسقلان في ذي الحجة من عام 584ه ليتفقد قلعتها وحاميتها ويصلح من أمورها وليودع أخاه العادل وجنده في طريقهم إلى مصر.
خراب عسقلان
587ه: 1191م.
بعد أن تم لصلاح الدين الأيوبي الاستيلاء على عسقلان وجوارها وجّه جيوشه لبيت المقدس التي تمكن من استردادها في 27 رجب من سنة 583ه. وعلى أثر هذه الانتصارات استنجد الإفرنج باخوانهم الأوروبيين فأنجدوهم بقوات عظيمة فقاومها صلاح الدين وأبطا له مقاومة عنيفة، إلاّ انه اضطر أمام كثرة عددهم لإخلاء قسم كبير من مدن الساحل؛ وبعد أن استولى الإفرنج على المدن الساحلية من عكا إلى يافا سار السلطان إلى الرملة وجمع فيها أمراءه وكبار قواده واستشارهم فيما يفعل، فأشاروا عليه بترك الساحل للأفرنج وأن لا يحاولوا الدفاع عن مدنه كما قرروا تخريب عسقلان، المدينة التي كانت من أحسن البلاد بناء وأحكمها أسواراً وأطيبها سكاناً. وكان هذا القرار على اثر الاجتماع الذي عقد في يوم الثلاثاء الواقع في 17 شعبان 587ه. وذلك حتى لا يتركوا فرصة للصليبيين للاستيلاء على عسقلان وهي عامرة وحصينة فيستغلونها في احتلال القدس وفي قطع طريق مصر. وكان أشهر القواد الذين أشاروا على السلطان بخراب عسقلان المجاهد الكبير (علم الدين سليمان بن جَنْدَر)[81].
اضطر صلاح الدين، بعد ذلك القرار، في غمرة من الأسف والغم للإسراع على العمل بتخريب عسقلان الذي قال عنها (لأن افقد ولدي جميعهم أحب إليَّ من أن أهدم منها حجراً، ولكن إذا قضى الله تعالى ذلك وكان فيه مصلحة المسلمين فما الحيلة في ذلك)[82].
ثم وضع (علم الدين قيصر)، عامل عسقلان وناحيتها، خطة سريعة لتدمير المدينة وهدم أبراجها، بحيث لم يترك منها شيئاً يفيد منه الصليبيون، هذا في حين أخلى أهل عسقلان مدينتهم في سرعة ومعهم ما استطاعوا حمله من منقولات؛ وتشتتوا فذهب قوم منهم إلى مصر وقوم إلى الشام.
وفي الثالث من محرم عام 588ه. احتل الافرنج عسقلان وناحيتها وتشاوروا في اعادة تحصينها وإعمارها. وصادف في تلك الاثناء أن التقوا بمفرزة من جيوش المسلمين يرأسها (سيف الدين يازكوج)[83] و (علم الدين قيصر)[84] وغيرهم من المجاهدين الذين كانوا مهتمين بنقل ما في هذه الناحية من غلال وأثمار. وقد تمكنت هذه المفرزة من النجاة بما معها من أموال وأرزاق.
وفي كانون الثاني من عام 1192م. شرع الصليبيون باشارة من ريكاردوس قلب الأسد بإعادة بناء أسوار عسقلان وترميمها.
وبينما كان الأوروبيون مجتمعين في سهل عسقلان للاحتفال بعيد الفصح وفد من بلاد الإنكليز وفد قاصداً ملكهم (ريكاردوس) وأخبره بأن أخاه (يوحنا) استولى على ملكه، مما اضطره لأن يفكر في العودة الى بلاده. ولما اعتقد بعدم امكانه الاستيلاء على القدس تم بينه وبين صلاح الدين صلح الرملة، في 21 شعبان 588ه: 1/ أيلول 1192م.. وهو الصلح الذي نص على ان تكون للصليبيين المنطقة الساحلية من صور الى يافا، وأن تخرب عسقلان التي تبقى هي وغزة والداروم للمسلمين حين تكون الرملة واللد مناصفة بين المسلمين والمسيحيين.
وقد بوشر بتخريب عسقلان، بعد أن جلا عنها الصليبيون.
وبعد الصلح ولى صلاح الدين (علم الدين قيصر) أعمال الخليل وعسقلان وغزة والداروم وما والاها. وأمر بنقل الغلات من البلقاء ومصر إلى أعمال عسقلان لتقوية الفلاحين وإعانة المقطعين[85].
وفي عام 1239م. قام نزاع بين أحفاد صلاح الدين الأيوبي على الحكم. ثم حدث أن تولى أمر مصر، عام 1240م، السلطان نجم الدين أيوب الأمر الذي لم يرض عنه عمه الملك إسماعيل صاحب دمشق. ولما اتفق الناصر داود صاحب الكرك مع صاحب مصر لم يجد إسماعيل قوة أمامه تمكنه أن يستعين بها على أعدائه سوى الصليبيين، فمد يده اليهم وطلب محالفتهم ضد الصلح أيوب والناصر داود. وفي مقابل ذلك سلم اسماعيل، صاحب دمشق، الصليبيين القدس وطبرية وعسقلان. مما أثار الرأي العام الإسلامي في مصر والشام. ولما تسلم الإفرنج عسقلان أعادوا بناءَها واستعملوا الحجارة والأعمدة القديمة لتجديد أسوارها وعمارتها.
بقيت هذه المدينة في بد الإفرنج الى أن تمكن من استردادها الأمير فخر الدين بن الشيخ في 12 جمادى الآخرة سنة 645ه: 15 تشرين الأول 1247م. وفخر الدين هذا أحد قواد الملك الصالح الأيوبي الذي يعد من أعظم بني أيوب ملكا وأحزمهم أمراً.
ويصف مؤلف الحركة الصليبية هذا الفتح بقوله[86]: (.. وبعد ذلك حاصرت الجيوش المصرية عسقلان التي كانت في حمى (الاسبتارية). ولما اتضح أن الاساطيل الإيطالية تمد المدينة بالمؤن والامدادات أرسل الصالح أيوب من الاسكندرية ودمياط اثنتين وعشرين سفينة لاحكام الحصار على عسقلان من ناحية البحر وأخيراً استطاعت قوات الأمير فخر الدين اقتحام عسقلان في منتصف اكتوبر 1247م. وعندئذٍ أمر بتدمير تحصيناتها وتخريبها حتى لايتخذها الصليبيون مرة أخرى قاعدة للهجوم على المسلمين).
وفي 7 صفر من عام 669ه: 25/9/1270م. نزل الملك الظاهر بيبرس البندقداري 658 ـ 676ه: 1260 ـ 1277م. عسقلان وهدم بنفسه ما تأخر من قلعتها وأسوارها حتى سويت مع الأرض؛ وذلك خوفاً من مجيء الافرنج إليها واستغلالها في تهديد فلسطين ومصر؛ ومن ذلك التاريخ، إلى يومنا هذا، لم تقم لعسقلان قائمة.
مشاهير عسقلان
ومن أهل العلم الذين نسبوا الى عسقلان في الحروب الصليبية وبعدها بقليل:
(1) القاضي الفاضل[87] 529 ـ 596ه: 1135 ـ 1200م: لعله أشهر من نبغ من أهل عسقلان. وهو (أبو علي عبد الرحيم بن القاضي الاشرف بهاء الدين أبي المجد علي بن القاضي السعيد محمد اللخمي) المعروف بالقاضي الفاضل. كانت ولادته بمدين عسقلان، وتولى أبوه القضاء بمدينة بيسان، فلهذا نسبوا إليها[88].
أخذ عن أبيه طرفاً من علوم اللغة والأدب، ثم نزل بمدينة الاسكندرية ولازم قاضيها (ابن حديد) وتعلم عليه، ثم انتقل الى القاهرة ولما برع في الكتابة والإنشاء وعرف فضله وشاع اتخذه صلاح الدين الأيوبي وزيراً له عندما استولى على مصر، كما جعله صاحب سره. وقد استعان به على ما أراد من إزالة الدولة الفاطمية وكان يقول: (لاتظنوا إني ملكت البلاد بسيوفكم بل بقلم الفاضل).
قال النويري: (إلى القاضي الفاضل انتهت صناعة الانشاء ووقفت، وبفضله أقرَّتْ ابناء البيان، واعترفَت، ومن بحر علمْهِ رويتْ ذوو الفضائل واغترفَتْ، وأمام فَضْله ألقتْ البلاغةُ عصاها، وبين يديه استقرَّتْ بها نواها، فهو كاتـبُ الشرق والغرب في زمانه وعصره، وناشر ألوية الفضل في مصره وغير مصره، ورافِعُ علم البيان لا محالة، والفاصِلُ بغير إطالة)[89].
وقيل لو جمعت رسائله وتعليقاته لزادت عن مئة مجلد.
انتشرت طريقته في الكتابة وغيرها حتى كانت مذهباً لكتابها وبقيت هذه الطريقة متبعة الى زمن قريب جداً. وكان رحمه الله مغرماً في جمع الكتب والعناية بها وقيل إنه وضع في مكتبة مدرسته التي أنشأها في القاهرة وسماها على اسمه (الفاضلية) مئة ألف مجلد (000،100).
دبَّر القاضي الفاضل مملكة صلاح الدين أحسن تدبير. وقال بعض مترجميه: (كانت الدولة بأسرها تأتي الى خدمته). وبقي في الوزارة حتى مات صلاح الدين. وأخيراً توفي في القاهرة فجأة ودفن بسفح المقطم.
ومن شعره قوله:
وإذا السعادة لاحظتك عُيونها نَمْ فالمخاوفُ كلُّهـنَ أمـــانُ
واصطدْ بها العَنقاء فهي حبائلٌ واقتد بها الجوزاء فهي عِنانُ
(2) وكان ولده (القاضي الأشرف بهاء الدين أبو العباس أحمد) كبير المنزلة عند الملوك، وكان مثابراً على سماع الحديث وتحصيل الكتب. ولد سنة 573ه. بالقاهرة وتوفي بها سنة 643ه. ودفن الى جانب قبر أبيه[90].
(3) عبد الرحمن بن المسجف، بدر الدين بن القاسم الكناني العسقلاني. من الشعراء والأدباء. ولد عام 535 وتوفي سنة 583ه.
(4) علي بن عبد الله بن ياسين أبو الحسن الكناني العسقلاني، يعرف بابن البلان. من القراء المشهوري، وقد حذق النحو ورحل الى بغداد ودمشق. عرف بكرمه. توفي في دمشق سنة 636ه. عن نحو ثمانين عاماً[91].
(5) ابراهيم بن داود بن ظافر بن ربيعة الإمام أبو اسحاق الفاضلي العسقلاني ثم الدمشقي الشافعي. امام حاذق مشهور ولد سنى 622ه. أخذ العلم والقراءة عن علماء عصره. توفي سنة 692ه[92].
(6) ناصر الدين شافع بن علي الكناني العسقلاني. ولد سنة 649ه. وتوفي سنة 730ه. كان اديباً فاضلاً له نثر كثير ونظم جيد. كان جمّاعاً للكتب. خلف ثماني عشرة خزانة مملوءة بالكتب. وفي أواخر عمره كف بصره وكان إذا لمس الكتاب قال هذا الكتاب الفلاني ملكته في الوقت الفلاني. وكان إذا أراد أي مجلد قام الى خزانته وتناوله كأنه وضعه بيده في وقته[93].
وبعد خراب عسقلان ظهر علماء كثيرون يرجعون بأصلهم إلى هذه المدينة، نذكر منهم:
(1) عبد الله بن محمد بن عبد الله بن خليل المنتهي نسبه إلى أبان بن عثمان بن عفان رضي الله عنه القرشي الأموي العثماني العسقلاني الأصل. نزيل القاهرة. ولد بمكة سنة 674ه. أخذ فيها عن علمائها وقرائها. توفي بمصر عام 777ه[94].
(2) الشيخ الإمام عَلَم الدين سليمان بن شهاب الدين أحمد بن سليمان بن عبد الرحمن العسقلاني الحنبلي[95]. أحد فقهاء الحنابلة توفي عام 785ه.
(3) الشيخ نور الدين علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الكناني العسقلاني الشافعي الشهير بابن حَجَر. والد الحافظ أحمد الآتي ذكره. ولد في نحو 720ه. تفقه على مذهب الإمام الشافعي. وأخذ الفقه عن علماء مصر. كان يقول الشعر وله عدة دواوين، كما كان تاجراً بمصر. توفي سنة 777ه[96].
(4) ناصر الدين نصر الله بن أحمد بن محمد العسقلاني: تولى منصب قاضي القضاة بعد وفاة موفق الدين عبد الله بن محمد بن عبد الملك المقدسي. وبقي ناصر الدين في المنصب المذكور حتى وفاته عام 795ه[97].
(5) بُرهان الدين إبراهيم بن نصر الله المار ذكره. ولد سنة 768ه. تولى منصب قاضي القضاة بعد وفاة والد رقم (4). وبقي في منصبه هذا حتى وفاته عام 802ه. كان السلطان برقوق يعظمه[98].
(6) أحمد بن نصر الله، أخو إبراهيم المار ذكره (رقم 5). تولى منصب قاضي القضاة عوض أخيه. مات في سنة ثلاث وثمانمائه وهو في المنصب المذكور عن أربع وثلاثين سنة[99].
(7) ست العيش أم عبد الله، وام الفضل عائشة بنت القاضي علاء الدين علي ابن محمد بن علي بن عبد الله. الكاتبة الفاضلة الصالحة الكنانية العسقلانية الأصل ثم المصرية الحنبلية. ولدت سنة 761ه. أخذت العلم عن علماء عصرها, وهي والدة القاضي عز الدين بن القاضي برهان الدين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي. (رقم 5). توفيت عام 840ه[100].
(8) أحمد بن حجر العسقلاني الأصل المصري المولد والمنشأ والدار. 773_852ه: 1372ـ1449م. هو الفقيه المحدث والمؤرخ. إمام الحفاظ في زمانه قاضي القضاة شهاب الدين أبو الفضل الحافظ أحمد بن علي المار ذكره (رقم 3). ويعرف بابن حجر ـ نسبة إلى آبائه آل حجر[101] ـ من أئمة العلم والتاريخ. حفظ القرآن وهو ابن تسع سنين. رحل إلى فلسطين واليمن والحجاز وغيرها لسماع شيوخها وعلمائها. ولي قضاء مصر مراراً ثم اعتزل. وأما تآليفه فقد زادت على المئة وخمسين كتاباً. منها: (1) الإصابة في تمييز الصحابة. مطبوع في ثمانية مجلدات ضخمة ويتضمن تراجم الصحابة والتابعين (2) الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة (مطبوع) (3) فتح الباري في شرح صحيح البخاري. وهو أجل مصنفاته. مطبوع.
ولما توفي مشى في جنازته، في القاهرة، أكثر من خمسين ألف إنسان.
واشتهرت بنتاه (آمنة) و (رابعة) بعلمهما وفضلهما. وقد ترجمهما السخاوي في الضوء اللامع (12/23).
وقد ذكر السخاوي في الجزء الثاني عشر من مؤلفه المذكور ثلاث نساء عسقلانيات عرفن بصلاحهن وعلمهن.
(9) قاضي القضاة الشيخ عز الدين أحمد بن إبراهيم بن نصر الله الحنبلي المار ذكر والده (رقم 5). ولد في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمانمائة ومات سنة ذكر والده (رقم5). ولد في سادس عشر ذي القعدة سنة ثمانمائة ومات سنة 876ه. ولي قضاء الديار المصرية وكان ورعاً زاهداً وله مؤلفات عديدة[102].
وغيرهم
* * *
بقيت أطلال عسقلان، مدة طويلة، تستعمل كمحجر تؤخذ منها الحجارة للبناء في غزة وغيرها حتى لم يبق شيء من اطلالها، فالجوامع التي بناها أحمد باشا الجزار في نحو 1790م. جلبت أكثر حجارتها من بقايا مدينة عسقلان.
مشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما في عسقلان
اختلف المؤرخون في المكان الذي دفن فيه راس الحسين بعد استشهاده في كربلاء: 10 محرم 61ه: 680م. فالبعض يقول إنه دفن في دمشق ونقل منها إلى عسقلان ومن هذه إلى القاهرة. ومما تجب الاشارة إليه أن أهل قرية (زَرْنُوقة) من أعمال الرملة، يشيرون في قريتهم إلى بقعة يقولون إن القافلة التي كانت تحمل رأس الحسين استراحت في طريقها إلى عسقلان.
ويظهر انّ هذا المشهد في عسقلان كان قد احترق عام (407ه)[103] وبقي المكان بعد ذلك دارساً الى ان قام باعادة البناء أمير الجيوش بدر الجمالي وأكمله ابنه الأفضل المار ذكرها.
وقبل سقوط عسقلان بيد الإفرنج عام 548ه. تمكن الفاطميون من حمل رأس الحسين منها الى مصر فوصلها ثامن جمادى الآخرة من العام المذكور [وكان الذي وصل بالرأس من عسقلان الأمير سيف المملكة تميم واليها كان والقاضي المؤتمن بن مسكني مشارفها][104]. ومشهد الحسين رضي الله عنه في القاهرة معروف قريباً من خان الخليلي.
ولما عاد المسلمون الى عسقلان جددوا فيها بناء المشهد، رغماً عن نقل الراس منه للتبرك. ولعل رأس الكامل محمد بن غازي صاحب ميّافارقين[105] الذي استشهد عام 658ه:1260م. دفن في هذا المشهد. ـ راجع ماذكرناه عن هذا الشهيد في الجزء الأول القسم الأول من هذا الكتاب ـ.
ذكر القزويني المتوفي عام 682ه: 1283م. المشهد المذكور بقوله: (بها (أي عسقلان) مشهد رأس الحسين، عليه السلام، وهو مشهد عظيم مبني بأعمدة الرخام. وفيه ضريح الراس والناس يتبركون به، وهو مقصود من جميع النواحي وله نذر كثير[106]).
ثم زار عسقلان وبقعتها الرحالة ابن بطوطة المتوفى عام 779ه: 1377م. فذكرها بقوله: (ثم سافرت من القدس الشريف برسم زيارة ثغر عسقلان وهو خراب، وقد عاد رسوماً طامسة وأطلالاً دارسة، وقلَّ بلدٌ جمع المحاسن ما جمعته عسقلان إتقاناً وحسن وضع وأصالة مكان، وجمعاً بين مرافق البر والبحر وبها المشهد الشهير حيث كان رأس الحسين بن علي عليه السلام قبل أن ينقل الى القاهرة. وهو مسجد عظيم سامي العلوّ، فيه جب للماء، أمر ببنائه بعضُ العبيد، وكتب ذلك على بابه.
وفي قبالة هذا المزار مسجد كبير يعرف بمسجد عُمر لم يبق منه إلاّ حيطانه، وفيه أساطين ورُخام لا مثيلَ لها في الحسن، وهي ما بيز قائم وحصيد (متهدم)، ومن جملتها اسطوانة (عمود) حمراء عجيبة يزعم الناس ان النصارى احتملوها إلى بلادهم ثم فقدوها، فوجدت في موضعها بعسقلان.
وفي القبلة من هذا المسجد بئر تعرف ببئر أبراهيم عليه السلام[107]، ينزل إليها في درجٍ مُتَّسِعَة، ويدخل منها الى بيوت، وفي كل ناحية من جهاتها الأربع عين تخرج من (أسراب) قناة مطوية بالحجارة وماؤها عذب، وليس بالغزير، ويذكر الناس من فضائلها كثيراً.
وبظاهر عسقلان وادي النمل، ويقال: إنه المذكور في الكتاب العزيز. وبجبانة عسقلان من قبور الشهداء والأولياء ما لا يُحصر لكثرته أوقفنا عليهم قَيَّمُ المزار المذكور، وله جراية، يجريها له ملكُ مصر مع مايصل إليه من صدقات الزوار)[108].
وذكر صاحب الأنس الجليل المتوفى عام 928ه: 1522م. المشهد بقوله: (كانت عسقلان من أحسن المدن وأظرفها وقد خربها الملك صلاح الدين.. وبها مشهد بناه بعض الفاطميين خلفاء مصر على مكان زعموا انّ رأس الحسين بن علي رضي الله عنهما به. وبعسقلان أماكن تقصد للزيارة وهي على شاطىء البحر)[109].
والمشهد الحالي (عام 1936) يعود بتاريخه إلى (رؤوف باشا) متصرف القدس المشهور في أواخر القرن الماضي. أمر بإقامته على أثر زيارة قام بها إلى عسقلان. تبرع الغزيون بالمال المطلوب وقدم سكان (حمامة) و (الجورة) و (نعليا) ما يلزم للبناء من طين وماء وحجارة وعمّال وغيرها. والبناء يتألف من طابقين: علوي وبه غرفتان وإيوان وسفلي وبه المقام وست غرف ورواقان للصلاة. وبجوار المشهد مكان لذبح وطبخ النذور.
وللمشهد، في المجدل، عدة حوانيت موقوفة عليه تشرف عليها إدارة الأوقاف.
* * *
ويقع وادي (النمل)، الذي يقال إنه هو المذكور في القرآن الكريم، في جوار البقايا الشرقية لسور عسقلان للجنوب الغربي من بناء مدرسة قرية الجورة بنحو 500 متر. وهو اليوم مقبرة لأهل القرية المذكورة، كما تدفن بعض قبائل بئر السبع موتاها فيه؛ رغماً عن المسافات الشاسعة التي تفصلها عنه. ويعتقدون ان كل من يدفن فيه مصيره إلى الجنة. ولعل هذه المقبرة هي مقبرة قريش التي كانت تعرف بعسقلان بهذا الاسم بعد الفتح العربي الإسلامي.
وأما موسم (وادي النمل) الذي يحتفل فيه أهل المنطقة فقد ذكرناه حين كلامنا عن بلدة المجدل.
* * *
انّ خرائب عسقلان ذات قيمة أثرية عظيمة. وممن نقب فيها (اللادي استيراستانهوب ـ Lady Hester Lucy Stanhope) بنت اللورد (تشارلس ستانهوب) وابنة أخت (وليم بت) أحد رؤساء وزراء بريطانيا. ففي أواخر آيار من عام 1812م: 1227ه. هبطت هذه الإنكليزية مدينة يافا ومنها توجهت إلى عسقلان بعد أن أذنت لها الحكومة العثمانية بالحفر والتنقيب فيها. ابتدأت حفرياتها بحضور (محمد أبو ثبوت) متسلم يافا وغزة. وقد عثروا بين الحفريات على تمثال عملاق بديع الصنع مبتور الرأس.
وفي سنة 1883م عثر المنقبون بين أنقاض هذه المدينة على النقوش الآتية: (بسم الله الرحمن الرحيم. أمر بانشاء هذه المئذنة والمسجد المهدي، أمير المؤمنين حفظه الله وأعظم أجره وأحسن جزاء على يد المفضل بن سلام السمري وجهور بن هشام القرسي في المحرم سنة خمس وخمسين ومائة. لا إله إلاّ الله الملك الواحد القهار لا شريك له).
إنّ كلمة القرسي قد تكون القرشي ونقاط الشين إما أن تكون قد طمست مع مرور الزمن أو أن الناقش أغفل عن نقشها. ولما كان المهدي (محمد بن عبد الله المنصور من خلفاء بني العباس) تولى الخلافة سنة 158ه. أي بعد التاريخ المذكور في الكتابة، نقول إنه ربما كان المهدي قد أمر بإنشاء المسجد سنة 155ه. لما كان ولياً للعهد، ثم مرت الإيام ولم يتم البناء إلاّ في عهد خلافته.
وفي العهد البريطاني، نقلت الحكومة معظم ما عثر عليه المنقبون بين خرائب عسقلان من تماثيل ونواويس وتيجان وأعمدة وغيرها إلى المتحف الفلسطيني في القدس.
وقد ذكرت الوقائع الفلسطينية (ص 1617) انّ عسقلان تحتوي على (أسوار ترجع إلى العصور الوسطى، تحيط بموقع قديم، وتل من الأنقاض وبقايا أبنية وقطع معمارية منحوتة ومدافن ومقام الخضرا).
ومقام الخضرا هذا يقع في الجهة الغربية من خرائب عسقلان، على تلة مرتفعة أمام شاطىء البحر. وهو بناء متكون من غرفة أقيمت على ضريح يعرف (بمزار الخضرة). يقدسه الأهلون وينذرون له النذور ويقال إن هذا الاسم محرف عن (رجال الخبرة).
لا نغالي إذا قلنا انّ كل شبر من أرض عسقلان قد اختلطت به دماء الصحابة والتابعين والمجاهدين والشهداء والصالحين والفقهاء والأولياء رضوان الله عليهم أجمعين. وعليه فكل بقعة فيها مباركة وكل ذراع فيها مقدس.
وخرائب عسقلان تقع للشمال من غزة على بعد 27كم، بنيت على بعض أنقاضها قرية الجورة.
وما زالت عسقلان وجوارها مشهورة بمختلف الفواكه والأثمار والخيرات التي كانت معروفة بها منذ القديم.
والمسافة بين عسقلان وساحل قطاع غزة نحو 10كم (½ 6 من الأميال).
.
| |
| |
عرض الاحاديث الاخرى الحسنة والضعيفة والموضوعة عن عسقلان مع اسانيدها
أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكا ورحمة ثم يكون إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: رجاله ثقات - المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 5/193
---------------------------------------------------------------------------
أول هذا الأمر نبوة ورحمة ، ثم يكون خلافة ورحمة ، ثم يكون ملكا ورحمة ، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر ، فعليكم بالجهاد ، وإن أفضل جهادكم الرباط ، وإن أفضل رباطكم عسقلان
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: إسناده جيد - المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 3270
--------------------------------------------------------------------------------
95357 - طوبى لمن أسكنه الله تعالى إحدى العروسين ، عسقلان أو غزة
الراوي: عبدالله بن الزبير المحدث: الألباني - المصدر: ضعيف الجامع - الصفحة أو الرقم: 3637
خلاصة الدرجة: ضعيف
61173 - عسقلان أحد العروسين ، يبعث الله منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم .
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن رجب - المصدر: فضائل الشام - الصفحة أو الرقم: 3/279
خلاصة الدرجة: إسناده ضعيف
224239 - أول هذا الأمر نبوة ورحمة ثم يكون خلافة ورحمة ثم يكون ملكا ورحمة ثم يكون إمارة ورحمة ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير فعليكم بالجهاد وإن أفضل جهادكم الرباط وإن أفضل رباطكم عسقلان
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 5/193
خلاصة الدرجة: رجاله ثقات
227929 - أسرت الروم ابنا لأبي قرصافة فكان أبو قرصافة إذا حضر وقت كل صلاة صعد سور عسقلان ونادى يا فلان الصلاة فيسمعه وهو في بلد الروم
الراوي: عزة بنت عاص بن أبي قرصافة المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 9/399
خلاصة الدرجة: رجاله ثقات
229353 - عسقلان أحد العروسين يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب ويبعث منها خمسون ألفا شهداء وفودا إلى الله عز وجل وبها صفوف الشهداء رؤوسهم مقطعة في أيديهم تثج أوداجهم دما يقولون ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك إنك لا تخلف المعياد فيقول صدق عبيدي اغسلوهم بنهر البيضة فيخرجون منه نقاء بيضا فيسرحون في الجنة حيث شاءوا
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 10/64
خلاصة الدرجة: فيه أبو عقال هلال بن زيد بن يسار وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية رجاله ثقات وفي إسماعيل بن عياش خلاف
229354 - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر أهل مقبرة يوما قال فصلى عليها فأكثر الصلاة عليها قال فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال أهل مقبرة شهداء عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 10/64
خلاصة الدرجة: فيه بشير بن ميمون وهو متروك
229357 - جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أريد الغزو في سبيل الله قال عليك بالشام فإن الله [ تكفل لي بالشام ] وأهله والزم في الشام عسقلان فإنها إذا دارت الرحا في أمتي كان أهلها في خير وعافية
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الهيثمي - المصدر: مجمع الزوائد - الصفحة أو الرقم: 10/65
خلاصة الدرجة: فيه يحيى بن سليمان المدني وهو ضعيف
26615 - عسقلان أحد العروسين ، يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم ، ويبعث منها خمسون ألفا شهداء وفودا إلى الله عز وجل ، وبها صفوف الشهداء رؤوسهم مقطعة في أيديهم تثج أوداجهم دما يقولون : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد } . فيقول : صدق عبادي ، اغسلوهم في نهر القبضة . فيخرجون منها نقاء بيضا ، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن حجر العسقلاني - المصدر: القول المسدد - الصفحة أو الرقم: 1/9
خلاصة الدرجة: وجد له شاهد من حديث ابن عمر إسناده أصلح من طريق أبي عقال. وقد أورده ابن الجوزي أيضا، وليس فيه سوى بشير بن ميمون وهو ضعيف
220916 - ليس في المشرق والمغرب مقبرة أكرم على الله من الذي رأيت يعني البقيع إلا أن تكون مقبرة عسقلان قالت عائشة قلت وما مقبرة عسقلان قال رباط للمسلمين يبعث الله منهم سبعين ألف شهيد
الراوي: عائشة المحدث: ابن عراق الكناني - المصدر: تنزيه الشريعة - الصفحة أو الرقم: 2/48
خلاصة الدرجة: [له] شواهد
215532 - عسقلان أحد العروسين يبعث منها يوم القيامة
الراوي: - المحدث: ملا علي قاري - المصدر: الأسرار المرفوعة - الصفحة أو الرقم: 246
خلاصة الدرجة: قيل لا أصل له أو بأصله موضوع
30043 - أهل مقبرة عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها .
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الشوكاني - المصدر: الفوائد المجموعة - الصفحة أو الرقم: 429
خلاصة الدرجة: في إسناده بشير بن ميمون, وليس بشيء ومن وجه آخر, وفي إسناده وضاع
33454 - يحول الله ثلاث قوى يوم القيامة بزبرجدة خضراء تزف إلى أزواجهن : عسقلان, والإسكندرية, وقزوين .
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الشوكاني - المصدر: الفوائد المجموعة - الصفحة أو الرقم: 432
خلاصة الدرجة: في إسناده وضاع
61185 - أول هذا الأمر نبوة ورحمة ، ثم يكون خلافة ورحمة ، ثم يكون ملكا ورحمة ، ثم يتكادمون عليه تكادم الحمر ، فعليكم بالجهاد ، وإن أفضل جهادكم الرباط ، وإن أفضل رباطكم عسقلان
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الصحيحة - الصفحة أو الرقم: 3270
خلاصة الدرجة: إسناده جيد
103072 - طوبى لمن أسكنه الله إحدى العروسين : عسقلان ، أو غزة
الراوي: عبدالله بن الزبير المحدث: الألباني - المصدر: السلسلة الضعيفة - الصفحة أو الرقم: 3831
خلاصة الدرجة: ضعيف
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
198120 - يحول الله تعالى يوم القيامة ثلاث قرى من زبرجدة خضراء تزف إلى أزواجهن : عسقلان ، والإسكندرية ، وقزوين
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن الجوزي - المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/316
خلاصة الدرجة: لا يصح
170316 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على مقبرة ، فقيل : يا رسول الله ؛ أي مقبرة هذه ؟ قال : مقبرة بأرض العدو يقال لها عسقلان يفتحها ناس من أمتي ، يبعث الله منها سبعين ألف شهيد يشفع الرجل منهم في مثل ربيعة ومضر ؛ وعروس الجنة عسقلان
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الذهبي - المصدر: ميزان الاعتدال - الصفحة أو الرقم: 1/607
خلاصة الدرجة: [فيه] حمزة بن أبي حمزة ذكر من جرحه]
172133 - عسقلان إحدى العروسين التي بها شهداؤها وفود الجنة ، يبعث الله من مقبرتها سبعين ألف شهيد ، رءوسهم بأيديهم ، وتثج أوداجهم دما ، يقولون : ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد ، يقول الله تعالى : صدق عبادي ، أدخلوهم الجنة ، واغسلوهم في نهر البيضة فيخرجون منه بيضا نقاة يمرحون من الجنة حيث شاءوا ، وإن بها لمصاف الشهداء يوم القيامة وخمسون ألفا وفود إلى ربهم
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الذهبي - المصدر: ميزان الاعتدال - الصفحة أو الرقم: 4/313
خلاصة الدرجة: [فيه] هلال بن زيد قال أبو حاتم والنسائي : منكر الحديث ، زاد النسائي : ليس بثقة
170174 - صرير الأقلام عند الأحاديث يعدل عند الله التكبير الذي يكبر في رباط عسقلان وعبادان ، ومن كتب أربعين حديثا أعطي ثواب الشهداء الذين قتلوا بعبادان وعسقلان
الراوي: عبدالله بن عمرو بن العاص المحدث: الذهبي - المصدر: ميزان الاعتدال - الصفحة أو الرقم: 1/356
خلاصة الدرجة: باطل
166997 - مقبرة عسقلان تزف شهداءها إلى الجنة كما تزف العروس
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الذهبي - المصدر: ميزان الاعتدال - الصفحة أو الرقم: 1/330
خلاصة الدرجة: [فيه بشر بن ميمون ذكر من جرحه]
195261 - مقبرة شهداء عسقلان يزفون إلى الجنة كما يزف العروس
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الذهبي - المصدر: ترتيب الموضوعات - الصفحة أو الرقم: 140
خلاصة الدرجة: [فيه] بشير بن ميمون متهم
195272 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على مقبرة ، فقيل له : يا رسول الله أي مقبرة هذه ؟ فقال : هي مقبرة بأرض العدو يقال لها : عسقلان يفتحها ناس من أمتي ، يبعث الله منها سبعين ألف شهيد ، يشفع الرجل في مثل ربيعة ومضر ، عروس الجنة عسقلان
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: الذهبي - المصدر: ترتيب الموضوعات - الصفحة أو الرقم: 141
خلاصة الدرجة: آفته حمزة الجعفي قال ابن عدي : كان يضع
195273 - عسقلان أحد العروسين ، يبعث منها سبعون ألفا لا حساب عليهم
الراوي: أنس المحدث: الذهبي - المصدر: ترتيب الموضوعات - الصفحة أو الرقم: 141
خلاصة الدرجة: باطل
195274 - عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا وفودا شهداء إلى الله
الراوي: أنس بن مالك المحدث: الذهبي - المصدر: ترتيب الموضوعات - الصفحة أو الرقم: 141
خلاصة الدرجة: [فيه] أبو عقال قال ابن حبان : يروي عن أنس أشياء موضوعة
195275 - أنه عليه السلام خرج إلى البقيع فأدركتني الغيرة ، فخرجت في أثره فقال : يا عائشة إنه ليس بين المشرق والمغرب مقبرة أكرم على الله من الذي رأيت ، إلا أن يكون مقبرة عسقلان ، قلت : وما مقبرة عسقلان ؟ قال : رباط المسلمين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألف شهيد ، لكل شهيد شفاعة لأهل بيته
الراوي: عائشة المحدث: الذهبي - المصدر: ترتيب الموضوعات - الصفحة أو الرقم: 141
خلاصة الدرجة: [فيه] أبو هرمز : تركوه ، وكذبه ابن معين
195289 - يحول الله يوم القيامة ثلاث قرى من زبرجدة تزف إلى أزواجهن عسقلان والاسكندرية وقزوين
الراوي: أنس المحدث: الذهبي - المصدر: ترتيب الموضوعات - الصفحة أو الرقم: 142
خلاصة الدرجة: [فيه] عمر بن صبح متهم بالكذب
126864 - عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا لا حساب عليهم ويبعث منها خمسين ألفا شهداء وفودا إلى الله وبها صفوف الشهداء رءوسهم مقطعة في أيديهم تثج أوداجهم دما يقولون { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد } فيقول صدق عبيدي اغسلوهم بنهر البيضة فيخرجون منه نقاء بيضا فيسرحون في الجنة حيث شاءوا
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن كثير - المصدر: تفسير القرآن - الصفحة أو الرقم: 2/162
خلاصة الدرجة: يعد من غرائب المسند ومنهم من يجعله موضوعا
199912 - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يذكر أهل مقبرة يوما قال : فصلى عليها فأكثر الصلاة عليها ، قال : فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : أهل مقبرة شهداء عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: ابن كثير - المصدر: مسند الفاروق - الصفحة أو الرقم: 2/703
خلاصة الدرجة: منكر جدا
190656 - عسقلان أحد العروسين يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن كثير - المصدر: الباعث الحثيث - الصفحة أو الرقم: 1/117
خلاصة الدرجة: [فيه] أبو عقال اسمه هلال بن زيد وهو متفق على تضعيفه
164764 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على مقبرة فقيل له يا رسول الله أي مقبرة هذه فقال هي مقبرة بأرض العدو يقال لها عسقلان يفتحها أناس من أمتي يبعث الله منها تسعين ألف شهيد يشفع الرجل منهم في مثل ربيعة ومضر ولكل عروس وعروس الجنة عسقلان
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: ابن حبان - المصدر: المجروحين - الصفحة أو الرقم: 1/334
خلاصة الدرجة: [فيه] حمزة بن أبي حمزة الجعفي ينفرد عن الثقات بالأشياء الموضوعات كأنه كان المتعمد لها لا تحل الرواية عنه
161256 - كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندي وفي ليلتي فلما كان بعض الليل قام فخرج إلى البقيع فأدركتني الغيرة فخرجت في أثره فقال يا عائشة أما إنه ليس بين المشرق والمغرب مقبرة أكرم على الله عز وجل من الذي رأيت إلا أن تكون مقبرة عسقلان قال قلت وما مقبرة عسقلان قال رباط المسلمين قديم يبعث الله فيها يوم القيامة سبعين ألف شهيد لكل شهيد شفاعة لأهل بيته
الراوي: عائشة المحدث: ابن حبان - المصدر: المجروحين - الصفحة أو الرقم: 2/402
خلاصة الدرجة: موضوع
18661 - عسقلان أحد العروسين يبعث الله منها يوم القيامة أربعين ألف شهيد
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - الصفحة أو الرقم: 6/41
خلاصة الدرجة: [فيه] عمر بن محمد بن زيد هو في جملة من يكتب حديثه
22205 - عسقلان أحد العروسين التي تهدي شهداءها وفودا إلى الجنة يبعث الله من مقبرتها سبعين ألف شهيد تقتطع رؤوسهم بأيديهم وتنفح أوداجهم دما يقولون { ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد } يقول الله صدق عبادي أدخلوهم الجنة واغسلوهم في نهر البيضة فيخرجون منها بيضا أنقياء يهرجون في الجنة حيث يشاؤون وإن بها لمصاف الشهداء يوم القيامة وخمسون ألفا وفودا إلى ربهم
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن عدي - المصدر: الكامل في الضعفاء - الصفحة أو الرقم: 8/423
خلاصة الدرجة: بهذا الإسناد غير محفوظ
70396 - سألتني عائشة عن عسقلان قلت ما تسألني عن عسقلان فقالت كان رسول الله عندي وفيه ذكر مقبرة عسقلان
الراوي: عطاء المحدث: ابن القيسراني - المصدر: تذكرة الحفاظ - الصفحة أو الرقم: 206
خلاصة الدرجة: [فيه] نافع بن هرمز الجمال يضع الحديث على عطاء وعلى أنس
132909 - عسقلان إحدى العروسين ، يحشر الله عز وجل منها سبعين ألفا لا حساب عليهم
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن القيسراني - المصدر: ذخيرة الحفاظ - الصفحة أو الرقم: 3/1578
خلاصة الدرجة: [فيه] هلال بن زيد متروك
222707 - سألتني عائشة عن عسقلان وفيه ذكر مقبرة عسقلان
الراوي: - المحدث: ابن القيسراني - المصدر: معرفة التذكرة - الصفحة أو الرقم: 158
خلاصة الدرجة: فيه نافع أبو هرمز الجمال يضع الحديث
198085 - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر أهل مقبرة يوما ويصلي عليها فأكثر الصلاة ، فسئل رسول الله عنها فقال : مقبرة شهداء عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: ابن الجوزي - المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/311
خلاصة الدرجة: لا يصح
198092 - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على مقبرة فقيل له : يا رسول الله أي مقبرة هذه ؟ فقال : هي مقبرة بأرض العدو يقال لها عسقلان يفتحها ناس من أمتي ، يبعث الله منها سبعين ألف شهيد ، يشفع الرجل في مثل ربيعة ومضر ، وعروس الجنة عسقلان
الراوي: عبدالله بن عمر المحدث: ابن الجوزي - المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/312
خلاصة الدرجة: لا يصح
198099 - عسقلان أحد العروسين ، يبعث منها يوم القيامة سبعون ألفا لا حساب عليهم ، ويبعث منها خمسون ألفا شهداء وفودا إلى الله عز وجل ، وبها صفوف الشهداء رؤوسهم مقطعة في أيديهم ، تثج أوداجهم دما . يقولون : { ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد } [ سورة آل عمران : 194 ] فيقول الله سبحانه وتعالى : صدق عبيدي ، اغسلوهم بنهر البيضة ، فيخرجون منها بيضا نقيا وينزلون في الجنة حيث شاءوا
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن الجوزي - المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/313
خلاصة الدرجة: لا يصح
198105 - عسقلان أحد العروسين ، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفا وفودا شهداء إلى الله ، وبها صفوف الشهداء تقطع رؤوسهم في أيديهم فتثج دما ، يقولون { ربنا آتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة ، إنك لا تخلف الميعاد } فيقول الله سبحانه وتعالى : صدق عبيدي اغسلوهم بنهر البيضة ، فيخرجون منها بيضا نقيا وينزلون في الجنة حيث شاءوا وفي حديث آخر : والعروس الأخرى الإسكندرية
الراوي: أنس بن مالك المحدث: ابن الجوزي - المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/314
خلاصة الدرجة: لا يصح
198106 - عسقلان أحد العروسين ، يبعث الله عز وجل منها يوم القيامة أربعين ألف شهيد
الراوي: أنس المحدث: ابن الجوزي - المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/314
خلاصة الدرجة: لا يصح
198114 - كان رسول الله عندي ، فلما كان في بعض الليل قام فخرج إلى البقيع . فأدركتني الغيرة ، فخرجت في إثره فقال : يا عائشة : أما إنه ليس بين المشرق والمغرب مقبرة أكرم على الله عز وجل من الذي رأيت ، إلا أن تكون مقبرة عسقلان ، قلت : وما مقبرة عسقلان ؟ قال : رباط للمسلمين ، ثم يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألف شهيد ، لكل شهيد شفاعة لأهل بيته
الراوي: عائشة المحدث: ابن الجوزي - المصدر: موضوعات ابن الجوزي - الصفحة أو الرقم: 2/315
خلاصة الدرجة: لا يصح
استهداف عسقلان وفلسطين وبلاد الشام في الحملات الصليبية
الحملة الصليبية الأولى ونتائجها
وفي تلك الأثناء أخذت الأنظار في أوروبا تتجه نحو الأرض المقدسة بعد أن دعا البابا أوربان الثاني (1088 - 1099م) في مجمع كليرومونت 26 تشرين ثاني / نوفمبر 1095م «لاسترداد» الأراضي المقدسة من أيدي المسلمين، تم عقد عدة مجمعات دعا فيها للحروب الصليبية (ليموج، انجرز، مان، تورز، بواتييه، بوردو، تولوز، نيم) خلال 1095-1096م، وقرر أن كل من يشترك في الحروب الصليبية تغفر له ذنوبه، كما قرر أن ممتلكات الصليبيين توضع تحت رعاية الكنيسة مدة غيابهم، وأن يخيط كل محارب صليباً من القماش على ردائه الخارجي.
وبدأت الحملات الصليبية بحملات العامة أو حملات الدعاة، وهي حملات تفتقر إلى القوة والنظام، وكان منها حملة بطرس الناسك وهو رجل فصيح مهلهل الثياب حافي القدمين يركب حماراً أعرج جمع حوله من فرنسا حوالي 15 ألفاً، وفي طريقهم أحدثوا مذبحة في مدينة مجرية لخلاف على المؤن فقُتل أربعة آلاف، وانضمت إليهم عند القسطنطينية جموع والتر المفلس، ودخلت حشودهم الشاطئ الآسيوي، وحدثت معركة مع السلاجقة انتصر فيها السلاجقة وقتلوا من الصليبيين 22 ألفاً ولم يبق من الصليبيين سوى ثلاثة آلاف. أما حملتا فولكمار وأميخ فقد أقامتا مذابح لليهود في الطريق، وتشتت الحملتان في المجر!!.
ثم كان ما يعرف بالحملة الصليبية الأولى وقد شارك فيها أمراء وفرسان أوروبيون محترفون وبدأت الحملة سيطرتها على مناطق المسلمين منذ صيف 1097م، وأسس الصليبيون إمارة الرها مارس 1098م بزعامة بلدوين البولوني. وحاصر الصليبيون أنطاكية تسعة أشهر وظهر من شجاعة صاحب أنطاكية باغيسيان «وجودة رأيه واحتياطه مالم يشاهد من غيره فهلك أكثر الفرنج ولو بقوا على كثرتهم التي خرجوا فيها لطبقوا بلاد الإسلام»، غير أن أحد الأرمن المستحفظين على أسوار المدينة راسله الصليبيون وبذلوا له «مالاً وإقطاعاً» ففتح للصليبيين الباب من البرج الذي يحرسه فاحتل الصليبيون المدينة، وأسسوا فيها إمارتهم الثانية 491هـ -3 يونيو 1098م، بزعامة بوهيمند النورماني.
وفي الوقت الذي كان السلاجقة يتعرضون فيه للزحف الصليبي شمال بلاد الشام، استغل الفاطميون الفرصة فاحتلوا صور 1097م وسيطروا على بيت المقدس في شباط / فبراير 1098م أثناء حصار الصليبيين لأنطاكية، واستقل بطرابلس القاضي بن عمار أحد أتباع الفاطميين، بل أرسل الفاطميون للصليبيين أثناء حصارهم لأنطاكية سفارة للتحالف معهم وعرضوا عليهم قتال السلاجقة بحيث يكون القسم الشمالي «سوريا» للصليبيين وفلسطين للفاطميين، وأرسل الصليبيون وفداً إلى مصر ليدللوا على «حسن نيَّاتهم»!!، وهكذا... فأثناء انشغال السلاجقة بحرب الصليبيين كان الفاطميون منشغلين بتوسيع نفوذهم في فلسطين على حساب السلاجقة حتى إن حدودهم امتدت حتى نهر الكلب شمالاً ونهر الأردن شرقاً..!!
وظهرت الخيانات وانكشف التخاذل من إمارات المدن التي حرصت كل منها على نفوذها و«كسب ود» الصليبيين أثناء توسعهم ومن ذلك ما حدث من اتصال صاحب إقليم شيزر بالصليبيين حيث تعهد بعدم اعتراضهم وتقديم ما يحتاجون من غذاء ومؤن بل وأرسل لهم دليلين ليرشداهم على الطريق!!، وقدمت لهم حمص الهدايا!! وعقدت معهم مصياف اتفاقية!!.. أما طرابلس فدفعت لهم الجزية، وأعانتهم بالأدلاء، ودفعت بيروت المال، وعرضت عليهم الدخول في الطاعة إذا نجحوا في احتلال بيت المقدس!!.
تابع ريموند دي تولوز (أمير إقليم بروفانس وتولوز بفرنسا) قيادة بقية الصليبيين إلى بيت المقدس وكان عددهم ألف فارس وخمسة آلاف من المشاة فقط!! وفي ربيع 1099م دخلوا مناطق فلسطين فمروا بعكا التي قام حاكمها بتموين الصليبيين!! ثم قيسارية ثم أرسوف، ثم احتلوا الرملة واللد وبيت لحم، وفي 7 حزيران / يونيو 1099م بدأوا حصار بيت المقدس، وكان حاكمها قد نصبه الفاطميون ويدعى افتخار الدولة، وتم احتلالها في 15 يوليو 1099 لسبع بقين من شعبان 492هـ. ولبث الفرنج أسبوعاً يقتلون المسلمين... وقتلوا بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفاً منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين، وعلمائهم وعبادهم(20). أما الدولة الفاطمية فقد واجهت الخبر ببرود، كما أن الدولة العباسية لم تحرك ساكناً!!
تولى حكم بيت المقدس القائد الصليبي جود فري بوايون، وتسمى تواضعاً بحامي بيت المقدس، واستسلمت نابلس، وتم للصليبيين احتلال الخليل(21).
ويقال إنه لم يبق من الصليبيين إلا ثلاثمائة فارس وألفين من المشاة ولم يستطيعوا توسيع سيطرتهم، ذلك أن كثيراً منهم عادوا إلى بلادهم بعد أن أوفوا قسمهم بالاستيلاء على بيت المقدس(22)، وبذلك أصبحت ممالك الصليبيين كالجزر وسط محيط من الأعداء، ومع ذلك كتب لها الاستمرار مائتي سنة حتى تم اقتلاع آخرها!! بسبب الإمدادات والحملات التي كانت تأتيهم بين فترة وأخرى، وبسبب ضعف المسلمين وتشرذمهم، وعدم استغلالهم لفرصة انسياب وانتشار الصليبيين على مساحات واسعة من الأرض بأعداد قليلة ليقضوا عليهم، ولكن المسلمين تأخروا حتى قويت شوكة الصليبيين وأصبح من الصعب اقتلاعها.
وتتابع سقوط مدن فلسطين الأخرى، فقد كانت يافا قد سقطت أثناء حصار بيت المقدس على يد سفن جنوية في 15 يونيو 1099م، وسيطر الصليبيون على شرق بحيرة طبرية (منطقة السواد) في مايو 1100م، واستولوا على حيفا عنوة في شوال 494 هـ - أغسطس 1100م بمساعدة أسطول كبير من البندقية، وملكوا أرسوف بالأمان وأخرجوا أهلها منها، وملكوا قيسارية 17 مايو 1109م بالسيف وقتلوا أهلها ونهبوا ما فيها وذلك في 17 مايو 1101م(23). وهكذا فرض الصليبيون هيمنتهم على فلسطين غير أن عسقلان ظلت عصية عليهم وكان المصريون (الفاطميون) يرسلون لها كل عام الذخائر والرجال والأموال، وكان الفرنج يقصدونها ويحاصرونها كل عام فلا يجدون لها سبيلاً، ولم تسقط عسقلان بأيدي الفرنج إلا في سنة 1153م-548هـ، وكان أهلها قد ردوا الفرنج مقهورين في ذلك العام، وعندما آيس الفرنج وهموا بالرحيل أتاهم خبرأن خلافاً وقع بين أهلها فصبروا. وكان سبب الخلاف أن أهلها لما عادوا قاهرين منصورين ادعى كل طائفة أن النصرة كانت من جهتها، فعظم الخصام بينهم إلى أن قتل من إحدى الطائفتين قتيل، واشتد الخطب وتفاقم الشر، ووقعت الحرب بينهم فقتل بينهم قتلى!! فطمع الفرنج، وزحفوا إلى عسقلان وقاتلوا «فلم يجدوا من يمنعهم فملكوه»(24)!! ترى... كم هي الهزائم التي تأتي من أنفسنا أو نصنعها بأنفسنا؟! {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}(25).
وهكذا تأسست مملكة بيت المقدس الصليبية، ونشير استطراداً إلى تأسيس الفرنج لمملكة صليبية رابعة هي طرابلس في 11 ذي الحجة 503هـ -12 يوليو 1109م بعد حصار دام سبعة أعوام.
استمرار الصراع (نظرة عامة)
من الصعب أن ندخل في تفصيل الأحداث سنة بسنة وحادثاً بحادث، خصوصاً أن منهجنا يميل إلى الاختصار ووضع اليد على النقاط المهمّة الحساسة في سياق حديثنا عن التجربة التاريخية للحل الإسلامي على أرض فلسطين، غير أن استكمال الصورة ومعرفة مجمل الظروف في تلك الفترة يقتضي الإشارة إلى المعطيات التالية التي ظهرت خلال الثلاثين سنة التي تلت الاحتلال الصليبي لبيت المقدس:
- كان عدد الصليبيين محدوداً وقد فرضوا هيمنتهم من خلال قلاع منتشرة كجزر معزولة في العديد من مناطق الشام.
- استمر الصراع والنزاع بين المسلمين، واستعان بعضهم بالصليبيين على خصومهم، مما أضعف الموقف الإسلامي، وجعل الصليبيين يلعبون في بعض الأحيان دور الشرطي، ويستفيدون من ذلك في زيادة نفوذهم وتقوية شوكتهم.
