السعودية تتنصل من إرثها الوهابي
تقوم السعودية بالتنصّل من إرثها الوهابي بخطوات مُمنهجة ومُتسارعة كان آخرها إعلان الملك سلمان عن يوم 22 شباط – فبراير – من كل سنة يوماً لتأسيس الدولة السعودية، واعتباره إجازة رسمية تحتفل الدولة فيه بذكرى تأسيسها سنوياً، وذلك باعتبار انّ محمد بن سعود قد أعلن عن تأسيس الدولة السعودية بتاريخ 22 – 02 – 1727 ميلادي.
وكانت السعودية في السابق لا تعتبر هذا التاريخ هو تاريخ التأسيس، بل كانت تعتبر تاريخ تأسيسها الحقيقي يعود إلى العام 1745 وليس إلى العام 1727، ففي العام 1745 تمّ الاتفاق التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب على تأسيس الدولة، والفرق بين التاريخ الاول والثاني ثمانية عشر عاماً.
ففي العام 1727 كانت إمارة آل سعود صغيرة وضعيفة وغير قادرة على البقاء، وظلّت كذلك إلى أنْ انضم محمد عبد الوهاب إلى محمد بن سعود في العام 1745 فأعطاها الزخم، وتوسّعت الدولة، وتمدّدت وترسّخت، وتمّ إرساء قواعدها المبنيّة على أساس المذهب الوهابي، فنالت بذلك ثقة المُستعمر الانجليزي الذي دعمها بقوة ضدّ الخلافة الاسلامية العثمانية، ووضع كل ثقله خلفها لتكون هذه الدولة السعودية الوليدة – فيما بعد – هي قاعدة السياسة البريطانية في المنطقة، ولتتحوّل إلى خنجر مسموم تستخدمه بريطانيا لتطعن به قلب الأمّة الاسلامية، ولتقود أكبر عملية انفصالية عن الدولة العثمانية.
هكذا إذاً تمّت ولادة الدولة السعودية الاولى وذلك بتقاسم السلطة بين الأمير والشيخ، فالحكم والسياسة والحرب للأمير، والدين والفتوى والعبادة للشيخ، فالأول ولي الأمر والثاني يمنحه الشرعية والطاعة الواجبة مُقابل احتكار المنصب الديني، وبذلك أصبح أبناء آل سعود هم الحكام، وأصبح أبناء آل الشيخ هم المشرعنون، وتأسّست الدولة على هذا الأساس، واستمرت كذلك لأكثر من قرنين من الزمان، وامتدت على هذا المنوال حتى هذه الأيام.
لكنّ السعودية اليوم بدأت تتجاهل هذا الاتفاق وتتنصل منه، وأصبحت تُغيّر الاسس التي بُنيت عليها الدولة منذ اكثر من مائتي سنة، فتتجاهل الاتفاق التاريخي بين ابن سعود وابن عبد الوهاب، وأصبحت تفصل الصفة الوهابية عن الدولة، وتُقدّم نفسها على أنّها دولة علمانية بستار وذريعة الدولة المدنية، وهذا هو السبب الراجح في اختيار تاريخ 1727 كذكرى تأسيس، والتخلي عن تاريخ 1745 والذي هو الذكرى الحقيقية له.
يقول تركي الحمد أحد أبواق النظام:" إنّ تحديد يوم 22 شباط من كل عام لذكرى تأسيس الدولة باسم يوم التأسيس بدلاً من يوم الاتفاق التاريخي بين الأمير والشيخ إنّما هو للتأكيد على مدنية الدولة في جذورها الأولى، إذ قد جاء الشيخ إلى الدرعية مستنصرا وليس داعما أو مؤسّساً" ، وهذا الكلام الذي يتفوه به أبواق النظام فيه تزوير واضح للتاريخ لأنّ ابن عبد الوهاب لم يكن مستنصرا بل كان مؤسّساً وشريكاً لابن سعود.
ويُشبّه تركي الحمد الحركة الوهابية بالحركة المسيحية التاريخية فيقول: " كانت حركة عبد الوهاب التطّهرية الوهّابية أيديولوجية دينية ساعدت الدولة السعودية الاولى في التوسع بلا شك، وبعد ذلك انتهت مُهمّتها التاريخية مثل ما انتهت التطّهريّة المسيحية في بريطانيا وأمريكا حين التأسيس، واليوم انتهت هذه الضرورة وأصبحت جزءاً من التاريخ".
وكلام تركي الحمد هذا يدل بشكل قاطع على تنكر السعودية لدور ابن عبد الوهاب في تأسيس الدولة، ويدل على تعمّد تحجيم دور الوهابية في بناء الدولة، ويدل كذلك على مُحاولة تفكيك الإرث التاريخي الذي يجمع بين مملكة آل سعود وبين الوهابية.
ومن الخطوات المُتسارعة الاخرى التي تخطوها السعودية في هذا الاتجاه التحضير لتغيير العلم السعودي وإزالة عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله من صفحته، والاستبدال بها عبارة المملكة العربية السعودية، إلا أنّ حكام السعودية عندما وجدوا استنكاراً شعبياً كبيراً ضد هذه الخطوة التي طرحها ما يُسمّى بمجلس الشورى السعودي، تراجعوا مؤقتاً عنها، وتراجعت حكومتهم عن هذه الخطوة مؤقتاً ريثما تتهيّأ الأجواء.
إنّ هذه المناسبات السعودية المخترعة مثل يوم التأسيس الذي شُرع حديثاً، واليوم الوطني الذي شُرّع من قبل، تُساهم في فضح الدور السعودي المُتآمر على الأمّة، ويكشف مدى عداء السعودية للاسلام، ويُشعل في نفوس أبناء نجد والحجاز الثورة ضد حكام آل سعود الذين تورّطوا حتى النخاع في الخيانة.
بقلم احمد الخطواني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق