المساعدات الأجنبية تُثقل
كاهل البلدان الفقيرة
وتبقيها دولاً تابعة
ذليلة فقيرة
ليس غريباً أن المساعدات الأجنبية التي تقدمها الدول الاستعمارية
للبلدان المسماة دولاً نامية لم تتوقف ومنذ أكثر من خمسين عاماً تحت أي ظرف من
الظروف، فبالرغم من مرور الكثير من الدول المقدِّمة للمساعدات بظروف اقتصادية
صعبة، وبالرغم من تفاقم أوضاعها الاقتصادية وتدهور حالتها المالية ووقوعها في
براثن المديونية والبطالة والركود، بالرغم من ذلك كله إلا أنها لم توقف تقديم هذه
المساعدات للدول الفقيرة ولو لمرة واحدة، بل إنها لم تفكر قط بإيقافها.
تقول منظمة (أكشن وايد) في أحد تقاريرها: "إن هذه المساعدات
ليست إلا نوع من السراب لأن النسبة الكبرى من هذه المساعدات تعود بشكل غير مباشر
للدول المتبرعة ولا تسهم بفاعلية في معالجة أزمات الدول الفقيرة والأكثر
فقراً"، وتضيف في تقريرها: "إن نسبة كبيرة من الأموال التي تقدم
على شكل معونات إنسانية ومساعدات تنموية تعود للدول المتبرعة من خلال الاتفاقيات
التي تربط بين دفع المعونات وبيع سلع وخدمات من الجهات المتبرعة"، ويحدد
التقرير على سبيل المثال أن: "عشر سنتات فقط من كل دولار تدفعه واشنطن
كمساعدات فيما ينفق الباقي في إطار عقود جلب المنتجات الأمريكية والمستشارين
والفنيين الأمريكيين".
لذلك لم يكن غريباً أننا نجد دولاً في أفريقيا وآسيا كانت قبل
المساعدات أفضل حالاً مما عليه اليوم، فالعلاقة بين المساعدات الأجنبية والفقر
أصبحت علاقة طردية، فكلما زادت المساعدات زاد الفقر والعكس صحيح.
هذا من حيث المساعدات بوصفها مساعدات، أما من حيث نوعية تلك المساعدات
فكثير منها من النوعيات الرديئة، وبعضها لا تصلح للاستخدام لا سيما الأغذية منها.
يقول (جراهام هانكوك) في كتابه [سادة الفقر]: "إن الغذاء المقدم من
المجموعة الأوروبية كهدية عادة ما تصحبه كثير من الشكاوى من المستفيدين بناء على
قول عضو البرلمان الأوروبي ريتشارد بالف الذي قال: "إنه من غير المقبول
بتاتاً أن نقوم بتصدير غذاء لا نأكله نحن بأنفسنا"ويضيف هانكوك في موضع
آخر من كتابه:"في أعقاب انتشار الإشعاع الصادر عن حادث تشرنوبل في روسيا
عام 1986م تحولت كميات من الأغذية الملوثة والتي تعتبر غير قانونية في أوروبا إلى
شحنات إغاثة، وقد تم إغلاق مصنع أغذية في البحر الأحمر بعد أن استخدم دقيقاً
إيطالياً من قمح يوناني ملوث بالإشعاع"".
والحقيقة أن الدول الغربية تريد أن تتخلص من فوائضها من الأطعمة من
أجل إحداث التوازن بين العرض والطلب، ولما أصبح تخزين هذه الأطعمة يكلف هذه الدول
ملايين الدولارات فقد قررت هذه الدول أن تصدر فائضها من الأغذية إلى الدول الفقيرة
تحت مسمى المساعدات الدولية.
فما تدفعه هذه الدول بالشمال تأخذه باليمين من الدول الفقيرة، وعلى
سبيل المثال فإن قانوناً أمريكياً ينص على أن تكون 80% من وسائل الشحن والنقل التي
تحمل المساعدات أمريكية، وهو ما يعني أن الدول الفقيرة ستدفع من أربع إلى خمس مرات
ضعف السعر الذي ستدفعه لو نقلت تلك المساعدات على متن سفن غير أمريكية، وبذلك
يستفيد من هذا القانون المزارعين وتجار الحبوب وأصحاب سفن الشحن الأمريكية.
هذا بالنسبة للمساعدات التي تسمى إنسانية وهي المتعلقة بالأغذية
والمطعومات وما شاكلها، أما المساعدات الأخرى فهي إما أن تكون مساعدات مقدمة
لمنظمات المجتمع المدني أو مقدمة للدول بشكل مباشر.
أما المساعدات المقدمة لمؤسسات المجتمع المدني فعادة ما يتم توجيهها
مباشرة من قبل أجهزة المخابرات الأجنبية، وقد اعترف مسؤولون أمريكيون وبكل غطرسة
واستفزاز بأن الحكومة الأمريكية قد موّلت جمعيات ومنظمات أهلية مصرية بمبلغ 105
ملايين دولار خلال فترة 7 أشهر فقط بعد رحيل مبارك، فقد تزايدت المنظمات الداعمة
للديمقراطية بعد سقوط مبارك فقامت أمريكا على سبيل المثال بزيادة التمويل المخصص
للمعهد الديمقراطي من مئات الآلاف من الدولارات إلى 7 ملايين دولار في العام،
وارتفع عدد موظفي المعهد في القاهرة من مكتب صغير يضم اثنين من العاملين الدوليين
إلى 3 مكاتب يعمل بها 12 من النشطاء الدوليين إضافة إلى 50 مصرياً.
وذكرت جريدة الأهرام أن الوكالة الأمريكية للتنمية موّلت نحو 76
منظمة غير حكومية بتمويل قدره 87,5 مليون دولار في الفترة من عام 2005 حتى نهاية
السنة الماضية.
وقالت جريدة الشرق الأوسط إن التحقيقات القضائية في قضية التمويل
الأجنبي غير المشروع لعدد من منظمات المجتمع المدني المصرية والأجنبية كشفت عن: "أن
الولايات المتحدة قامت بتقديم حجم هائل من التمويل لمنظمات مصرية وأمريكية تعمل
على أرض مصر في أعقاب ثورة 25يناير على نحو يفوق عدة مرات ما كانت تقدمه لتلك
المنظمات قبل الثورة"، ومعظم المنظمات هذه لم تحصل على إذن من الحكومة
المصرية وغير مسجلة، وكثير منها لم تعلم بها الوزارات الحكومية.
إن واقع هذه المنظمات هو أنها معدّة أصلاً لنشر الفكر الديمقراطي
الغربي، وغزو المجتمع بالثقافة الغربية، إضافة إلى شراء الذمم وتربية العملاء
والمضاربة على الدولة لتكوّن منها البدائل الجاهزة.
أما بالنسبة للمساعدات المقدمة إلى الدول فيغلب عليها الطابع العسكري
والأمني، ومن أهم أهدافها الحفاظ على أمن أمريكا ودورها العالمي والدخول في
أحلافها السياسية والعسكرية والاقتصادية. ولعل تقريراً أمريكياً تم نشره في أيار
2006 في الواشنطن ريبورت على شكل دراسة توضح فيه الأهداف الاستراتيجية الأمريكية
في المنطقة، وتبين بشكل محدد ما هي المصالح الأمريكية التي تم خدمتها وتحقيقها
تفصيلاً نتيجة لتقديم المساعدات المصرية ومن بينها:
1)
سماح مصر للطائرات العسكرية الأمريكية باستخدام الأجواء العسكرية المصرية
ومنحها تصريحات على وجه السرعة لـِ 861 بارجة أمريكية لعبور قناة السويس خلال
الفترة من 2001 إلى 2005 وتوفيرها الحماية الأمنية اللازمة لعبور تلك البوارج.
2)
قيام مصر بتدريب 250 عنصراً في الشرطة العراقية وَ 25 دبلوماسياً عراقياً
خلال عام 2004.
3)
أقامت مصر مستشفى عسكرياً وأرسلت أطباء إلى قاعدة باجرام العسكرية الأمريكية
في أفغانستان ما بين عامي 2003 وَ 2005 حيث تلقى أكثر من 1100 مصاباً الرعاية
الصحية.
4)
أنفقت مصر حوالي 7,3 مليار دولار لشراء معدات عسكرية أمريكية من عام 1999
إلى العام 2005م.
مثل هذه التقارير الأمريكية تبين أن كل ما تقدمه أمريكا من مساعدات
يعود كمنافع اقتصادية وسياسية وعسكرية وربما هذا يفسر سبب تمسك أمريكا بالمعونات
المقدمة إلى مصر وبشكل خاص العسكرية منها، ففي حين انخفضت المعونات الأمريكية
الاقتصادية لمصر من 815 مليون دولار عام 1998 إلى 775 مليون دولار عام 1999 ثم إلى
727 مليون دولار في عام 2000 ثم إلى 695 مليون دولار عام 2001 ثم إلى 655 مليون
دولار في عام 2002 ثم إلى 615 مليون دولار عام 2003 بينما استمرت المعونات
الأمريكية العسكرية كما هي عند مستوى 1,3 مليار دولار سنوياً.
وأكَّد هذا التمسك الأمريكي بتقديم المعونات العسكرية لمصر مؤخراً
قائد هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الذي قال بكل صراحة: "إن
قطع المساعدات من شأنه أن يبعد الأجيال القادمة من الضباط العسكريين المصريين عن
الولايات المتحدة"، وذكر مميزات لهذه المعونات ذكر منها: حقوق التحليق في
الأجواء المصرية وأولوية المرور في قناة السويس، وكان يوجه كلامه هذا إلى لجنة
الاعتمادات في مجلس النواب الأمريكي محذراً فقال: "عندما نستخدم المال
لنفصل أنفسنا عن شركاء سابقين لا يؤدي ذلك إلى نتيجة جيدة"، وأضاف
ديمبسي: "يوجد ما بين 200 إلى 300 ضابط مصري يتلقون التدريب في المدارس
العسكرية الأمريكية"، وأكَّد على أن: "الجيش الأمريكي سيستمر في
البقاء على اتصال مع القادة المصريين وهم يقومون بالتغييرات التي يبغون
تنفيذها".
وتحدَّث ديمبسي عن علاقة أمريكا بمصر وبالثورة المصرية في موقع آخر
فقال: "أعتقد أنهم يقومون بكل الأمور ويضعونها في نصابها الصحيح والاختبار
الحقيقي هو صياغة الدستور وإجراء الانتخابات الرئاسية وهذا هو السبب في أننا نريد
البقاء على اتصال معهم ليس لفرض أي تأثير ولكن ببساطة لنكون شريكاً لهم ولمساعدتهم
على فهم مسؤولياتهم الجديدة وهم يتوقعون هذا النوع من الشراكة معنا".
وباختصار فإن المساعدات الأمريكية للدول يقابلها مساندة أمريكا
سياسياً في سياساتها العدوانية والدخول معها في تحالفات سرية وعلنية ورعاية
المصالح الأمريكية المختلفة بشتى أشكالها بما فيها تغيير المناهج ومحاربة الإسلام
والاعتراف (بإسرائيل) وضمان تفوقها العسكري في المنطقة وفتح الأسواق لمنتجاتها
وتمكينها من الموارد النفطية والثروات المهمة واحتواء الأنظمة وجعلها منسجمة مع
التوجهات الأمريكية بشكل أو بآخر.