الجمعة، 7 يونيو 2013

البطالة وكيفية معالجتها


البطالة وكيفية معالجتها

البطالة باتت واحدة من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة، فهي ظاهرة اقتصادية وسياسية واجتماعية يترتب على وجودها آثار مجتمعية مدمرة في مختلف مناحي الحياة، ولعل من أهم آثارها اندلاع الاضطرابات السياسية والاقتصادية الشديدة التي قد تعصف باستقرار الدولة والمجتمع.
وتُعرَّف البطالة بأنها الحالة التي يكون فيها الشخص قادراً على العمل وراغباً فيه ولكنه لا يجد العمل والأجر المناسبين. ويخرج من التعريف الصغار والشيوخ والمرضى والعاجزين والكسالى والذين لا يرغبون أو لا يريدون العمل.
وبالنسبة لتعريف البطالة وذكر آثارها فلا يكاد يوجد أي اختلاف فيهما بين أتباع المذاهب والنظريات الفكرية المختلفة، وإنما الاختلاف وارد فقط في اسبابها وكيفية علاجها.
أما أسبابها فيتفق الرأسماليون على بعضها خاصة التي تتعلق بالزيادة السكانية وعدم التوازن بين تلك الزيادة والموارد، وندرة الموارد وقلة الإنتاج، فيما يختلفون في بعضها الآخر.
فأتباع المذهب الحر يقولون بأن أسباب البطالة تتركز في عدم وجود منافسة حرة وتامة في السوق، وعدم تحرير الأجور من جميع القيود، لأن الأجور - وفقاً لنظرياتهم - هي التي تؤثر مباشرة في مستوى البطالة.
وأما أتباع كينـز فيقولون بأن أسباب البطالة تتركز في عدم زيادة الإنتاج بما يتناسب مع زيادة الطلب، بمعنى أنه كلما ازداد الطلب يزداد الإنتاج وكلما ازداد الإنتاج يزيد تشغيل العمال وتنخفض البطالة.
وأما بالنسبة للشيوعيون فيقولون بأن البطالة هي نتيجة طبيعية لهيمنة الملاك على الأرض وهيمنة الرأسماليين على وسائل الإنتاج وسيطرتهم على فائض القيمة.
إن هذه الأسباب التي ساقها الشيوعيون والرأسماليون بشقيهم أتباع المذهب الحر وأتباع كينـز ليست هي في الواقع الأسباب الحقيقية للبطالة، فهي ليست آتية من دراسة الواقع والنظر في المشكلة، وإنما هي آتية عندهم من أساس النظرة عند كل منهم إلى مفهوم الملكية وعلاقتها بالفرد والدولة.
فأتباع المذهب الحر يركزون على الحرية الاقتصادية للفرد (حرية العمل، وحرية التجارة، وحرية التعاقد) ويجعلون الاقتصاد خاضعاً لما يسمونه بالقوانين الطبيعية المستقلة عن إرادة المجتمع والدولة، ويرون أن المنافسة الحرة كفيلة بحل المشاكل ومنها مشكلة البطالة بشكل طبيعي وتلقائي، وبالتالي فلا داعي لأي نوع من التدخل التي تقوم به الدولة.
 وبسبب هذه النظرة سيطر أصحاب رؤوس الأموال والشركات على الاقتصاد وتحكموا بالعمال وبأجورهم وبسببها أيضاً خرج الكثير منهم من سوق العمل واستشرت البطالة.
أما أتباع كينز فقد حاولوا تخفيف بعض الآثار المدمرة الناتجة عن نظرة المذهب الحر إلى الملكية الفردية وتعظيمها، فأدخلوا بعض الترقيعات على الرأسمالية، ومنحوا الدولة بعض الصلاحيات التي قد تحد من البطالة واحتكار الأثرياء وشركاتهم للثروة، فطالبوا برفع الأجور وقيام الدولة بالاستثمار في مشاريع كبيرة لتشغيل الأيدي العاملة ولتقليل البطالة، ولكن النتيجة أن البطالة قد تفاقمت لأن الشركات الخاصة التي تعمل في مشاريع مماثلة لمشاريع الدولة اضطرت الى تسريح عمالها، ولجأت الى نقل أعمالها إلى مناطق أخرى تكون الأجور فيها أقل.
وأما الشيوعيون فنظروا إلى المشكلة من وجهة نظرهم التي ترفض فيها أي دور جوهري للملكية الفردية والقطاع الخاص، فجعلت الدولة في النظام الاشتراكي الشيوعي توظف كل الناس في دوائرها وقضت بذلك على البطالة الظاهرة لكنها أوجدت بالمقابل بطالة مقنعة هي أشد فتكاً من البطالة المعروفة، وأوجدت جيوش من الموظفين تفوق بكثير الحاجة الفعلية للعمل، أي أن العمالة الزائدة في  النظام الشيوعي أصبحت فائضة ولا تنتج شيئاً تقريباً، وهو ما ادّى فيما بعد الى انهيار الاقتصاد وانهيار الشيوعية نفسها.
وهكذا فالنظرة الخاطئة للمشكلة، وعدم التشخيص الصحيح لأسبابها، أدّيا إلى تفاقمها، وتحولها بالتالي إلى آفة مزمنة لم تتمكن جميع بلدان العالم اليوم سواء المتقدمة منها والمتخلفة، الغنية منها والفقيرة، والصناعية منها والنامية من تجنب الوقوع فيها.
فلم تفلت أية دولة من الدول التي تتبنى تلك النظريات من شباك البطالة، في حين تستمر نسب وأرقام العاطلين عن العمل بالتصاعد سنة بعد أخرى بحيث لا تقف عند حد، وغالباً ما تتزايد ولا تتراجع أبداً.
وفي منطقتنا العربية يوجد اليوم ما يزيد على 22 مليون عاطل عن العمل في هذه الأيام، بينما كان العدد قبل عامين لا يتجاوز السبعة عشر مليوناً.
ولو أخذنا على سبيل المثال دولة كمصر، ونظرنا في نسب البطالة فيها على مدى الخمسين عاماً الماضية، لوجدنا أن البطالة فيها تتضاعف باستمرار. فقد كانت البطالة فيها عام 1960 لا تتجاوز ألـ 3% ثم قفزت في سنة 1976 إلى 8% وارتفعت بعد عشرة أعوام إلى 16% ووصلت الآن إلى 21% وفقاً للأرقام الرسمية المعلنة.
وهكذا نجد أن المشكلة تتفاقم عاماً بعد عام، وبينماآثارها باتت تُلاحظ في الميادين العامة والساحات، ولدرجة أنها كانت واحدة من الأسباب التي أدّت إلى نشوب الثورات في البلدان العربية، وساهمت في ايجاد حالةً من عدم الاستقرار في الأوضاع السياسية العربية.
إن الحلول الرأسمالية المطروحة حالياً لمواجهة البطالة لا تخرج برامجها عن زيادة الإنتاج والبحث عن موارد جديدة وتخفيض أعداد السكان وتوزيعهم على مناطق أخرى.
والحقيقة أن جميع خطط التنمية وبرامج التخطيط الاقتصادية قد فشلت فشلاً ذريعاً في حل تلك المشكلة، ومع ذلك فكل حكومة جديدة تأتي تجتهد في وضع مثل تلك الخطط والبرامج الفاشلة.
أما اعتبار أن ارتفاع عدد السكان سبب رئيسي للبطالة فهذا الكلام غير صحيح، لأنه كما يؤدي هذا الارتفاع إلى وجود بطالة في هذه الدول فكذلك يؤدي إلى ارتفاع عدد المستهلكين للسلع والخدمات، وهذا بدوره يؤدي إلى تشغيل عمال جدد، ثم إن البطالة موجودة واقعياً في البلدان ذات الكثافة السكانية العالية كوجودها في البلدان ذات الكثافة السكانية المنخفضة، وبالتالي فلم يلاحظ أثر قلة السكان على نقصان البطالة.
وأما زيادة الإنتاج فإن الدول الكبرى الصناعية إنتاجها كبير جداً ومع ذلك فالبطالة فيها مرتفعة.
 ولذلك فإن حقيقة المشكلة تتعلق بالنظام الاقتصادي وبكيفية توزيع الثروة على الأفراد ولا تتعلق بزيادة الإنتاج نهائياً كما يظن الرأسماليون.
إنّ حل مشكلة البطالة حلاً جذرياً يحتاج إلى دولة إسلامية تطبق الإسلام تطبيقاً شاملاً كاملاً، فإن وجدت مثل هذه الدولة حلّت هذه المشكلة تلقائياً. فالمسلمون وعلى مر تاريخ الدولة الإسلامية ولما زاد عن عشرة قرون لم يعرفوا مشكلة البطالة ولم يعانوا منها. فهذه المشكلة لم تُعرف حقيقة إلا بعد غياب الإسلام عن التطبيق، وإلا بعد حلول النظام الرأسمالي في بلاد المسلمين محل الإسلام.
أما بالنسبة للموارد فالله سبحانه قد خلق الآرض وفيها من الموارد ما يكفي للإنسان لو أحسن استغلالها، قال تعالى: )أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً{25} أَحْيَاء وَأَمْوَاتاً{26} وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتاً((المرسلات). وقال تعالى: )وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ{19} وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ{20} وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ((الحجر).
فالأرض إن أُحسِن استخدامها بجهد الإنسان، فإنها تعطي من الثمار والخير ما يمنع وجود الفقر عليها. وجهد الإنسان يعني العمل فيها. فإن وجد مثل هذا النظام الاسلامي الصحيح فلا بطالة ولا فقر بين الناس.
والإسلام شجع الناس على تملك الأراضي واستغلالها وعمارتها، قال r: "عادي الأرض لله ولرسوله ثم لكم من بعد فمن أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين" والدولة تساعد من يريد من الناس إحياء الأراضي الميتة بإيصال المياه وتوفير البذار إن عجزوا عن ذلك، وكما تمنح الدولة الأراضي للزراعة كذلك تقطع الأراضي للرعي وتكثير الماشية والأنعام. وهذه الأحكام الشرعية المتعلقة بالأراضي كفيلة وحدها أن تمنع وجود أي بطالة في المجتمع، وأن تمنع بالتالي وجود أي فقر بين الأفراد.
وفي التجارة الخارجية ترفع الدولة القيود أمام تجارات المسلمين ومن يحملون التابعية للدولة الإسلامية ولا تجبي أي ضرائب منهم وهو ما يعود بالنفع والخير العميم على جميع رعايا الدولة، وتجعل الدولة الاسلامية من تابعية التاجر الأساس في أحكام التجارة الخارجية بدلاً من منشأ البضاعة كما هو الحال اليوم، وهذا يفتح أمام التجار المسلمين ومن يحملون تابعية الدولة الاسلامية الأبواب مشرعة لنمو التجارة وارتفاع الأرباح للتجار المسلمين.
وأمّا في الصناعة فتسمح الدولة الاسلامية للأفراد بفتح المصانع فيما يتعلق بالصناعات غير الثقيلة والتي لا علاقة لها بالملكية العامة، فالصناعة تأخذ حكم ما يجري صنعه، وهذا يفتح المجال أمام الأفراد في الدولة ان يحصلوا على الثروة من أبواب واسعة وكثيرة، ويشغلون لديهم من يحتاج إلى العمل، وبذلك فهم يشكلون رافداً أساسياً إلى جانب الدولة في تحريك عجلة الاقتصاد والقضاء على البطالة.
وإلى جانب هذه التسهيلات التي تقدمها الدولة للأفراد في الزراعة والتجارة والصناعة، ومنها عدم فرض الضرائب، ومنح الأراضي مجاناً للناس للعمل فيها وزراعتها، وجعل تابعية البضاعة للتاجر وليس لبلد المنشأ، وتمكين  الأفراد من تملك المصانع، إلى جانب هذه التسهيلات فإن الدولة نفسها تقوم بتوفير الأعمال في مرافقها للأفراد ابتداء من الجيش والجهاد، قال r: "جعل رزقي تحت ظل رمحي"، وقال r: "من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه"، ومروراً بتشغيل الأفراد في مرافق ومصالح الدولة المختلفة، وانتهاء بتوزيع الأموال والمنافع على الناس وفقاً لأحكام الملكية العامة وملكية الدولة. وهذا كله من شأنه أن يجعل نسبة البطالة في المجتمع الاسلامي دائماً في حدود الصفر بالمائة.
هذا بالنسبة لنظرة الإسلام إلى مصادر الاقتصاد في الدولة، أما بالنسبة للنظام الاقتصادي فيها فإن مجرد تحريم الربا ومنع الاحتكار ومنع الكنز وتثبيت العملة بالذهب والفضة وإبطال شركات المساهمة وإلغاء الأسواق المالية الطفيلية كل ذلك كفيل بجعل الأعمال الاقتصادية الحقيقية على الأرض كثيرة وهي تتطلب المزيد من العمالة، وبالتالي فلا مكان لوجود أية بطالة في ظل هكذا نظام.

 وإذا أضفنا إلى ذلك كله توحيد بلاد المسلمين في دولة واحدة، ونجحنا في تحقيق ذلك ولو جزئياً في البداية فعندها لا يكون للبطالة أي ذكر في ديار الاسلام.