ومن ذلك الصراع بين طغتكين وبكتاش بن تتش على دمشق، حيث استعان بكتاش 498هـ بالفرنج على خصمه، ولحق به «كل من يريد الفساد»، غير أن ملك الفرنج لم يعطه سوى التحريض على الإفساد، ثم استقام الأمر لطغتكين(27). وعندما وقعت معركة بين الفاطميين والفرنج بين عسقلان ويافا سنة 498هـ ساعدت الفاطميين قوة من دمشق من 300 فارس وساعدت جماعة من المسلمين بقيادة بكتاش بن تتش الفرنج(28). وعندما جاء جيش السلطان من العراق سنة 509هـ إلى الشام لجهاد الصليبيين بقيادة برسق بن برسق خاف حكام دمشق وحلب على نفوذهم من أن يزول فتعاونوا بقيادة طغتكين مع فرنج أنطاكية ضد جيش السلطان. ثم ما لبث طغتكين نفسه أن قاتل فرنج بيت المقدس واستعاد رفنية بعد أن استولى الفرنج عليها(29)...، إنه القتال المرتبط بالمصلحة، فمرة يلبس ثوب الجهاد في سبيل الله، ومرة يلبس ثوب الدفاع عن «الحق» (الكرسي) تحت حجج الوراثة أو الكفاءة... حتى لو اقتضى ذلك التحالف مع الأعداء.
- استمر جهاد المسلمين ضد الفرنج (الصليبيين) دون توقف، وإن كان هذا الجهاد قد افتقر إلى حسن الإعداد والتنظيم، كما تعدد القادة المسلمون الذين يأتون ويذهبون، كما تعددت محاور الصراع والاشتباك مع الفرنج في بلاد الشام، وافتقر المسلمون إلى قاعدة كبيرة قوية تكون منطلقاً دائماً للجهاد، وكثيراً ما كان القتال بين مدينة أو قلعة إسلامية -تحاول الدفاع عن نفسها أو توسيع نفوذها- وبين الفرنج.
وتداول المسلمون والصليبيون النصر والهزيمة في المعارك، ولم يكن يمضي عام دون معارك وتبادلوا احتلال المدن والقلاع، ولم يكن من الصعب على المسلمين أن يدخلوا في وسط فلسطين ويخوضوا المعارك عند الرملة أو يافا أو غيرهما. غير أن الصليبيين ظلوا يحتفظون بنفوذهم وهيمنتهم في المناطق التي استولوا عليها.
وظهر عدد من المجاهدين المسلمين الذين كانت قدراتهم محدودة ولم يتمكنوا من توحيد قوى المسلمين لجهاد الفرنج، غير أنهم حافظوا على جذوة الجهاد، وألحقوا بالفرنج خسائر كبيرة وأفقدوهم الاستقرار والأمان وقتلوا أو أسروا العديد من قادتهم وزعمائهم(30). فمثلاً كان بين معين الدولة سقمان وشمس الدولة جكرمش حرب، ولمّا حوصرت حرَّان من قبل الفرنج سنة 497هـ تراسلا وأعلم كل منهما الآخر أنه قد بذل نفسه لله تعالى وثوابه فسارا واجتمعا بالخابور في عشرة آلاف من التركمان والترك والعرب والأكراد فالتقوا بالفرنج عند نهر البليخ، وهزم الفرنج فقتلهم المسلمون «كيف شاؤوا»، وأسر بردويل وفدى بخمسة وثلاثين ديناراً و 160 أسيراً من المسلمين وكان عدد قتلى الفرنج يقارب «12» ألفاً(31).
وفي سنة 507 هـ اجتمع المسلمون من الموصل وسنجار ودمشق وقاتلوا الفرنج عند طبرية وانتصروا عليهم وأسروا ملكهم «بغدوين» دون أن يعرف فأخذ سلاحه وأطلق وكثر القتل والأسر في الفرنج. ثم جاء مدد من جند أنطاكية وطرابلس فقويت نفوس الفرنج وعادوا للحرب فأحاط بهم المسلمون من كل ناحية وصعد الفرنج إلى جبل غربي طبرية ومكثوا 26 يوماً دون أن ينزلوا للقتال، فتركهم المسلمون وساروا إلى بيسان ونهبوا «بلاد الفرنج» بين عكا إلى القدس وخربوها، ورجع المسلمون. وعاد مودود بن التونتكين صاحب الموصل مع طغتكين إلى دمشق، وهناك في صحن المسجد في يوم الجمعة وثب عليه باطني فجرحه أربع جراحات وقُتل الباطني، وأبى مودود أن يموت إلا صائماً، وكان خيراً عادلاً كثير الخير. ويقال إن طغتكين هو الذي تآمر عليه. وكتب ملك الفرنج إلى طغتكين بعد قتل مودود كتاباً جاء فيه: «إن أمة قتلت عميدها يوم عيدها في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها»(32)!!
- المسلمون من سكان فلسطين الأصليين استمروا في سكنهم للبلاد التي احتلها الفرنج، ولكن قسماً منهم هجروها إلى شرق الأردن ودمشق، وأنفوا من التعاون مع الصليبيين. ولذلك تعطلت الزراعة في أكثر المدن الساحلية الفلسطينية. وقد عمل هؤلاء على محاربة الصليبيين وقدموا خدمات للمسلمين المهاجمين، وانضموا إلى كتائب المسلمين في بلاد الشام وساعدوهم كأدلاء في فلسطين، ويقول المؤرخ الصليبي وليم الصوري عنهم «إنهم علموا عدونا كيف يدمرنا لأنهم يملكون معلومات كافية عن حالتنا»(33).
وكان من أبرز قادة المسلمين المجاهدين الأوائل أقسنقر البرسقي الذي ولاه السلطان محمد سنة 508هـ الموصل وأعمالها وأمره بقتال الفرنج، وخاض أقسنقر المعارك ضد الصليبيين في شمال الشام، ودخلت -بالإضافة إلى الموصل والجزيرة وسنجار- مدينة حلب سنة 518هـ تحت زعامته فتوسعت جبهته المعادية للصليبيين، غير أنه قُتل رحمه الله سنة 520هـ على يد الباطنية في الموصل وكان أقسنقر مملوكاً تركياً خيراً يحب أهل العلم والصالحين، ويرى العدل ويفعله، وكان من خير الولاة، يحافظ على الصلوات في أوقاتها ويقوم الليل(34).
- الدولة الفاطمية في مصر بقيادة وزيرها الأفضل بدر الجمالي أرسلت حملات عديدة إلى فلسطين وحاولت الدفاع عن مناطق نفوذها على الساحل، غير أن حملاتها لم تكن بمستوى ما تزخر به مصر من قدرات وإمكانات، ويظهر أن حملاتها اتخذت طابعاً استعراضياً، وافتقرت إلى التنسيق الجاد مع القوى الإسلامية في الشام(35). وكان الحكم الفاطمي قد افتقد مصداقيته الجهادية الإسلامية عندما راسل الفرنج وهم يزحفون باتجاه بيت المقدس عارضاً التحالف ضد السلاجقة وتقاسم النفوذ في الشام. ومهما يكن، فإن الدولة الفاطمية كانت في طور الأفول، وكانت تعاني من عوامل الضعف والانهيار.
).
وبعد معركة حطين فتحت الطريق أمام المسلمين لتحرير معظم أرجاء فلسطين فخلال أيام قليلة تم فتح طبرية ثم عكا (10 يوليو)، ثم الناصرة وصفورية، ثم قيسارية وحيفا وأرسوف، ثم نابلس، ثم الفولة ودبورية وجنين وزعين والطور واللجون وبيسان وجميع ما يتبع طبرية وعكا، وتم فتح يافا. ثم اتجه المسلمون شمالاً ففتحوا حصن تبنين، ثم صيدا (29 يوليو)، ثم بيروت (6 أغسطس)، وجبيل. ثم اتجهوا جنوباً لاستكمال فتوح فلسطين ففتحوا الرملة ويبنه وبيت لحم والخليل، ثم عسقلان (4 سبتمبر)، وغزة والداروم، وأقام صلاح الدين بعسقلان حتى تسلم حصون الداوية في غزة والنطرون وبيت جبريل... وغيرها(110). وقد تمَّ ذلك كله لصلاح الدين في شهرين تقريباً وبعضها كان يحتاج إلى سنين من الحصار لاقتحامه وكان جملة ما فتح «خمسين بلداً كباراً كل بلد له مقاتلة وقلعة ومنعة»(111).
وبعد صلاح الدين جاء ابناؤه واستمر الصراع بين أبناء البيت الأيوبي، غير أن الناصر داود صاحب الأردن انتهز فرصة انتهاء مدة صلح يافا وتحصين الفرنج بيت المقدس بخلاف الشروط فاستولى على القدس وطرد منها الفرنج 6 جمادى الأولى 637هـ - 7 ديسمبر 1239 ولكن الصالح إسماعيل صاحب دمشق سلمها لهم 638هـ-1240م!! بعد أن طلب مساعدتهم له ضد صاحب مصر الصالح نجم الدين أيوب، هذا فضلاً عن تسليمهم عسقلان وقلعة الشقيف ونهر الموجب وأعمالها وقلعة صفد وأعمالها ومناصفة صيدا وطبرية وأعمالهما وجبل عامل وسائر بلاد الساحل... وقد أثار هذا التصرف سخط المسلمين الذين «أكثروا من التشنيع على الملك الصالح إسماعيل» وهكذا عادت القدس مرة أخرى للفرنج.
وعندما حشد الصالح إسماعيل قواته لينضم إلى حلفائه الفرنج عند غزة لقتال الصالح أيوب رفض جند الشام محالفة الفرنج ضد إخوانهم فانحازوا إلى جند مصر وهزموا الفرنج هزيمة كبيرة، ولكن الصالح أيوب صالحهم 638هـ -1240م واستقرت سيطرتهم على بيت المقدس وما أعطاهم إياه الصالح إسماعيل(132).
الرباط في الشام وعسقلان
الرباط في ساحل الشام
الرباط في ساحل الشام، عنوان محاضرة عمر عبدالسلام تدمري في جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية بطرابلس – الأحد 2/11/2003م.
قال الله تعالى في القرآن الكريم :
" يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله تعالى لعلكم تفلحون".(آل عمران200)
وقال تعالى:
" وأعدُُّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ ومن رِباط الخيل تُرهِبون به عدُوّ الله وعدوّكم". (الأنفال 60)
والرباط : الإقامة على جهاد العدوِّ بالحرب وارتباط الخيل وإعدادها.
(قاله في: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير) يقال: " فُلانٌ له رِباط من الخيل".الحصن أو المكان الذي يرابط فيه الجيش.
وقال القتيبي: أصل الرباط أن يربط الفريقان في ثغرٍ، كلٌّ معدٌّ لصاحبه، ثم سمي المقام في الثغور رباطاً.
والمرابط أو الرابط : الزاهد أو الراهب ، الحكيم الذي نزه نفسه عن الدنيا. ويقال: رابط الجأش" شجيع لا يخاف.
وفي كتب السنن كثير من الأحاديث الشريفة في ترغيب المسلمين على الرباط والمرابطة وبيان أجر المرابط. قال سلمان الفارسي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رباط يومٍ وليلة في سبيل الله كصيام شهرٍ وقيامه ، وإن مات جرى له أجر المرابط إلى أن يبعث وأومن من الفتَّان، وقطع له برزقٍ من الجنة".
وأجر المرابط يتضاعف في رباطه على الساحل عن رباطه في الحصون الداخلية،وهذا ما يدل عليه حديث أم الدرداء، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن رابط في شيءٍ من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزت عنه رباط سنة".
وروي هشام بن الغاز الصيداوي قال:حدثني مكحول ، عن سلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رباط في سبيل الله خيرٌ من قيام شهر وصيامه يقام فلا يقعد، ويصام فلا يفطر. ومن مات مرابطاً في سبيل الله نجا من عذاب القبر ويجري عليه صالح عمله إلى يوم القيامة".
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مات مرابطاً مات شهيداً ووفِّي فتّان القبر وغدي وريح برزقه وجرى عليه عمله".
وعن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كلُّ الميت يختم على عمله إلا المرابط فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتَّان القبر".
ومنذ فتح المسلمون سواحل الشام في عهد الخلفاء الراشدين تحولت المدن الثغرية إلى رباطٍ للصحابة ـ رضوان الله عليهم أجمعين وللمجاهدين في سبيل الله.
وكان الصحابة يفضلون الرباط على الجهاد لأن في الجهاد شروطاً كثيرة ليست في الرباط.
وكان ساحل الشام كله يعتبر رباطاً بعد الفتح، إذ عنده تنتهي حدود ديار الإسلام على الطرف الشرقي للبحر المتوسط. وفي الطرف الآخر حدود دولة الروم البيزنطية بأسطولها البحري الذي يهدد سواحل الشام في كل آنٍ. ويؤيد ذلك ما ذكره الحافظ " ابن عساكر الدمشقي" مرفوعاً عن أبي الدرداء الأنصاري" قال: أهل الشام وأزواجهم وذراريهم وعبيدهم وإماؤهم إلى منتهى الجزيرة (الفراتية) مرابطون في سبيل الله، فمن احتل منها مدينة من المدائن فهو في رباط ومن احتل منها ثغراً من الثغور فهو في جهاد".
وكانت نقاط المواجهة مع العدو والربط تنتشر على الساحل ومن أهمها:
جبلة،أنطرطوس،طرابلس،جبيل،بيروت،الصرفند،صور،عكا،عسقلان. والرباط في هذه الثغور الشامية يفضل الرباط في السواحل الإسلامية الأخرى بعدة أضعاف لتعاظم الخطر الدائم عليها،وهذا ما تشير إليه رواية "إبراهيم اليماني" قال: " قدمت من اليمن فأتيت سفيان الثوري.فقلت: يا أبا عبدالله إني جعلت في نفسي أن أنزل جُدّة فأرابط بها كل سنة ، وأعتمر في كل شهر عمرة،وأحج في كل سنة حجة،فأقرب من أهلي أحب إليك،أم آتي الشام؟ فقال لي: يا أخا أهل اليمن، عليك بسواحل الشام،عليك بسواحل الشام؟فإن أهل البيت محجة في كل عام مائة ألف،ومائتا ألف،وثلاثمائة ألف،وما شاء الله من التضعيف،لك مثل حجهم وعمرتهم ومناسكهم".
وعن ابن حوالة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سيصير الأمر أن تكونوا جنوداً مجنَّدة،جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق ".قال ابن حوالة خِرْ لي يا رسول الله إن أدركت ذلك،فقال : " عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم،واسقوا من غدركم، فإن الله توكل لي بالشام وأهله .".
ويعتبر أبو الدرداء أول من قدم للرباط في ساحل " لبنان" من الصحابة، حيث نزل بيروت بعد فتحها مباشرة وهذا ما تفيدنا به رواية "محمد بن المبارك الصوري"المتوفى سنة 215هـ. والتي تقول أن سلمان الفارسي قدم دمشق، فلم يبق فيها شريف إلا عرض عليه المنزل، فقال: إني عزمت على بشير بن سعدٍ مرتي هذه، فسأل عن أبي الدرداء ، فقيل: مرابط.فقال: وأين مرابطكم يا أهل دمشق ؟ قالوا: بيروت.فخرج للرباط معه هناك.
فهذه الرواية تؤكد أن مرابطة أبي الدرداء وسلمان الفارسي كانت في وقت مبكر بعد فتح المسلمين لبيروت مباشرة،إذ أن"بشير بن سعد" الذي نزل عنده سلمان في دمشق توفي سنة 13هـ.ما يعني أن بيروت كانت مفتوحة في تلك السنة وأن أبا الدرداء كان مرابطاً فيها، ثم لحق به سلمان الفارسي ومعه عبدالملك بن أبي ذر الغفاري"
فقد ذكر أبن عساكر "أن عبدالملك قدم مع سلمان إلى الشام مرابطاً/ وكان مرابط سلمان ببيروت. قال عبدالملك:"أمرني أبي بصحبة سلمان الفارسي فصحبته إلى الشام فرابطنا فيها، حتى إذا انتهى رباطنا أقبلنا نريد الكوفة".
ولكن هذه الرواية لا توضح لنا كم أمضى أبو الدرداء، أو سلمان، أو عبدالملك، في رباطهم ببيروت،إلا أننا يمكن أم نقول إنهم أقاموا مرابطين في بيروت ما لا يقل عن أربعين يوماً على الأقل،إذ كان تمام الرباط بتمام أربعين يوماً، وفي ذلك أحاديث عدة، منها أن أبا هريرة قال:من رابط أربعين ليلة فقد أكمل الرباط.
ومنها أن رجلاً من الأنصار جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:أين كنت قال: في الرباط. قال: كم رابطت؟ قال: ثلاثين. قال فهلاّ أتممت أربعين؟ وكان أبو هريرة يقول:" رباط ليلةٍ إلى جانب البحر من عورة المسلمين أحبٌّ إلي من أن أوافق ليلة القدر في أحد المسجدين مسجد الكعبة أو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ورباط ثلاثة أيام عدل السنة.وتمام الرباط أربعون ليلة".
وروى أبو الفرج غيث بن علي الصوري" في تاريخ صور بسند عن أبي هريرة وأبي الدرداء لقي أنس أبا الدرداء وأبا هريرة وابن مسعود مقبلين من سلسلة، وسلسلة حصن يكون من ساحل دمشق فيه منبر. قال فأقمت بسلسلة وذلك أن جبريل عليه السلام عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر سواحل الشام فعرض عليه سلسلة فوجدها مكتوبة في أسكُفة باب عدن وهي جنة المأوى.( وفي رواية: في أسفلها بأنها عدن).قال عبدالله بن مسعود:أقمت فيها ثلاثاً اقتصرت الصلاة والقصر فيها كمن أتم الصلاة سبعين سنة.
وهذه الرواية تؤكد على مرابطة أنس بن مالك، وأبي هريرة،وابن مسعود بحصن السلسلة من ساحل دمشق وأن أنس اقتدى بأبي الدرداء،وأبي هريرة وابن مسعود.
وقد أوضح"الواقدي" في فتوح الشام"،"وابن عساكر:في "تاريخ دمشق" أن حصن السلسلة في سفح جبل تربل شمالي طرابلس.ويحتمل أن هذا الحصن هو الذي عُرففيما بعد بحصن أبي العدس في ساحل الدعتور أو البداوي. وهو بين عِرْقة وطرابلس.
وروى" محمد بن أحمد بن عبدوس الصوري" بسنده عن كعب الأحبار قال:يا أهل الشام، أهل الشام من أراد منكم الرفق في المعيشة مع العبادة فعليه ببيسان.ومن أراد منكم السعة في الرزق والسلامة في الدين فعليه بعرقة ، ومن أراد منكم أن يجمع له دينه ودنياه فعليه بصور.
وكان سلمان حين نزل بيروت اجتمع عليه المسلمون في مسجدها ليسمعوا حديثه،فقال لهم:يا أهل بيروت، ألا أحدثكم حديثاً يذهب الله به عنكم غرض الرباط؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" رباط يوم كصيام شهر وقيامه، ومن مات وهو مرابطاً في سبيل الله أجير من فتنة القبر، وأجري له ما كان يعمل إلى يوم القيامة ".
وهكذا كانت بيروت من أوائل ثغور المرابطين، وذلك لقربها من دمشق وكونها فرضة مدينة بعلبك"، وفي ذلك يقول "ابن حوقل " : " بيروت على ساحل بحر الروم، وهي فُرضة بعلبك، وبها يرابط أهل دمشق وسائر جندها، وإليها ينفرون عند استنفارهم".
وكذلك فإن سلمان الفارسي رابط بساحل حمص، حيث رآه هناك " شُرَحْبيل بن السَّمط" فقال له:مالك على هذا؟ قال مرابط.
وكان " عبادة بن الصامت" أميراً على اللاذقية مرابطاً بها، وهو فاتح جبلة،وأنطرطوس،وبانياس.
وحسب الروايات المتواترة إلى الآن عند أهالي جنوب لبنان، وخصوصاً عند الشيعة منهم فإن أبا ذرٍ الغفاري كان يرابط في الصرفند بين صيدا وصور.وقد تقدم أن ابنه"عبدالملك" صحب سلمان الفارسي ورابط معه في بيروت بناءً لأمره.
وقد تحولت الصرفند أو صرفنده إلى حصنٍ ورباط لأبناء الأنصار من ذرية أبي ذر،ومن ذرية أبي الدرداء، ومن ذرية النعمان بن بشير الأنصاري" ووقفنا على تراجم بعضهم ممن ينسبون إلى الصرفند على الساحل المعروف بين صيدا وصور بالماحوز.
و"الماحوز" هو الموضع، وأهل الشام يسمون المكان الذي بينهم وبين العدو وفيه أساميهم ومكاتبهم ماحوزاً . وورد عند " المقدسي" المعروف بالبشاري: ماحوز أُشْدُود و ماحوز يُبْنا، وهما في شماليّ فلسطين.
ونحن نرى أن الماحوز كان بمثابة معسكر أو مكان إقامة من يدخل في حوزة المسلمين من أهالي البلاد المفتوحة،حيث تسجل أسماؤهم وتقام لهم مكاتب للإشراف عليهم . وهذا ما فعله أمير بحر الشام" الأسود بن بلال المحاربي" حين نقل طائفة من أهل قبرس في سنة 125هـ./743م. فأسكنهم الخليفة الأموي الوليد بن يزيد في الماحوز على الساحل بين صيدا وصور حسب المؤرخ" أغابيوس بن قسطنطين المنبجي".
ولقد رابط المسلمين مع الصحابي" سفيان بن مجيب الأزدي" عندما بني حصنه الذي عرف باسمه وفتح منه طرابلس حول سنة 25هـ.(و بالمناسبة ينبغي الاحتفال في العام القادم 1425هـ.بمرور 1400عام على تأسيس قلعة طرابلس وفتح طرابلس الإسلامي، وهذه دعوة أطلقها لبدء التحضير لهذه المناسبة التاريخية المجيدة، وعسى أن تتبناها جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية ).
ووضع معاوية نظاماً دفاعياً خاصاً لمدينة طرابلس ،واستمر هذا النظام قائماً إلى أيام" عبدالملك بن مروان".
ومن المرابطين المشاهير في القرن الهجري الثاني: الإمام الأوزاعي الذي أراد الرباط في بيروت وهي التي استقبلت قبله" حيّان بن وَبَرَة المُرِّيّ" صاحب أبي بكر الصديق رضي الله عنه، إذ كان يجتمع عليه الناس في مسجدها ليسمعوا منه كما ذكر الإمام البخاري في تاريخه الكبير، وهذا ما استهوى الإمام الأوزاعي حين فكر بالإقامة فيها، وأوضحه في حوار قصير دار بينه وبين امرأةٍ سوداء في مقبرة بيروت حيث قال: جئت إلى بيروت أرابط بها فأعجبني أنني مررت بقبورها، فإذا امرأةُ سوداء في القبور فقلت لها:أين العمارة يا هنتاه؟ فقالت لي إن أردت العمارة فهي هذه وأشارت إلى القبور ـ وإن كنت تريد الخراب فأمامك،و أشارت إلى البلد.فقلت: هذه سوداء تقول هذا ؟! لأقيمن بها .فأقمت ببيروت.
وخرج الأوزاعي يوماً من باب مسجد بيروت، وهناك دكان فيه رجل يبيع الناطف بحذاء درج المسجد، وإلى جانبه دكان يبيع البصل، وهو يقول: يا بصل أحلى من العسل، أو قال: أحلى من الناطف .فقال الأوزاعي: سبحان الله أيظن هذا أن شيئاً من الكذب يباح؟فكأن هذا ما يرى في الكذب بأساً.
وقال الأوزاعي : كان عندنا رجل يخرج يوم الجمعة إلى الصيد ولا ينتظر الجمعة فخسف ببغلته فلم يبق منها إلا أذناها.
وكان في بيروت قاضٍ قال للناس: احلقوا لحاكم فإنها نبتت على الضلالة حتى تنبت على الطاعة، فحمل الناس كلهم على حلق اللحى فكنت لا تلقى أحداً إلا محلوق اللحية.
وكثر في بيروت الذين ينكرون الإيمان بالقدر حتى طالت الظنون الإمام الأوزاعي نفسه ، ولم تعد المدينة تطيب له بعد أن أخذت تتبدل ملامحها وأضحت تعكر صفو المرابطين، يؤيد ذلك ما رواه" حسان بن سليمان الساحلي" قال:
" كنت رفيقاً لسفيان الثوري فحبب إلي الرباط فقلت" له: إني أحببت الرباط وإني لأحب أن ترتاد لي موضعاً أحبس فيه نفسي بقية أيامي فقال له:إن الأوزاعي بالشام فأته فإنه لن يدخر عنك نصيحة فأتيت بيروت فبت فيها فلما صليت الغداة مع الجماعة قلت لرجلٍ إلى جانبي : أيّهُم الأوزاعي؟ فأشار إليه بيده وكان مستقبلاً القبلة وكان إذا صلى لم يلتفت عن القبلة حتى تطلع الشمس فإذا طلعت أسند ظهره إلى القبلة فمن سأله عن شيءٍ أجابه.فقلت:إن يكن عند أحدٍ خير من سفيان فعند هذا لرجل فتقدمت فسلمت عليه فقال لي: كيف تركت أخي سفيان؟ فقلت له بخيرٍ وهو يقرئك السلام ثم قلت إني كنت رفيقاً له زماناً وأخبرته بخبري فقال : عليك بصور فإنها مباركة مدفوع عنها الفتن يصب يصبح فيها الشر فلا يمسي ويمسي فيها فلا يصبح قبر نبي في أعلاها.
فقلت له تشير علي بصور وأنت في بيروت؟ فقال لي: سبق المقدور ولو أنني استقبلت من أمري ما استدبرت ما عدلت بها بلداً.
وورد ذكر عسقلان في الحديث الشريف عن عطاء الخراساني قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رحم الله أهل المقبرة" ثلاث مرات فسئل عن ذلك فقال تلك مقبرة تكون بعسقلان فكان عطاء يرابط فيها كل عام أربعين يوماً حتى مات.
ورابط إبراهيم بن أدهم" في طرابلس وجبيل وبيروت وصور حتى استشهد وهو يغزو في البحر وقد أقام في سواحل لبنان وجباله أربعاً وعشرين سنة وعندما مات دفن في موضع من صور يقال له "مْدفلة". قال أبو نعيم الأصبهاني:فأهل صور يذكرونه في تشبيب أشعارهم ولا يرثون ميتاً إلا بدءوا أولاً بابراهيم بن أدهم.
وورد في بعض المصادر أنه دفن بظاهر طرابلس وقيل بدمشق والمشهور أن قبره بجبلة.
ويعتبر المرابطون من أصحاب الدواوين المكتَتِبِين أفضل من المرابطون المتطوعين لارتباطهم الدائم بما نذروا أنفسهم له وفي ذلك يقول الشعبي حين سئل عن الغزو وعن أصحاب الديوان أفضل أو المتطوع قال بل أصحاب الديوان فالمتطوع متى شاء رجع.
ولهذا اكتتب الأوزاعي في ديوان الجهاد وخرج في غزوةٍ إلى اليمامة.
وحدّث الأوزاعي عن ’’ القاسم بن مُخَيْمَرة الهمْداني الكوفي‘‘ قال: كان يقدم علينا هاهنا بيروت متطوعاً وكان يغزو الساحل فإذا أراد أن يرجع استأذن الوالي فقيل له: أرأيت إن لم يأذن لك؟ قال :إذا أقيم. ثم قرأ: (وإذا كانوا معه على أمرٍ جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه).(النور62)
وكان أهل الشام وسواحلها يروون أحاديث الجهاد والرباط بحكم موقع بلادهم والخطر الذي تتعرض له من البيزنطيين فكان" سويد بن عبدالعزيز" قاضي بعلبك ومحمد بن هاشم البعلبكي وابنه أحمد يروون حديث " عُتْبَة بنِ النٌّدَّر السُلمي" أن رسول الله صلى عليه وسلم قال:" إذا انتاط (أي بعد) غزوكم وكثرت الغرائم واستحلت المغانم فخير جهادكم الرباط".
ولم يقف رباط المسلمين عند حدود سواحل الشام فحسب بل تعداها إلى عمق البحر المتوسط فرابطوا في الجزر التي فتحوها وخاصة في أرواد و قبرس و رودس وكريت (أقريطش). وذلك منذ النصف الأول من القرن الأول الهجري.فبعد أن فتح المسلمون جزيرة قبرس في سنة 33هـ./654م.نقل معاوية إليها جماعة من أهل بعلبك فرابطوا فيها وبنوا فيها مدينة وظلوا حتى وفاة معاوية عام 60 هـ.حيث أعادهم ابنه يزيد.
وعن أنس بن مالك قال حدثتني أم حرام بنت ملحان أخت أم سلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عندهم فاستيقظ وهو يضحك قالت فقلت يا رسول الله ما أضحكك؟ قال: رأيت قوماً ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة" قالت قلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم.قال:فإنك منهم قالت ثم نام فاستيقظ وهو يضحك.قالت:فقلت يا رسول الله ما أضحكك؟ فقال مثل مقالته قلت: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم قال : أنت من الأولين.قال فتزوجها عبادة بن الصامت فغزا في البحر فحملها معه فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فاندقت عنقها فماتت.
قال أبو داوود في سننه: ماتت بنت مِلحان بقبرس.
وخرج معاوية في الناس من ميناء صيدا إلى جزيرة رودس ففتحوها عام 33هـ/654م. وبقيت خراباً يباباً حتى تولى معاوية الخلافة عام 40هـ.فأرسل إليها "جنادة بن أبي أمية الأزدي " في جماعة من المسلمين فرابطوا فيها وعمَّرها "جنادة" وبنى فيها مسجداً وشحنها بالمقاتلة وقوَّاهم بالسلاح والأموال وأمرهم بزراعة الجزيرة فكان مجاهد بن جبر" المقرئ يرابط في رودس ويقرئ الناس القرآن.
وكان مجاهد قد ساءته تصرفات بعض ولاة الأمر لأسباب لم توضحها المصادر وشكا ذلك إلى عبدالله بن عمر بن الخطاب فأشار عليه بأن لا يهتم بما أحدثه الأمراء وأن ينصرف للغزو وعرض عليه بعض ماله لينفقه في الغزو والرباط وروى عن ذلك فقال: قلت لابن عمر رضي الله عنهما-: ما تقول في الغزو فقد صنع الأمراء ما قد رأيت.قال: أرى أن تغزو فإنه ليس عليك مما أحدثوا شيء.فإذا أردت ذلك فاجعل طريقك علي. فمررت بالمدينة.فقال ابن عمر:إني أحب أن أعينك في وجهك هذا بطائفة من مالي .قلت: إذاً لا أقبل.إني رجل قد وسع الله عليّ.قال:إن غناك لك. إني أحب أن تكون طائفة من مالي في هذا الوجه .وانطلق يلتمس القرض،فلم يجد أحداً يقرضه.فقال:أتخافون أن لا أقضِيَكم؟ ثم كتب إلى قيمٍ له بالشام أن يدفع إليَّ دنانير قد سماها أستعين بها على وجهي.قال:فانطلقت فلم أزل مرابطاً في جزيرة من البحر سنين ثم بدا لبعض مراء المؤمنين أن يخرب تلك الجزيرة ويخرج أهلها منها فوالله لكأنما جيء بي شيئاً حيث رجعت إلى أهلي.